(190)
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بزرة: ((يا أبا بزرة إن الله عهد
عهداً في علي بن أبي طالب فقال: إنه راية الهدى ومنار الإيمان، وإمام
أوليائي، ونور جميع من أطاعني)).
(191) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين)).
(192)
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا المنذر وعلي الهادي بك يا علي يهتدي
المهتدون)) قاله لما نزل قوله تعالى: ?إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ
قَوْمٍ هَادٍ?[الرعد:7] وقد ذكره غير واحد من أئمة التفسير منهم: محمد بن
جرير الطبري، وأحمد بن محمد الثعلبي النيسابوري والنقاش والحاكم وغيرهم.
(193)
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً لعلي عليه السلام: ((أنت تؤدي ديني
وتقاتل على سنتي وأنت باب علمي وإن الحق معك والحق على لسانك)).
(194) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا عمار سيكون في أمتي من بعدي هنات حتى يختلف السيف فيما بينهم وحتى يقتل بعضهم بعضاً وحتى يتبرأ بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني -يعني علي بن أبي طالب- فإن سلك الناس وادياً وعلياً وادياً فاسلك وادي عليّ وخل عن الناس، يا عمار إن علياً لا يردك عن هدى ولا يدلك على رَدَى، يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله)) وقد روي أن قوله تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ?[البينة:7] نزل في علي وأتباعه وخرَّج ذلك عن علي وابن عباس وأبي بردة وبريدة الأسلمي ومحمد بن علي الباقر، عن آبائه عليهم السلام وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبي سعيد الخدري، ومعاذ وغيرهم.
[خبر الغدير]
هذا وأما خبر
الغدير الذي قد طار في الآفاق، واشتهر في جميع البلدان، فهو متواتر وهو
قوله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أخذ بيد علي عليه السلام فقال: ((ألست
أولى بكم من أنفسكم!؟)). قالوا: بلى يا رسول الله ثم قال لهم:
(195)
((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه وعاد من عاده، وانصر من
نصره واخذل من خذله)) عن رغامة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم رضي الله
عنهم وقد صرحوا بذلك في مصنفاتهم وجواباتهم ومن ذلك ما صرح به الإمام
المشهور القاسم بن محمد في (الأساس) وشارحه سيد المحققين أحمد بن محمد بن
صلاح الشرفي، وكذلك صرح بتواتره الإمام شرف الدين في (القصص الحق في مدح
خير الخلق)، في قوله:
وهو الحديث اليقين الكون ...إلخ
وكذلك شارحه
محمد يحيى بهران، فإنه صرح: بأنه متواتر، وروى عن (الذهبي)ما لفظه بعد
البيت السابق: كأنه إشارة إلى كلام ذكره الحافظ الذهبي، في تذكرته حيث قال:
اعتنى بحديث غدير خم محمد بن جرير الطبري فجمع فيه مجلدين. أورد طرقه
وألفاظه. قال الحافظ الذهبي: (بهرني كثرة طرقه فقطعت بوقوعه) فظاهر كلامه
أنه كان قبل ذلك لا يقطع بصحته، وقال في بعض كتبه: (وصدر الحديث متواتر
مُتَيَقَنٌ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاله، قال ابن كثير: يعني
قوله ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
قال الذهبي: وأما ((اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه)) فزيادة قوية الإسناد صححها أبو زرعة. انتهى.
وكذلك صرح سيدي العلامة عز الإسلام محمد بن الحسن في: كتاب (سبيل الرشاد)، والإمام أحمد بن سليمان في: (حقائق المعرفة)، وابن حابس والسيد حميدان، والإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة في (الشافي)، وعلى الجملة أنه لا يكاد يوجد مصنف في أصول الدين أوجواب عنه لأحد من أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم رضي الله عنهم إلاَّ ويقولون إن هذا الحديث متواتر وهو كذلك فإن من تتبع عدد رواته علم قطعاً تواتره كذلك.
[حديث المنزلة]
وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي:
(196)
((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) قال الإمام القاسم
بن محمد رضي الله عنه: وهذا الخبر متواتر مجمع على صحته.
