الوجه الثالث: أن الله تعالى أثبت الولاية لنفسه ولرسوله ولموصوف بصفة لا تصح إلا في أمير المؤمنين علي عليه السلام؛ فيجب أن يكون ولياً على المؤمنين، كولاية الله ورسوله.

أما أن الله تعالى أثبت الولاية له، ولرسوله فظاهر الآية تتناول ذلك، وإما أنه أثبتها لموصوف بصفة لا تتم إلا في أمير المؤمنين عليه السلام، فالذي يدل على ذلك أنه تعالى أثبتها لمن آتا الزكاة في حال الركوع، وهذه الصفة لا تأتي إلا في أمير المؤمنين عليه السلام لوجه منها: أنه أثبت الولاية للمؤمنين ولا يجوز أن يريد بها أنها لجميعهم، وإلا كانوا أولياء على أنفسهم فإن الخطاب في قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} للمؤمنين، فلو حملنا قوله على عمومه لكان بمنزلة قوله: ((إنما وليكم أيها المؤمنون على أنفسكم والقائم عليكم بأموركم الله ورسوله وأنتم، وذلك يقتضي أن الولي هو: المولى عليه، والقائم هو: الذي يقام عليه، والمطاع هو: المطيع، والآمر هو: المأمور نفسه لا غيره، وذلك محال فيجب أن يكون تعالى أراد بالولاية بعضاً مخصوصاً، ولا بد أن يبينه تعالى لنا إما بإشارة وإما بالاسم، وإما بالصفة، وإلا كان أمره لنا بأن نعرفه ونعطيه ونأتمر بأمره وننتهي بنهيه تكليفاً بما لا يُعلم فإن قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ} معناه: اعلموا ذلك ولا شك أن وصفه تعالى للمؤمن الذي هو ولي بأنه الذي يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، وهو راكع صالحٌ أن يكون للبيان، فيجب حمله على ذلك لأنه إذا وجب البيان، وصلح ما هو متصل بالكلام أن يكون هو البيان وجب الحمل عليه لأنه أحسن نظماً وفصاحة وأولى في قضية العقل لئلا يكون معرضاً لإعتقاد الجهل وهو أن يعتقد بعد الإخبار بالولي، فيمن هو وليّ أنه ليس بولي، ولا شك أنه لم يؤت الزكاة في حال الركوع إلى أمير المؤمنين عليه السلام على ما تقدم بيانه من إجماع أهل البيت عليهم السلام وإجماع أهل النقل على الحقيقة.

 فإن إجماع أهل النقل على ذلك كاف وفي هذا الشأن لأنهم الذين يرجع إليهم في ذلك دون المتكلمين لأن هذا هو فيهم دون المتكلمين، كما أن المرجع في اللغة إلى أقوال أهلها.

وفي الإعراب إلى أقوال أهله، وفي الفقه إلى أقوال الفقهاء يُبين ذلك ويزيده تأكيداً أن الأمة مجمعة أن الآية نزلت في شأن أمير المؤمنين عليه السلام، لأن منهم من قال هي فيه خاصة دون غيره وهم الشيعة على طبقاتهم، وبعض المخالفين من المعتزلة.

 ومنهم من قال: أنها نازلة فيه، وفي سائر المؤمنين وهو الباقون، وقد وقع الإجماع على أنها نالة فيه عليه السلام، ووقع الخلاف في غيره، فالحق ما وقع الإجماع عليه.

يزيد ذلك وضوحاً أن علياً عليه السلام ادعى نزولها فيه بمحضر من الصحابة فأقروه على ذلك، ولم يقولوا (لا، بل هي نازلة فينا وفيك)، وذلك يدل على أنها خاصة فيه دون غيره.

وبعد أنا سنبين أن الولاية تقتضي الإمامة، فلو حملت الآية على عموم المؤمنين، لكان يجب أن يكونوا جميعاً أئمة، وذلك لا يجوز، فإذا ثبت بما تقدم كله كان عليه السلام هو المراد بالآية وجب أن يكون ولياً على المؤمنين، كولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لأن واو العطف في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}[المائدة:55] تقتضي الإشتراك في هذه الولاية وتفيد أنما حصل لواحد مما وقع العطف عليه حصل للآخر، وإلا بطلت فائدة واو العطف؛ لأنها للجمع بين الشيئين، ألا ترى أن القائل إذا قال جاء زيد وعمرو سبق إلى الفهم الإشتراك في المجيء، وكذلك سائر أنواع العطف بالواو، فإذا كان الله تعالى ولياً على المؤمنين، وكذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فكذلك من عطف به بعد الرسول وهو علي عليه السلام فيجب أن يكون ولياً على المؤمنين، فثبت بهذا كله أن علياً عليه السلام هو المراد بها دون غيره.

وأما الموضع الثاني: وهو أن الولاية التي أثبتها الله تعالى له فيها هي ملك التصرف فالذي يدل على ذلك وجهان:

أحـدهما: أن السابق إلى الأفهام من لفظة: ولي أنه المالك للتصرف، كما يقال هذا ولي المرأة وولي اليتيم، وولي القوم للذي يملك التصرف عليهم، وإن كانت مستعملة في معان نحو النصرة، والمودة؛ والملك للتصرف إلا أن الملك للتصرف قد صار غالباً عليها بعرف الإستعمال، ولهذا كان السابق منها إلى الأفهام، فلما كان الله تعالى مالكاً للتصرف في عباده، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجب ذلك لعلي عليه السلام بحكم الله تعالى بمقتضى هذه الآية.

الوجه الثـاني: أن لفظة ولي وإن كانت باقية على الإشتراك، وكانت هذه المعاني متساوية فيها فإنه يجب حملها على جميع المعاني قضاءً بحق الإشتراك؛ لأنه لا مانع يمنع من حملها عليها وهي صالحة لأفاد جميعها، ولا وجه يقتضي تخصيص بعضها دون البعض.

119 / 398
ع
En
A+
A-