بسم الله الرحمن الرحيم
قال مصنف سيرة الإمام عليه السلام وهو السيد العلامة/ محمد بن عزالدين المفتي رحمه الله:
فهي واسعة جمة لا يسعها إلا مجلدات ضخمة، ونذكر منها خطبتين: الأولى الدعوة المباركة العامة، و(الرسالة الفائقة الرائقة التامة إلى كافة الإسلام والمسلمين)
قال عليه السلام :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله الهادي لدين الله علي بن المؤيد بن رسول الله قال تعالى: {ولْتَكُنْ منكم أُمَّةٌ يَدْعُوْنَ إِلَى الْخَيْرِ ويأمُرُون بِالْمَعرُوفِ وينْهونَ عَنِ الْمُنكرِ وأُولئكَ هُمُ الْمُفْلحون }([آل عمران: 104]، السلام الأسنى والتحية المباركة الحسنى طبقت بالرحمة الفاضلة المباركة، وعمرت بالنعمة السابغة الكاملة، وهطلت بكلائل المودة الصادقة، وشمل بها كل الرحمة الباسقة من اتبع الهدى وتمسك بأوثق العرى، وعَلِم أن الأولى دار فناء فارعوى، والآخرة منـزل بقاء فاستوى، ونظر بعين الرجا فنجا، وفزع إلى الله تعالى ولجا، لم يرع الدنيا بقالب قلبه فيقتحم المهالك، ولا حكم على لبه فيسلك أضيق المسالك، ولا هوت به الأطماع خرب الشبهات فينهار به في مواقع الشهوات، وعلم أن تقوى الله تعالى هي العروة الوثقى، والنجاة عند الله غداً، ومن أتى إلى الله تائباً نادماً، ورجع إليه راغباً عازماً، وامتثل لله تعالى مطيعاً، وتذلل له مهابة وخضوعاً، وخص أولئك أزكى التحيات وأفضل البركات، وبعد:
فالحمد لله على سابغ نواله، وشكره على بالغ إفضاله، وتقديسه لعظمته ولجلاله، وصلى الله على محمد وآله، فقد تحقق العام والخاص، وتيقن الداني والقاص؛اختباط الأمور، واضطرابها، واعتباط البدع وارتكابها، واستحساك حنادس الفتن()، واحتليلاك() كرادس() المحن، فعند ذلك طاحت بأهل العصر طوائح الضلال، ودارت عليهم دوائر الوبال والنكال، فلمَّا اشتدّتِ الأزمة وبهضت، وعظمت المصيبة وأخرست، وحارت الأفكار، وثقلت الأصار، شخصت إلينا الأبصار من جميع الأقطار، ومُدّت إلينا للاستغاثة الأعناق، وشدت إلى ساحاتنا النجائب من الآفاق، وبلغنا من الأقاصي الرسائل والأوراق، وطلبتنا القيام بأمر الأمة، وعنينا بقشع هذه الظلمة والغمة، فقف عند ذلك شعرنا، واقشعر بعظيم خطره بشرنا، وعُذنا بالله من التعرض للأخطار، ولُذْنَا بِهِ من التحمل لهذه الأوزار حذراً من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((ويلٌ للأمناء ويلٌ للأُمراء، ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم معلقة في الثريا يذبذبون بين السماء والأرض وأنهم لم يلوا عملاً)) ()، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) ()، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا يسترعي الله عبداً [رعية] قلت أو كثرت إلا سأله عنهم يوم القيامة أقام حق الله فيهم أم ضيعه)) ()، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من ولي أمراً من أمور الناس، ثم أغلق بابه دون المسكين والضعيف وذوي الحاجة، أغلق الله دونه باب رحمته عند حاجته)) ()، فقهقرنا لذلك متعوذين، وتأخرنا عن الأمر مسترجعين، فما ازدادت الظلمة إلا شدة، ولا البدعة إلا حدة، ولا المنكر إلا ظهوراً، ولا الناس إلا غروراً، ولا الدين إلا انطماساً، ولا الجود إلا امتراساً، ففزع إلينا العلماء الأفاضل، وأهرع نحونا العلماء الأماثل، وحط بساحتنا رؤساء القبائل، ولاذ بنا أهل الدين، واستغاث بنا كافة المسلمين، فرأينا القيام علينا متعيناً، ولزومه لنا ظاهراً بيناً، فقمنا لله غاضبين، ولأعدائه مناصبين، شادين أزر العزم لتأييد الدين، مستلئمين لاَمَة الجد لمنابذة الظالمين، سالّين سيف الحق لرقاب المعتدين، متدثرين شعار الرأفة للضعفاء والمساكين، متكللين بأكليل المودة لسائر المسلمين، مُتَتَوِّجين بتاج الخضوع لرب العالمين، مستمسكين بسنن الأنبياء والمرسلين وسير الأئمة الهادين، نظراً إلى قوله تعالى:{ومَنْ أحسن قولاً مِمَّنْ دَعَا إِلى اللهِ وعَمِلَ صَالِحاً وقالَ إنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ} [فصلت:33] ، وقال تعالى: {اُدْعُ إلى سبيل ربك بِالْحِكمةِ والمْوعِظةِ الْحَسنةِ وجَادِلْهُمْ بِالتي هي أحسن} [النحل:125 ]، وقوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى:52]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((مَنْ ماتَ وليس بإمام جماعة أو لإمام جماعة في عنقه طاعة مات ميتة جاهلية)) () ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلساً إمام عادل)) () ولذلك تجردنا تجرد السابقين، ونهضنا نهوض الأئمة الهادين.
اللهم اشهد على هذه العزيمة التي انطوى عليها الجنان ونطق بها اللسان، اللهم وأنت العالم بالسرائر وما يختلج في الضمائر، اللهم عصمة منك عاصمة من سوء السيرة في الرعية، وتوفيقاً موفقاً للعدل والصلاح في البرية.
ثم إن هذه دعوتنا للناس إلى الله داعية، بالرشاد والسداد للعباد ساعية، للفساد والعناد في البلاد ناعية، وللرعية في رياض الصلاح والفلاح راعية، فأجيبوا رحمكم الله داعي الله مسرعين، وبادروا إلى إجابة الله مهرعين، وهلموا ألموا براية الحق طائعين ناصرين، وقوموا لله مع إمامكم مجاهدين مناصرين، وفيما عند الله ولديه طائعين راغبين، ولأمر الله وفرضه عليكم ممتثلين مؤدين، فإن الحجة قد لزمتكم لقيام الدليل، والحجة قد وضحت لكم وأضاءت سواء السبيل، قال الله تعالى: {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف:31]، وقال تعالى: {(وَمَنْ لاَ يُجِبْ دَاعِي اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ}( [الأحقاف:32] ، وقال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}([النساء:59] ، وقال تعالى: ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِ} [الصف 10-14]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((مَنْ سمع داعيتنا أهل البيت ولم يجبها كبه الله على منخريه في نار جهنم))، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية))، وإياكم إياكم أن تقولوا: { اذهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقَاتِلا إنَّا هَاهُنا قَاعِدُوْنَ}، فامتثلوا رحمكم الله أمر الإله اللازم، واسرعوا أصلحكم الله إلى إجابة الإمام القائم.