قال الإمام
المنصور بالله عبد الله بن حمزة: من الكتب المشهورة الصحة عند المخالفين
أربعون إسناداً من غير رواية الشيعة وأهل البيت عليهم السلام [وقال الحاكم
هذا]حديث المنزلة الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول: (خرجته بخمسة آلاف
إسناد)، وغير ذلك مما تواتر معنى وأفاد العلم قطعاً بأنه أفضل الأمة بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه الإمام بعده بلا فصل، وأنه على
الحق لا يفارقه، ولا يكون على الحق إلاَّ ويكون قوله حجة يجب العمل به وهو
كذلك عند عامة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم.
[خبر البساط]
وأما خبر البساط فهو ما رواه الفقيه حميد الشهيد رحمه الله تعالى يرفعه إلى أنس بن مالك قال:
(197)
((أهدي لرسول الله بساط من خندق فقال لي: يا أنس ابسطه فبسطته ثم قال لي:
ادعو العشرة وفي رواية: ادع الثلاثة: أبا بكر وعمر وعثمان فلما دخلوا أمرهم
بالجلوس على البساط ثم نادى علياً فناجاه طويلاً ثم رجع علياً فجلس على
البساط ثم قال: يا ريح احملينا فحملتنا الريح فإذا البساط يدف بنا دفاً ثم
قال: يا ريح ضعينا، ثم قال: أتدرون في أي مكان أنتم؟، قلنا: لا [نعلم]قال:
هذا موضع أصحاب الكهف والرقيم، قوموا فسلموا على إخوانكم قال فقمنا رجلاً
رجلاً فسلمنا عليهم رجلاً رجلاً، فلم يردوا علينا فقام علي بن أبي طالب
عليه السلام فقال: السلام عليكم معاشر الصديقين والشهداء، قال: فقالوا:
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته قال: فقلت: ما بالهم ردوا عليك السلام ولم
يردوا علينا. فقال لهم: ما بالكم لا تردوا على إخواني: فقالوا: إنا معاشر
الصديقين والشهداء لا نكلم بعد الموت إلا نبياً أو وصياً، ثم قال: يا ريح
احملينا فحملتنا تدف بنا دفاً ثم قال: يا ريح ضعينا فوضعتنا فإذا نحن
بالحرة، قال: فقال علي عليه السلام: ندرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في
أخر ركعة فطوينا وأتينا فإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في أخر
ركعة ?أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ
آيَاتِنَا عَجَبًا?[الكهف:9])).
[خبر العمامة]
وأمَّا خبر العمامة فروى الفقيه حميد الشهيد رحمه الله بإسناده عن عبد الله بن أنيس قال:
(198) برز يوم الصوح أسد بن غويلم فاتك العرب يجيل فرسه ويدير رمحه، وهو يقول:
وجرد سعال وزغف مذال .... وسمر عوال بأيدي رجال
كآساد ديس وأشبال خيس .... غداة الخميس ببيض صقال
نجيد الضراب وجز الرقاب .... أمام العقاب، غداة النزال
نكيد الكذوب وتجري الهبوب .... ونروي الكعوب دماً غير آل
ثم
سأل البراز فأحجم الناس فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قام إلى
هذا المشرك فقتله فله على الله الجنة، وله الإمامة بعدي)) فأحجم الناس
فقال علي عليه السلام: تهزه العرداء فقال له النبي صلى الله عليه وآله
وسلم:
((مالك يا ذا القبقب. قال: ظمآن إلى البراز، سغب إلى القتال، فقال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: نحن بني هاشم حُوَّدٌ سُجَّد لا نجبن ولا
نغدر، أنا وعلي من شجرة واحدة لا تختلف ورقها أخرج إليه ولك الإمامة بعدي))
فخرج وضربه في مفرق رأسه والناس ينظرون إليه، فبلغ سيفه إلى السرج وخرَّ
نصفين وانهزم المشركون، دأب علي عليه السلام يمير سيفه ويقول شعراً:
ضربته بالسيف وسط الهامة .... بشفرة صارمة هدامة
فبتكت من جسمه عظامه .... وبنيت من أنفه إرغامه
أنا علي صاحب الصمصامة .... وصاحب الحوض لدى القيامة
أخو نبي الله ذو العلامة .... قد قال إذ عممني العمامة
أنت أخي ومعدن الكرامة .... ومن له من بعدي الإمامة
قال: رواه (الحاكم) عن عبد الله بن أنيس قال: ورواه الحاكم أيضاً عن أبي رافع.
