قلنا: إن كان الجهاد بالرأي: فقد جاهد به علي عليه السلام مع سيفه، وبعد فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يشاورهم تطييباً لنفوسهم، وإلا فقد كان بالوحي غنيا عن ذلك.

وبعد فاختصاص علي عليه السلام بالرأي وحسن التدبير أظهر من ان يخفي فإن أولي الأحلام والرأي من الصحابة كانوا إذا اشتبهت عليهم الأمور رجعوا إليه ولهذا فإن الردة لما عمت بعد رسول الله -صلى الله عليه آله وسلم- رجع أبو بكر إلى رايه علي عليه السلام فاستشاره في أمر أهل الردة فقال: عليه السلام: إن الله جمع بين الصلاة والزكاة فلا تُفَرِق بينهما، فأخذها عنه، وعند ذلك قال أبو بكر: والله لو منعوني عقالاً مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقتالهم عليه، وفيه دلالة على افتقار أبي بكر إليه في العلم، والرأي، وقال عمر بن الخطاب: هاهنا رجل كنا قد أُمرنا إذا اختلفنا في شيئ أن نرجع إليه، ولما رجع إليه عمر في قتال فارس أشار عليه السلام بذلك، واستشاره في الخروج بنفسه، فأشار عليه بألا يخرج، وكانا لا يزالان يستشيرانه في الحروب فيكون رأيه هو الصواب.

وعن بن عباس قال: كان علي عليه السلام للداء إذا عضل، وللرأي إذا أشكل، وللحرب إذا توقدت نيرانها.

قال علي عليه السلام: لولا خشية الله لكنت أدهى العرب، وهذا قليل من كثير من هذا الباب وهو أظهر من أن يَخفى فأما قولنا: لمثل ذا قلنا الإمام حيدره: فنريد بذلك قوله عليه السلام: أنا الذي سمتني أمي حيدرة.

قال عليه السلام: يوم خيبر، وقد تقدم ذكر السبب في تسميتها له، وكذلك قولنا يكيلهم بالسيف كيل السندره: فإنه قال ذلك اليوم أكليكم بالسيف كيل السندره، أما حيدره فهو من أسما الأسد، وقيل: أنه الأسد الضرغام، القوي، الذي يخاف منه كل السباع، وكل الحيوان، وأما السندرة: فهي شجرة يعمل منها القسي والنبل، والسندره: ضرب من المكايل، وهو الذي يوافق المعنى هاهنا في قوله عليه السلام كيل السندره.

ويوم الأحزاب كريه الخد
بقتله عمرو بن عبد ود

 

كفى به الله قتال الضد
دون الكهول منهم والمرد

ولأمير المؤمنين عليه السلام المقام المحمود، يوم الأحزاب عند شدة الأمر كما قال الله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً}[الأحزاب:10،11]، وكفى الله المؤمنين القتال بقتله عليه السلام عمرو بن عبد ود.

 قال الصادق عليه السلام: كان والله قد أُنزل على الرسول {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}[الأحزاب:25] بعلي بن أبي طالب؛ وقيل: أنه لم يكن في العرب أشجع من عمرو بن عبد ود ولا أكبر منه جثة؛ فكان منه أنه يومئذٍ طفر الخندق بفرسه فجعل ينادي للبِراز عمر بن الخطاب، وغيره من الصحابة أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- فجعل عمر يلوذ برسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- من عمر بن عبد ود فعند ذلك الخطب العظيم الذي يهز المسلمين قال: رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من يخرج إلى عمرو بن عبد ود وأنا ضامن له الجنة))، فخرج علي، وحَمَل الضمان بالجنة، وبرز له عليه السلام، فكان بينهما يوم عصبصبا، وقتال عظيم؛ كانت فيه الدائرة على عدو الله بعد أن ضرب علياً عليه السلام على رأسه فشجه شجة منكَرة، وضربه علي عليه السلام ضربة فطرح رجليه بضربة واحدة، وثبت إليه اثنتي عشر قدماً ممتد وانصرف عشرين فوق ثبتته، ثم جز علي عليه السلام رأسه، وقتل ولده، وهاجت الرياح، وانهزمت الكفار، وفي ذلك اليوم لما ضربه عمرو على رأسه نفث عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى برئ من الضربة، وقال: أين أكون إذا خُضبت هذه بهذا.

138 / 398
ع
En
A+
A-