وأما التفصيلي: فنتبعها سؤالاً سؤالاً ونكشفها() معنى ومقالاً:

السؤال الأول:

قال السائل:الإمامة ربانية عامة على وجه لا يكون فوق يده يد، ولا يتم ذلك إلا إذا كان الإمام في بلد لا حكم لغيره عليه، أما إذا كان في بلد لا حكم له فيها، أو حكم غيره جار عليه فيها، فلا إمامة له ولا حكم؟

والجواب: أنَّ السائل هذا فهم من كلام العلماء خلاف مرادهم ومقصدهم، ونحن نحقق له المعنى والمراد فنقول: إن المراد بقولهم على وجه لا يكون فوق يده يد في حكم الله الثابت في الشريعة، لأن ذلك هو الواجب، لأن جهة القهر والغلبة يوضح ذلك أن ولاية الإمام ولاية عامة تامة، لا ولاية ولا يد ولا حكم لأحد عليه في حكم الله تعالى وشرعته، بل كل ولاية فهي دون ولايته ومستفادة من أمره، وحكمه هذا في حكم الله تعالى وشريعته، فأما بالقهر والغلبة فذلك غير لازم، ولا واجب، ولا شرط، ولا نطق به كتاب، ولا قضت به سنة، ولا أجمعت عليه أمة، يوضح ذلك ويبينه أن الإمام قد يغلب على نفسه، ويقهر علي أمره، ويلزم، ويحبس، ولا تبطل ولايته، ولا تسقط إمامته إلا إذا أيس من خروجه، إذ قد صار في حكم المعدوم، وأيضاً فقد يخذل الإمام ولا يجاب فيتبعه العدو من البغاة والظلمة، فيمتنع من عدوه في بلد لا يد له فيها، وبقوم لا حكم له عليهم ولا يخرجه ذلك عن الإمامة، ولا تبطل ولايته، ولا يعلم قائلاً بذلك، وقد جرى للأئمة السابقين من ذلك ما فيه حجة وكفاية، فالإمام الناصر تمـنَّع ببعض الظلمة -بل الكفرة- زماناً، وكذلك يحيى بن عبد الله، والإمام القاسم، فوقع له خفية حيث لا يد له ولا حكم، والإمام المهدي علي بن محمد قام ودعا من ثلا، ووقف برهة من الزمان، وغزا منه وحارب، وحط على صنعاء بالأمراء بني حمزة وبالقبائل، ولا يد له على أهل ثلا وعلى الأمراء ولا على القبائل، حتى أن نوبة صاحب ظفار كانت قد تقدم على نوبة الإمام، وذلك ظاهر معروف، والإمام أحمد بن سليمان وقف على بلاد خولان ولا يد له عليهم وكانت غزواته منها، والإمام يحيى بن حمزة وقف في صعدة وصنعاء وفلله وثلا ولا يد له في هذه البلدان، وكذلك غيرهم من الأئمة ولم يقل أحد من العلماء لأحد من هؤلاء الأئمة إمامتك باطلة، لأنك وقفت في بلد لا يد لك على أهلها.

ثم أنَّا نقول: إن لمن يصلح للإمامة أن يقوم ويدعي بين الظلمة والعصاة إذ هو داع إلى الله تعالى وهاد إلى سبيل الله، وآمر بالمعروف وناه عن المنكر، وتثبت له بذلك الولاية، فإن أجيب فاتُّبِع ووجد أعواناً وأنصاراً حارب وناصب وقاتل، وإن كان في ابتداء أمره لا يد له ولاقوة ولا يعلم قائلا من العلماء بتحريم ذلك ولا إنكاره، ولو جُعل ثبات اليد وتعالي الأمر شرطاً في صحة الامامة لاستد باب الامامة، لأن ذلك لا يثبت في ابتداء الدعوة في الأغلب، يؤيد هذا أن النبوة وهي الإمامة الكبرى، وقد صحت النبوة الكبرى من الأنبياء مع قهرهم، وقد أقام نبينا  صلى الله عليه وآله وسلم  بين ظهراني الكفر بذمة وجوار.

 ثم إنا نبين للسائل ما هو توهمه ولبس عليه من وقوفنا في فلله، وأقمنا فيها ولا يد لأحد علينا فيما يتعلق بنا، بل إقدامنا وإحجامنا في حربنا وجهادنا يصير عن أمرنا ولا أمر لأحد علينا فيما يخصنا ويتعلق بنا من الحروب وغيرها، وذلك معروف ظاهر لمن أنصف، وإن كان لا أمر لنا عليهم فيما يخصهم ويتعلق بهم فذلك لا يقدح علينا، مع أن المنكرات قد قلت في بلادهم وحفيت بسبب وقوفنا بحمد الله تعالى، وذلك من فوائد الإمامة، ومن أنصف عرف ذلك.

