أمه عليه السلام :هي الشريفة الطاهرة الفاضلة الكاملة مارية بنت الأمير عزالدين بن محمد بن يحيى بن علي بن حسن الملقب بعيشان.

مولده: ولد عليه السلام  بهجرة فلله يوم الإثنين لسبع ليال بقين من شهر شوال سنة خمس وأربعين وثمانمائة (845هـ).

نشأته عليه السلام : نشأ منشأ آبائه الجحاجحة الكرام، وقفا منهاج أسلافه الأئمة الأعلام، ولم يزل عليه السلام  منذ عقل إلى أن كمل مولعاً بالعلم مع ما رزقه الله من الفطنة الوقادة والقريحة المنقادة حتى فاز منه بالإبكار والعون، وحاز سره المكنون، وألفَّ فيه ما تنشرح له الصدور وتقر به العيون.

ابتدأ طلب العلم في وطنه ثم انتقل إلى مدينة صعدة فقرأ على شيوخها الذين من أحسنهم ذكاء وأجمعهم لفنون العلم القاضي العلامة النحرير بحر العلم الغزير جمال الملة والدين علي بن موسى الدوّاري، أخذ عنه أكثر الفنون، وصنف فيها ولم يتم له من العمر عشرون، ثم ارتحل إلى حرض، لسماع الحديث الذي ذهب وانقرض، على حي الفقيه المحدث شيخ السنة النبوية في وقته يحيى بن أبي بكر العامري، فسمع عليه سنن أبي داود وغيرها واستجاز منه أكثر مسموعاته، وكان من هذا الفقيه له  عليه السلام  من الرعاية التامة والإنصافات العامة مالا يحد ولا يحصى بعد، فلما قفل من سفره بعد قضاء وطره لم يزل يترقّى في العلوم حتى أحاط بمنطوقها والمفهوم، وميَّز بثاقب أفكاره الشريفة المجهول منها والمعلوم، قال بعض أولاده الفضلاء: لقد رأيت في الثالث من مفتاح السكاكي بخط يده المباركه [أنه] فرغ من سماعه وسماع كتاب الكشاف في نيف وخمسين يوماً قراءة محققة، وكان إحرازه للعلوم في مقدار عشر سنين، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}[النمل:16].

قال الزحيف رحمه الله: ولما قضى عليه السلام  من طلب العلم حاجته تفرغ للدرس والتدريس في وطنه، وصار رحلة للقاصدين، ومنتجعاً للوافدين، يؤمه طلبة العلم من أكثر الأمصار والبوادي والحضار، وتوجهت إليه المسائل والرسائل من كل جهة، ورمقته الأعين، ونطقت بفضله الألسن، وحظي من الإقبال عليه بما لم يحظ به غيره وكثرت أرزاقه ونذوره، وازدادت به رياسة عشيرته، وأشرق منهم نوره، حتى أنِّي اطَّلعت على رسالة له أنه يدخل عليه في اليوم الواحد من النذور ما قيمته مائة أوقية فضة خالصة، وكان ينفق أكثرها مع بيوت الأموال.

 قال: وكانت دعوته عليه السلام  في يوم تاسع من شهر شوال سنة ثمانين وثمانمائة (880هـ)، وكان مولده في شهر شوال كما تقدم، وهذا من النوادر، ووقع الحافر على الحافر، ورُوِيَ مثل ذلك في حق جده الإمام علي بن المؤيد  عليهم السلام ، فإنَّه ذكر إنَّ مولده وقيامه ووفاته في شهر شوال، وهذا من كرامتهما الظاهرة، واستمر عليه السلام  بعد دعوته في إصلاح أُمَّة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي الجهاد، وإرشاد العباد وإقامة الأحكام، وتشييد منار الإسلام.

وفاته عليه السلام : فلم يزل هذا دأبه حتى وافاه الأجل المحتوم في يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر رجب الأصب سنة تسعمائة، وظهر له عليه السلام  بصنعاء الكرامة العظمى، بأن نعاه فيها إله السماء.

قال الزحيف رحمه الله: وصل جماعة من صنعاء إلى صعدة فذكروا أنَّهم سمعوا ناعياً ينعاه عليه السلام ، وصرح بإسمه، فقال: رحم الله الإمام المؤتمن، المحيي لما مات من الفرائض والسنن، أبا الحسن عزالدين بن الحسن، فتلاقوا في المدينة يسألون من أي الجهات سمع الناعي، فكل يخبر أنه سمعه من الجهة التي هو فيها، وقد خطب به على المنابر، ونوهت به الأئمة الأكابر، وقد ذكر هذا النعي مولانا المتوكل على الله شرف الدين بن شمس الدين عليه السلام  في مرثيته التي رثى بها حي مولانا الإمام عزالدين عليه السلام ،  أنشأها في آخر شهر رجب سنة تسعمائة،  وأرسل بها إلى مولانا أمير المؤمنين الناصر لدين الله الحسن بن أمير المؤمنين عزالدين بن الحسن  عليهم السلام  إلى كحلان تاج الدين، وهي هذه:

وما الخلق إلاَّ دون من أنت فاقدُه
وانحت على الدين الحنيف شدائدُه
يَرنُّ وشاكٍ حر وَجْدٍ يكابده
خفوق وترجيف الفؤاد رواعده
عرى الحق وانحلّت سريعاً معاقده
ودعدع قصراً للهدى هو شائده
جسيم تسوء العالمين موارده
بسبعٍ إلهُ الخلق والسمعُ شاهده
به اللهُ نَبّأ فهو جم محامده
إلى الحق مهدياً عظيماً موارده
إماماً فننحو نحوه ونراوده
إذا ما ترامت للضلال أساوده
إذا خُشيت صولاتهُ ومكائده
يعود عليهم مثل ما أنت عائده
تجرد ما قد أعجز الناس غامده
بلفظ به يدنو إلى الحق جاحده
وكيف بمحراب خلا أنت عابده
حماماً علينا قام والله قاعده
أجش سما كي تُحِنَّ رواعده
به إذ ثواه واحدُ العصر ماجدُه
دموع سماء كل يوم يساعده
بشخص جميل للأنام عوائده
وتُحمد في أمر الجهاد مشاهدهُ
ويقطعه حتفَ حداد حدائده

 

12 / 331
ع
En
A+
A-