والمختار أنَّ وجوبها لا يعلم إلا من جهة الشرع، وأنه لا مجال للعقل هنا، وأن اللطفية واندفاع الضرر غير معلومين ولا مظنونين، وأنه كثيراً مما ينعكس ذلك، فيكون() كثير من المكلفين أبعد معها من الطاعة، وينفتح كثير من المضار الدنيوية بسبب الإمامة.

قلت: ولم يزل يختلج في الخاطر إشكال ما ذكره الأصحاب من أمر الوجوب وحقيقة ظاهر كلامهم إن الوجوب على الأمة، فهل الواجب تحصيل الإمام ووجود الإمام في الخارج؟ فهذا غير مقدور لهم، لأنه إذا فرض أن في الأمة واحداً أو اثنين أو ثلاثة يصلحون للإمامة ويجمعون شروطها، فمن الجائز أن يمتنعوا عن التأهل لها والقيام بتكاليفها، وليس في مقدور سائر الأمة فعلهم لذلك، بل إذا امتنعوا عن ذلك ولم يسعدوا إليه لم يكن داخلاً في إمكان سائر الأمة، ولا متصور من جهتهم.

وإنْ كان المراد أن الواجب على الأمة ...... () في ذلك والمبالغة والاهتمام بأمره، سواء حصل أو لم يحصل، فالعبارة مشكلة، وكان الأليق على هذا أن يقال: يجب على الأمة إبلاغ الجهد واستفراغ الوسع في نصب الإمام.

وليس هذه العبارة بموجودة قط في شيء من كتب علم الكلام ولا في الفقه، وإن كان المراد: أنه يجب على من صلح للإمامة التأهل لها، إن كان واحداً ففرض عين، وإن كانوا جماعة ففرض كفاية، ويجب على الأمة أن يعقدوا له ويبايعوه وينصبوه، فهذا تفسير يقضي باختلاف معنى الوجوب في حق الأمة، فكان يليق أن يقال: يجب على من صلح للإمامة أن يتأهل لها، ويجب على سائر الأمة أنْ يعقدوها له ولو قبل هذا أن لم تسعه()، فإنما العقد من جماعة قليلة، وأشخاص معدودين من أهل العقد والحل، فكيف يجعل هذا واجباً على الأمة كلها.

وإن قيل معناه: إنَّه يجب على الأمَّة كافة إجابته وطاعته ومتابعته، فهذا واجب آخر غير ما كنا بصدده، فالأمر كما ترى في تحقيق معنى الوجوب، والتحقيق المرجوع إليه أن الوجوب في هذه المسألة مختلف في حق الأمة، والصالح لها يجب عليه القيام والانتصاب بعد حصول من يعقدها له، إذا قلنا طريقها العقد، ومع ظن الإجابة إنْ قلنا طريقها الدعوة، فهذا واجب على الصالح للإمامة، والواجب على المعتبر من خير الأمة، وأهل الحل والعقد منهم أن ينصبوه ويختاروه، وهو واجب كفاية حيث كان الصالحون لذلك أكثر مما يحتاج إليه فيه.

والواجب على سائر الأمة أن يسلكوا طريقهم ويتبعوا آثارهم ويُتَابعوهم في ذلك، هذا حيث جعلنا طريقها العقد والاختيار، وإن جعلنا طريقها الدعوة فالواجب على الأمة إجابة الداعي الكامل وطاعته ومتابعته لا غير، والله عز وجل أعلم هـ.

وقد قيل [المهدي]: في مذهب الإمامة مرجعه أنَّ الواجب في هذا هو على الله سبحانه، وهو أن يجعل لنا إماماً ينص عليه، ويعلمنا بوجوب طاعته، كما أنه يجب أن يكلفنا بالشرعيات التي هي لطف.

فإذا عرفت ذلك: فأحسن ما يُحمل عليه القول بوجوب الإمامة، أنه يجب على المسلمين عموماً الاهتمام بأمرها، والنظر في تحصيلها على سبيل الجملة.

وأما التَّفْصيل فعلى حسبما ذكرناه آنفاً، والقصد أن يجري الناس على اسلوب ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم  من الاهتمام الكلي، والفزع إلى نصب الإمام وإيثاره على تجهيزه صلى الله عليه وآله وسلم  مع كونه من أهم الأمور، ومباشرة ذلك ينهى من الأعيان والكبراء، وأهل الحل والعقد، وسائر الناس فرضهم العمل بما أبرموه واعتمدوه، فهذا هو المعنى والمراد ولا مشاحة() في العبارة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثم إنَّا نعود إلى تتميم الكلام() فيما كنا بصدده فنقول: قد حققنا المذاهب في وجوب الإمام.

43 / 331
ع
En
A+
A-