الثالث: العلم، مشوباً بالورع، محصناً عن تدليس الشبه والبدع، وهي أجلها شأناً، وأعلاها مكاناً، وأبعدها عياناً، وأشرفها قدراً، وأعبقها زهراً، وأعذبها نهراً، أبوابه رحيبة خصيبة، وجناته نظرة عجيبة، وردية الأزهار، شهدية الأفكار، كريمة الأثمار، قطوفها دانية، وأغصانها متدانية، {وما يُلَقَّاهَا إلاَّ الَّذِيْنَ صَبَرُوا ومَا يُلقَّاها إلاَّ ذُو حَظٍٍ عَظِيْمٍٍ} [فصلت: 35].

إعلم أرشدك الله وإيانا: أن فنون العلم الدينية كثيرة، وأنواع كل فن منها جمة غفيرة، وكل نوع يتفرع إلى أغصان مثمرة مورقة، وأفنان مزهرة عبقة، والناس في إدراكه بين ممد ذراع إلى ممد باع، وبين شأو حباب إلى مكسر عقاب، ولو صرفت إليه مدد الأعمار، وحجزت عليه ثواقب الأبصار والأنظار، للإحاطة بأقطاره، والإحتواء على إطاره، لعادت خاسئة حسيرة بائسة فقيرة، {ومَنْ يُؤتَ الحِكمة فقد أُوتيَ خيراً كثيراً} [البقرة: 269]، والذي نتفوه بإدراكه ونتبجح بملاكه، أخذنا من كل فن نبذة مباركة، مع قريحة بحمد الله وقادة،  وغريزة من الله تعالى منقادة، وقد ذكر العلماء أن من أحرز في كل فن مختصراً من مختصراته، من آيات الكتاب شرعيات آياته، وإن لم يكن محضراً له في سائر أوقاته بباله، ولا مستحضراً له من ساعات أحواله، مع قريحة بين التلفيقات في القبول صافية، وغريزة عند الاستخراجات من الأصول وافية، فقد استوفى في العلم شرطه، واستشعر في هذا الشرط مرطه()، ونحن بتوفيق الله بهذه الصورة المعتبرة وزيادة، عرف ذلك منا من عرفنا من الفضلاء القادة، ولا نقول إنا لا نقول في شيء: الله أعلم. وكيف وقد علمنا أنما علمنا أقل مما لم نعلم، {لا تَحْسبَنَّ الَّذين يَفْرَحُونَ بِما أُتُوا ويُحِبُّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِمالَمْ يَفْعلوا، فلا تَحَسَبنَّهُمْ بمفازةٍ مِنَ العذاب ولهم عذابٌ أليمٌ}[آل عمران:188].

هذا ولو ألفينا مُساوِياً لنا أو أوفى وأكمل، ووجدنا ضَالعاً مثلنا أو أضلع وأحمل، يقوم بأمر الله، ويتولى من هذه الكلفة قارها، لعضدناه لله، ولوليناه حارها، ولكن جعل أمر الله كالشيء الملقى فتلقينا بإلجا، ومشينا إليه بوجا، غيرة على الدين وحمية، وحماة له من بغات البرية، ولعل نبلغ منه قصارى الأمنية لا جرم وإن كان فيه سبب المنية، قال تعالى: {لا تحسبنَّ الذين قُتِلُوا في سبيلِ الله أمواتاً بل أحياءٌ عندَ ربِّهِمْ يُرْزَقُوْنَ فَرِحِيْنَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 169]، ونحن على تلك العزيمة والنية باقون، ولمتأهل أهل لما حُملناه راجون، ولكافة الإخوان والخلان بذلك واعدون، ولله سبحانه وتعالى وكفى به مشهدون، قال عليه السلام  شعراً:

وإنَّا على تلك العزيمة والرجا

 

إليه ومنها نغتدي ونروح

فأرجاءُ هذا الأمر واسعة المدى

 

جواد الرجا والعزم فيه سبوح

فإن نلق بيتاً جامعاً لخلالها

34 / 331
ع
En
A+
A-