لـم يستطع صـولة البزل القناعيس
أولئك زادوا على ما تصح به الإمامة درجات، ورقوا في الزيادة سبع سموات:
أولئـك قومٌ إن بنوا أحسنـوا البناء |
وإن وعـدوا أوفـوا وإن عقدوا شدوا
{أولئكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ فَبِهُداهُم اقْتَدِه} [الأنعام: 90]، والذي ادعيناه إحراز ما تصح به الإمامة، وتثبت معه أحكام الولاية والزعامة، ويجب عنده الموالاة والنصيحة، وتلزم لأجله الاعتقادات الصحيحة، هذا ولولا إلجاء التكليف، وحمل أوامر الواحد اللطيف، وخوف انطماس ربوع المذهب الشريف، واندراس معالم الدين الحنيف، ما تصدينا لهذا الأمر الهائل، ولا استهدفنا لسهامه، ولا تحلينا بحلية لكامه، ولا تأهلنا لخطر أحكامه، ولا تتوجنا بتاج أمارته، ولا تكللنا ببدر تمامه، ولا ارتدينا برداء نظامه، ولا تظللنا بظل غمامته، خلا أنا ألفينا معارج البدع الشنيعة معمورة مسلوكة، ومناهج الشرع البديعة مدعثرة مهتوكة، فترقبنا داعياً إلى الله، وانتظرنا قائماً لله ببدو، فلم نسمع لطلائعه حساً، ولا آنسنا من طلوعه أُنساً، فازدادت البهمة في استحكامها بهمة، وازدادت الظلمة إلى ديجورها ظلمة، فحينئذٍ رمت قياس الحمية في الدين بتحمل أعباء المسلمين، ورنت حواس البصيرة واليقين بوجوب مكافحة المعتدين والظالمين، فقمنا لله تعالى مع رهبة منه ووجل، وهيبة منه تعالى وخجل، وخضوع له وتذلل، وتوسل إليه وتبهل، وثقة بِمَنِّه وتوكل.
والذي نحكيه من حالنا، ونجليه من أحوالنا؛ما نحن عليه بحمد الله من صفات نيرة معتبرة، وسمات بحمد الله خيرة مختبرة، قال الله تعالى: {ياأيها الذين آمَنُوا كُوْنُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهداءَ لِلهِ ولَوْ عَلَى أنْفُسِكُم} [النساء: 135] وهي باعتبار الخاص والعام مرتبة على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: اشترك في معرفته الداني والقاص، واستوى في العلم به المستمع والقاص، والمناضل والمناظر، والمعاضل والمكابر، فلم نحوج في إيضاحها إلى بيان، ولا في وضوحها إلى إقامة برهان.
الثاني: مفتقر إلى طرف محض وتفتيش، ومسحة بحث وتفتيش، وهو جودة الرأي، والسخا، ورباط الجأش في حومة الوغا، وبحمد الله أحرزنا منها قدراً كافياً، وحزنا من كل منها صدراً وافياً، فمن جلا غشاوة الميل عن بصره، ومحا غشاوة الرين عن بصيرته، عرف ذلك من غير كلفة، وعلمه من غير طول ألفة.