فحكم الله تعالى بأن عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام، ومعلوم أنه من البنت السفلى، وبهذا احتج زيد بن علي عليه السلام على بعض المخالفين. فقبل محمد بن المنكدر بين عينيه، وقال لا يزال الناس بخير ما دام فيهم مثلك، ويدل على ذلك من الكتاب أيضاً ما احتج به زيد بن علي عليه السلام والناصر للحق عليه السلام، وهو قول الله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ}[آل عمران: 61].

فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي وفاطمة، والحسن والحسين، وقال: هؤلاء أبناؤنا ونساءنا، وأنفسنا في قصة [38 أ -أ ] المباهلة وهي متواترة؛ وأيضاً فليس علي وفاطمة ابنين لرسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- وإنما ابناه الحسن والحسين وإلا بطل معنى الآية، ومما يدل على ذلك أيضاً ما احتج به الحسن السبط بن علي صلوات الله عليهما فإنه لما توفي أمير المؤمنين عليه السلام، صعد الحسن عليه السلام المنبر فحمد الله تعالى وأثناء عليه ثم قال: ((أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد –صلى الله عليه وآله وسلم- فالجد في كتاب الله تعالى الأب قال تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}[يوسف:38] فأنا بن البشير النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا، ونحن أهل البيت الذي؛ كان جبريل عليه السلام فيهم ينزل، ومنهم يصعد، ونحن الذين افترض الله مودتنا وولايتنا فقال تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23] الخبر بطوله.

وأما السنة فمن ما يدل على أن أهل البيت عليهم السلام الذين ذكرهم الله تعالى في الآية ما رواه أبو سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33]، في نبي الله- صلى الله عليه وآله وسلم، وفي علي، وفاطمة، والحسن والحسين عليهم السلام؛ فجللهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، قال وأم سلمة على باب البيت قالت: يا رسول الله وأنا. قال: أنت إلى خير)).

وعن أم سلمة قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً في بيتي إذا قالت الجارية: علي وفاطمة بالسدة. فقال: تنحى عن أهلي. فدخل علي وفاطمة والحسن والحسين صبيان صغيران فقبلهما وأجلسهما في حجرة، وأخذ علياً بإحدى يديه وفاطمة عليها السلام باليد الأخرى فقبلها وقبلهُ وأغدف عليهم خميصة كانت عليه وقال: إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي، قالت: قلت: وأنا، قال: وأنت فعطفها على أهل البيت فدل ذلك على أنها ليست منهم([31]).

وبإسناد آخر عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33].

قالت: وفي البيت سبعة جبريل وميكائيل عليهما السلام، ورسول الله، وعلي، وفاطمة، والحسن والحسين عليهم السلام وأنا على باب البيت جالسة.

 فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت قال: إنك لعلى خير إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما قال إني من أهل البيت قال: إنك لعلى خير إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما قال إني من أهل البيت)).

وهذه الأخبار وغيرها من أخبار آية التطهير سنوردها في أول الكلام في أهل البيت عليهم السلام وفضلهم عند الكلام في شرف أمير المؤمنين عليه السلام بأولاده، وكونهم خيرة الناس بعده، ونذكر هنالك ما رواه في آية التطهير أهل مذهبنا، وما رواه مخالفونا في ذلك، وكلما نذكره في هذا الباب في هذا الموضع وفي ذلك الموضع إن شاء الله تعالى؛ فإنه يدل على أن أزواج النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- وإن كان في أول الآية ذكرهن فإنهن لسن بمرادات بها، يؤكد ذلك أن لفظة إنما تقع في ابتداء الكلام، ولهذا يسبق إلى الفهم عند التلاوة أنه ابتداء كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}[الرعد:7] {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[النساء:171]، {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}[الكهف:110] {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}[آل عمران: 175]، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}[الأحزاب:33].

إنما هو ابتداء كلام ولا يجب أن يلحق ما تقدم، والإبتداء في اللغة العربية بإنما ظاهر معروف وقد قال بعض العلماء: ولو حملت الآية على أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أزواجه جميعاً لكانت حجة على ما قلناه من أن إجماعهم حجة وأكثر ما في هذا أن لا يكون قولهم ذلك الزمان حجة، وهناك من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الورع والعلم منهن من يخالف في المسألة فهذا لا يؤثر فيما ذهبنا إليه من أن إجماعهم وحدهم بعد ذلك حجة.

والإحتجاج بهذه الآية على أن إجماعهم حجة مروي عن محمد بن عبد الله النفس الزكية عليه السلام احتج بها على المنصور في رسالته إليه وقد قال أبو علي الحبائي أن هذه الآية تدل على إجماعهم حجة، وإن لم تدل على الإمامة وقال أبو عبد الله البصري إنها تدل على أن إجماعهم حجة إلا أن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحب أن يكنَّ معهم وقد بينا أن ذلك غير ضار في الإحتجاج بها وإن كان الصحيح أنهن غير مرادات بها، لما بينا من التخصيص وصحة استقلال الكلام بنفسه، ونبين ذلك يوضحه أن المخاطبة لو كانت لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذكرهن بالتأنيث كما ذكرهن أولاً فقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[الأحزاب:33].

110 / 398
ع
En
A+
A-