والجواب عن ذلك من وجوه:

أحدها: أن هذا الأمر مجوز ولا مانع منه بل يجوز أن يكون قد ادخر ذلك.

الثاني: أن الآية قد صرحت بأنه أتى الزكاة فدل ذلك على وجوبها عليه، ولزومها له فالقول بغير ذلك تعسف لأن الله تعالى إذا أخبر بذلك فخبره أولى على أنه عليه السلام قد كان يحصل له من الغنائم ما يزيد على مائتي درهم أو عشرين مثقالاً فلا يمتنع أن يكون قدم الزكاة في أول الحول كما هو قول كثير من العلماء.

الثالث: أنه لو صح أنه لم يدخر من المال ما يجب فيه الزكاة فإنه يجوز أن تلزمه زكاة من دون أن يدخر ما لا يجب فيه الزكاة كزكاة الفطر فإنها تجب وإن لم يكن هناك مال مدخور.

ومنها: قول المخالف إن إخراج الزكاة فعل يفتقر إلى النية، فكيف تدخل في الصلاة، وربما قال لا يجوز أن تحمل الآية على ما ذكرتم لأن فيه إضافة القبيح إلى علي عليه السلام، وهو الفعل في الصلاة.

 والجواب عن ذلك: أنه لا خلاف أن الفعل في الصلاة كان في أول الإسلام، ولم يكن قبيحاً، ثم نسخ وبعد فإنه فعل يسير، وقد وقع الإجماع على جواز الأفعال اليسيرة فيها على أن مدح الله تعالى على ذلك دليل على جوازه وفضيلته فلا معنى للقول بأن ذلك معصية.

وأيضاً فقد قيل أن الله تعالى خص بذلك أمير المؤمنين، وهو إيتاء الزكاة في حال الركوع لتكون دلالة على إمامته لنزول الآية في ذلك، وحرمة على غيره؛ كما خصه الله تعالى بدخول المسجد وهو جنب، وغير ذلك فبطل ما يتعرض به المخالف من كل وجهٍ بمنِّ الله تعالى وحمده، وثبت الكلام في دلالة الآية على إمامته عليه السلام.

وأما قولنا والشاهد التالي فأين الجامعُ: فنريد بذلك قول الله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}[هود:17] فإن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام فتضمنت أنه تالي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأنه شاهد منه.

روينا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في خُطبته على المنبر: والله وما نزلت من آية في ليل ولا نهار، ولا سهل ولا جبل، ولا سفر ولا حضر، إلا عرفت متى نزلت، وفيمن نزلت، وعرفت ناسخها ومنسوخها، ومحكمها، ومتشابهها ومجملها ومفصلها، وما من أحد من قريش إلا نزلت فيه آية أو آيتان إما بمدح وإما بذم.

 فقال له رجل: أنت أحد قريش فما الذي نزل فيك؟ فقال: أما تقرأ سورة هود {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}[هود: 17]، فكان الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- على بينة من ربه وأنا الشاهد منه، فاحتملت الآية أن يكون عليه السلام ثانياً للرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- في كونه على بينة وأن يكون تالياً له في الدعاء إلى الله والقيام مقامه؛ فلما احتملت هذين الوجهين حملناها على جميعهما على مثل ما تقدم في لفظة: الولي لعدم التنافي وعلى أن ثم قرينة تدل على أن المراد بالآية هو علي عليه السلام وهي قوله تعالى: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}، لما روينا من قول النبي –صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي مني وأنا منه)).

123 / 398
ع
En
A+
A-