النص الثالث

وللإمام عليه السلام  الدعوة العامة، وفيها من العلوم والفوائد ما يشفي قلب الموالي، ويكمد قلب المعاند، افتتحها عليه السلام  بقوله: (الحمد لله الذي جعل الإمامةقدوة للدين وسناماً، وصلاحاً لأمر العالم ونظاماً، وناط بها قواعد من الدين وأحكاماً، وجعلها للنبوة الهادية للخلق إلى الحق ختاماً، ولشرعة سيد الأنام الفاصلة بين الحلال والحرام تكملة وتماماً، والصلاة المستتبعة إكراماً وسلاماً، على أشرف البريّة ومن كان للرسل إماماً، وعلى عترته الذين ما زالوا لشريعته حفاظاً وقياماً... إلى قوله: إنها لما تعاظمت المحن، والتطمت أمواج الفتن، واختلطت الأمور، وانتشر نظام الجمهور... إلى قوله: وعفت مراتع العدل وأنديته... إلى قوله: وضاعت حقوق الله، ووضعت في غير ما ارتضاه، وظهرت غربة الدين، وقويت شوكة المفسدين، شخصت إلينا الأعيان من جميع النواحي والبلدان، وامتدت الأعناق من أداني الأرض وأقاصي الآفاق... إلى قوله: كرَّ علينا الأنام كرة ما لها من مدفع، وأقبلوا علينا إقبالة لا يجدي فيها الاعتذار ولا ينفع... إلى قوله: ممن هممهم مقصورة على تقويم أمر الدين المريج، وليس لهم على جانب الدنيا تعويل ولا تعريج، بلزوم القيام لله، وتحتم الغضب لدين الله وتلافيه قبل التلف بالكلية، وإن فرطنا في ذلك أسخطنا الرحمن وأرضينا الشيطان... إلى قوله: ونظرنا إلى أن الأمر بالمعروف الأكبر، والنهي عن الفحشاء والمنكر، معلومان الوجوب بالضرورة من الدين، وإن الظنون لا تعارض اليقين، قال الله تبارك وتعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]، وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليوشكن أن يبعث الله عليكم عقاباً تدعونه فلا يستجيب لكم))... إلى قوله: وعنه صلى الله عليه وآله وسلم  أنه رقى المنبر وقال: ((أيها الناس إن الله يقول لكم: مُرُوا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أُجِيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم)) فما زاد عليهن حتى نزل وقال: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف، وينه عن المنكر))... إلى قوله: وطمعنا في نيل ثواب الله الجزيل، ورضوانه الأكبر الجليل، بالتأهل لإرشاد عباد الله إلى مطابقة مراده، ودعائهم إلى طاعته، والسيرة فيهم بمقتضى شريعته، نظراً إلى قوله تعالى:{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلاَّ ظله: إمامٌ عادل...)) الخبر، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور، يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلوا))، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((نومٌ من إمام عادل خير من عبادة ستين سنة، وحدٌ يقام في الأرض بحقه أزكى فيها من مطر أربعين صباحاً))، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((عَدْلُ ساعةٍ خَيرٌ من عبادة ستين سنة؛قيام ليلها وصيام نهارها))، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((أفضل الناس منزلة عند الله يوم القيامة إمام عادل))... إلى آخرها.

قال مولانا وشيخنا أبو الحسين مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي حفظه الله في اللوامع (المجلد الثاني ص247) بعد أن نقل كلام الإمام: (هذا وفيها من معين العلوم ما يشفي أدواء الكلوم، وإنما اخترت إيراد هذا القدر منها لما فيه من بيان محل قدر الإمامةعند الإمام عليه السلام ، وأنها ثانية النبوة ومنوطاً بها من الدين أحكام الإسلام، وفيه بطلان ما نقله الجنداري عنه في حواشي الثلاثين المسألة، ولعله لما اطلع على الأسئلة التي أوردها الإمام فيها على الأعلام، وقد توهم ذلك غيره ممن لم يحقق مقاصد الإمام، أوْرَدَ ذلك بعضهم في عصر الإمام ونسب إليه القول بأنها ظنية، وأجاب عليه الإمام بأنه لم يصرح بما ذكره السائل، وأفاد نفيه عنه، وإنه إن كان أخذه له من تلك السؤالات فهو مأخذ غير صحيح، حقق ذلك عليه السلام  في فتاويه فخُذْهُ من ذلك المقام، وكم يحصل من التهافت في أمثال هذه النقولات لمن لم يتثبت ويحقق موارد الكلام، هذا والله ولي التسديد والإنعام). انتهى كلام مولانا حفظه الله.