السؤال الثاني:

قال السائل: مِنْ شَرْط الإمام أن يكون معه طائفة من المؤمنين واحتج بقول علي عليه السلام : (لولا حضور الحاضر ووجوب الحجة لوجود الناصر...) إلى آخر كلامه؟

قال عليه السلام : والجواب: أن أقول للسائل:أن من شرط الإمام أن يكون معه طائفة، كلام محتمل يحمل وجوهاً ولا يدرى ما مقصده، وإن أراد بقوله من شرط الإمام أن يكون معه طائفة، أن ذلك شرط في كون الإمام إماماً فهذا كلام غير صحيح ولا قال به قائل، بدليل أن علياً عليه السلام  [كان] إماماً من قبل حضور الحاضر ووجود الناصر، وإن أراد أن ذلك شرط في جواز محاربة الإمام ومناصبة البغاة فذلك على رأي الإمام ونظره، وما تبين له من المصالح ولا اعتراض عليه في ذلك، وأنظار الأئمة وأراؤهم تختلف، وكل منهم مصيب، وإن أراد السائل أن ذلك شرط في وجوب المحاربة والمناصبة على الإمام، فنعم أن الحرب يتحتم عند وجود الناصر وعليه قوله عليه السلام : (ووجوب الحجة بوجود الناصر)، وهذا حال أئمة الهدى من علي عليه السلام  إلى الآن؛أن القائم منهم والداعي يقوم ويدعو إلى الله تعالى بطائفة وبغير طائفة، فإن وجد أعواناً حارب وناصب، وإن لم يجد وقف على حاله داعياً إلى الله تعالى وهادياً إلى سبيل الله ينتظر الفرج من عند الله تعالى، هذا حال الأئمة عليهم السلام ، فمنهم من حارب وناصر واستفتح البلدان، ومنهم من غلب وقهر وحبس وقتل، ومنهم من هرب بنفسه ممن بغى عليه من بلد إلى بلد، ومن قوم إلى قوم، ولم يعترضهم أحد من علماء الأمة، بل ينالون مما نالهم ويعترفون بفضلهم وإمامتهم، ولم يقل أحد من العلماء المهذبين لا طائفة معكم ولا قوة لكم، ولا يلزمنا اتباعكم، إذ لو قال بذلك لقيل له: كن أنت من الطائفة والأنصار للحق، وأنت مخاطب بقوله تعالى:{ يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ} [الأحقاف: 31]، وقوله تعالى:{ وَمَنْ لاَ يُجِبْ دَاعِي اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ} [الأحقاف: 32]، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من سمع واعيتنا أهل البيت فلم يجبها كبه الله على منخريه في النار)) ().

ثم أنَّا نعرف السائل بما عرفه الناس، وظهر للعام والخاص، بأن قمنا دعونا ومعنا من المسلمين طائفة عظيمة، وأمة كثيرة من العلماء والعباد، والأمناء والزهاد، وأهل الورع الشحيح، والدين الصليب الصحيح، ومنهم الأمراء الكبراء، والرؤساء ممن تاب وأناب، فامتثل وأطاع، وأعطى من نفسه العهود الغليظة والمواثيق الأكيدة، أنه سامع مطيع، مجاهد مجتهد، ناصح أمين، إن أُمِرَ أقدم، وإن نُهِيَ أحجم، ومثل ذلك كافٍ وواف شافٍ، ومظهر للحجة علينا موجب للجهاد وللمناصبة لدينا، ونحن مكلفون بما عندنا وظننا، لا بما عند السائل وظنه، ونَكْثُ من نكث وخَذْلُ من خذل لا يقدح علينا كما لا يقدح على سيد البرية، وعلي عليه السلام ،  والحسن، والحسين عليهم السلام ، وغيرهم من الأئمة، فقد ارتد في وقت النبي صلى الله عليه وآله وسلم  ونكث بعلي عليه السلام ،  يوم التحكيم طوائف كثيرة، ونكث أهل الكوفة بالحسين عليه السلام ،  وهم جم غفير، وعدد كثير من ارتد ونكث، وبعلي عليه السلام ،  ولم يقدح ذلك في إمامتهم، وذلك ظاهر لا يلتبس إلا من غلب على قلبه الرَّين، واستحوذ عليه الشيطان، والشريعة المطهرة لم ترد بأن من طلب للجهاد يجب أن يختبر سنه، ولم يقل أحد من العلماء، ومن قال به فقد تعنت وتحكم.

38 / 331
ع
En
A+
A-