[حديث الطير]
وأمَّا
حديث الطير فمما رواه الفقيه: حميد الشهيد رحمه الله تعالى بإسناده إلى
أنس بن مالك قال: أهدي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم طائراً مشوياً
فلما وقع بين يديه قال:
(199) ((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من
هذا الطائر))، قال: فقلت في نفسي: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار. قال:
فجاء علي عليه السلام فقرع الباب قرعاً خفيفاً، فقلت: من هذا؟ فقال: علي
فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حاجة فانصرف فرجعت إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فسمعته يقول الثانية: ((اللهم ائتني
بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر))، فقلت في نفسي: اللهم اجعله رجلاً
من الأنصار، فجاء علي عليه السلام يقرع الباب فقلت: ألم أخبرك بأن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم على حاجة فانصرف فرجعت إلى رسول الله فسمعته
يقول الثالثة: ((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر))،
قال: فجاء علي عليه السلام فضرب الباب ضرباً شديداً، فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: ((افتح افتح افتح))، فلما نظر إليه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قال: ((اللهم وإليّ وإليّ)) قال: فجلس مع النبي صلى
الله عليه وآله وسلم فأكل معه الطير.
قال في المحيط: روي
عن أنس وسعد بن أبي وقاص، وأبي ذر، وأبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وسُفَيْنة وابن عمر وابن عباس، قال سيد المحققين أحمد بن محمد
بن صلاح الشرفي: وهو متلقى بالقبول عند جل الصحابة فهذا ما يليق إيراده
بهذا المختصر، وإلا فهي قليلة من كثير وقطرة من وبْلُ غزير، ولو استقصينا
ذلك لخرجنا من الاختصار إلى ساحة الإطناب والإسهاب، ودخلنا من باب إلى
أبواب، ومن لم ينتفع بالقليل لم ينتفع بالكثير، ففيما ذكر دلالة قاطعة على
أنه أفضل الأمة بعد رسول الله، وأنه الإمام بلا فصل، وأنه على الحق. فيكون
قوله حجة كالحديث النبوي.
قال سيدي الحسين بن القاسم رحمه الله في (شرح
الغاية): (وأما أحاديث حب علي فقد بلغت حد التواتر وخُرجت عن علي، وابن
عباس، وعمر، وابن عمر، وأبي ذر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب الأنصاري،
وأبي بردة، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي،
وأبي رافع، وأم سلمة، وعائشة، وعمار بن ياسر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن
مالك، وعمران بن حصين، وأبي ليلى الأنصاري، وجرير البجلي، وعبد الرحمن بن
أبي ليلى، والبراء بن عازب، وبريدة بن الخطيب، وسلمة بن الأكوع، وسهل بن
سعد الساعدي، وعبد الله بن أحجم الخزاعي، وعامر بن سعد وغيرهم.
ولن يكون حبه علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق إلاَّ والحق معه. انتهى بلفظه.
تتمة فيما جاء في ذم الخوارج ومن ناصب علياً
(200) قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من ناصب علياً.... فهو كافر)).
(201)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة
عراة غرلاً ?كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا
إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ?[الأنبياء:104] ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم
القيامة إبراهيم صلى الله عليه ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات
الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما
قال العبد الصالح: ?وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ
فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ? إلى قوله:
?إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ?[المائدة:116-117] قال: فيقال
لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)).
(202) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((تمرق مارقة من المسلمين يقتلها أَوْلى الطائفتين بالحق)).
(203)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يكون فيهم قوم يحقرون صلاتكم مع
صلاتهم وأعمالكم مع أعمالهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من
الدين كما يمرق السهم من الرمية تنظر في السهم فلا يُرى شيئاً ثم ينظر في
القدح فلا يُرى شيئاً ثم ينظر في الرئيش فلا يُرى شيئاً ثم يتمارى في
الفوَقَ)).