النص الرابع

هو ما أشار إليه مولانا المجتهد المطلق مجد الدين بن محمد المؤيدي أيده الله، وهو قول الإمام عليه السلام  في الفتاوي ولفظه:(وأما أنه هل يجب على المأموم امتثال أمر الإمام الذي يرى أن مسائل الإمامة اجتهادية والمأموم يرى أنها قطعية أولا؟

والجواب: أن القول بكونها قطعية لا يمنع من الإلزام، ولا يكون رخصة في عدم الإلزام، ألا ترى أن كون ولاية الحقوق إلى الإمام مسألة اجتهادية، وإلى الإمام أن يلزم تسليمها إليه، وعلى المسلمين أن يلتزموا، وإن امتنع فله أن يقاتله فإذا أدى الإمام اجتهاده إلى وجوب الطاعة فله أن يلزم ذلك ويقاتل عليه كمسألة ولاية الحقوق، والمأموم إذا اعتقد الإمامة وجبت عليه الطاعة، ولعل في هذا السؤال تعريضاً إلينا فقد اشتهر أنا نقول: بأن المسألة اجتهادية، وهو أمر لم يصدر منا تصريحاً ولا تعريضاً، وإنما جرت منا مناقشة أدلة الأصحاب واعتراضات عليها فظن ذلك) انتهى.

هذا ما سنح من بيان مذهب الإمام عليه السلام ، وإن كنا قد أطلنا وكان يكفي الإحالة على موضوعاته التي تضمنها هذا السفر الذي نقدمه للقراء، ولكن أحببت الإيضاح والبيان، والله الموفق والهادي.

هذا واعلم أنّ هذا السفر العظيم قد اشتمل على الدر النظيم من المباحث القويمة، والفوائد الجسيمة، وعلى الرسائل المنقحة، والمكاتبات المهذبة، والردود الكافية، وقد قسمته إلى أربعة أقسام، في مجلدين، المجلد الأول ويحتوي على الثلاثة الأقسام الأول:

القسم الأول:

 مباحث في الإمامة، وتتضمن رسائل الإمام علي بن المؤيد عليه السلام ،  والعناية التامة بتحقيق مسائل الإمامة للإمام عزالدين عليه السلام ، وتتلوها رسالته في الإمامة التي طلب جوابها من علماء زمانه، وجواب النجري، ورد الإمام عليه، وجواب البكري، ومناقشة الإمام لجوابه، ورد البكري على نقاش الإمام، وجواب صارم الدين الوزير رحمهم الله جميعاً.

القسم الثاني:

 دعوة الإمام عز الدين عليه السلام  العامة، ومكاتباته، وبعض الردود على معارضيه، ووسيلة العمال، ورسالة للإمام الحسن بن عزالدين.

القسم الثالث:

 جوابات الإمام عزالدين وولده الإمام الحسن على أسئلة وردت عليهما فيما يتعلق بالقرآن وبالسنة وفي الأصولين وفي اللغة وغير ذلك، هذا هو المجلد الأول.

وأمَّا الـمُجلّد الثاني فيحتوي على:

القسم الرابع:

 وهو ما يتعلق بفن الفقه مما أجاب به الثلاثة الأئمة علي بن المؤيد، وعز الدين بن الحسن، وولده الحسن.

7 / 331
ع
En
A+
A-