وقد ثبت أن بينهما وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعداً كثيراً إلا أن أبا بكر لا يلقى نسب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلا إلى مرة بن كعب وعمر لا يلقاه بنسبه إلا إلى كعب بن لؤيوهو وعلي عليه السلام يلتقيان إلى عبد المطلب، وهو الجد الأول.
ولهذا لما أنزل الله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}[الشعراء:214] دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني هاشم لأنهم القربى دون غيرهم، ولمثل ذا قال أئمتنا عليهم السلام إن القريب هو: الذي يُنسب إلى الأب الثالث فقط.
فقضت اللغة والأخبار والشرع بأن القوم خارجون عن قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن ذوي أرحامه، ولم يبق أحد أولى بمقامه من علي عليه السلام، فإن قيل أن الآية مجملة قلنا: إنه يصح التعلق بظاهرها على الميراث لماله ولمقامه، ولغير ذلك، فلا تكون مجمله، فإن قالوا: كونه أولى لا يقتضي أن غيره لا يكون مشاركاً له.
قلنا: هذا غلط فاحش فإنه إذا قيل فلان أولى بكذا اقتضى أن غيره لا يشاركه كما يقال: الأب أولى بتزويج ابنته من غيره، ولا مشاركة هناك، وكذلك في لفظه أولى على الإطلاق، فإن قيل: إن هذه الآية عامة، ونحن نخصصها بالإجماع.
قلنا: ليس في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع ما يقتضي تخصيص هذه بأن يخرج أمير المؤمنين عليه السلام من أن يكون أولى بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما يأتي بيانه من بطلان ما بنى عليه المخالف من الإجماع الفاسد:
|
وآية قاضية بالطاعة |
لله والرسول ذي الشفاعة[73ج]
فهي له فليزة من أطاعه
الآية هي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء:59] احتج بها أئمتنا عليهم السلام على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، ووجه الإستلال بها أنه لا خلاف أنها خطاب لمن كان حاضراً من المؤمنين حالة نزولها، وقد أمرهم الله فيها بطاعة الله وطاعة رسوله، وعطف بطاعة أولي الأمر منهم وذلك يقتضي أن أولى الأمر منهم غير الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم - لأن العطف يقتضي غير المعطوف عليه وقد أخبر الله تعالى بأن الذي أمر بطاعته من أولي الأمر هو: منهم في تلك الحال، وحاصل الكلام أنه لا يصح أن يقال: أطيعوا العلماء منكم إلا وهم حاضرون فيهم، وذلك يقتضي وجوب طاعة أولي الأمر منهم من المسلمين في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فلا أحد قال بأنه كان فيهم أولي الأمر إلا أنه قال: بأنه أمير المؤمنين عليه السلام، فيجب حمل الآية على ذلك، ولا سيما مع القرائن الكثيرة في الحث على اتباعه، وأنه على الحق، وأنه بمنزلة هارون وأن موالاته واجبة باطناً وظاهراً وأن محبته واجبة، وأنه لم يؤمر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد إلى غير ذلك مما قد تقدم بيان بعض منه ومما يأتي منه كثير لا يخفى إلى على من اتبع هواه وآثر العصبية والحمية والمذهب على الحجة، وإذا كانت طاعته عليه السلام واجبة كان هو الإمام ولأن المفتي لا تجب طاعته في كل شيء إلا إذا رضى باستفتائه، والقاضي لا يجب طاعته إلا مسنده إلى طاعة الرسول، والإمام وكذلك الأمير. فإن قيل: إن الآية مجملة تحتاج إلى بيان.
قلنا: إن كانت مجملة فلا بد أن يكون قد وقع البيان لأنه حتم الطاعة لأولي الأمر منهم، وقد كان بعضهم يأمر بعضاً لا محالة، فلا بد أن يبين لهم من تجب طاعته ممن لا تجب طاعته في أمره، وإلا كان تكليفاً لما لا يعلم، وذلك لا يجوز على الله تعالى، ولا شك أن البيان حاصل لأنه لا أحد قال بأنها فيمن شهد نزولها إلا قال هو أمير المؤمنين عليه السلام ولأن ما أورده صلى الله عليه وآله وسلم في نصه عليه السلام قد بين المجمل وكشف الملتبس هذا إن قلنا إنها مجملة.