الأولى: الرياء:
فإنه الشرك الخفي وهو من الكبائر المحبطة التي ورد الوعيد عليها، نسأل الله السلامة منه بحوله وكرمه وطوله وإحسانه.
والريا خمسة أقسام:
الأول: أن يفعل الطاعات بين الناس ويتركها وحده وهذا هو النفاق بعينه.
الثاني: أن يفعل الطاعات بين الناس ووحده، ولكنه ينقص في الباطن ويتمها إذا كان بين الناس وهذا أيضاً كالأول.
الثالث: أن يفعل الطاعات في الملأ والخلاء على السواء، ولكنه يحدث بها.
الرابع: أن يفعلها ظاهراً وباطناً ولا يحدث بها، ولكنه يريد أن يطلع عليه فيمدح.
الخامس: أن يفعلها كاملة ويريد أن يمدح عليها.
فهذه الأقسام يجب اجتنابها لقبحها، والدليل على القبح الكتاب والسنة.
أما
الكتاب فقوله تعالى:?فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ
عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً?[الكهف: 110]
وقال تعالى في صفة المنافقين:?يُرَاءُونَ النَّاسَ?[النساء:142].
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
(82)
((إن الملائكة ليرفعون عمل العبد من عباد الله جل وتعالى فيكثرونه ويزكونه
حتى ينتهوا به إلى ما شاء الله من سلطانه، فيوحي الله جل ثناءه إليهم:
إنكم حفظة على عمل عبدي، وأنا رقيب على ما في نفسه، إن عبدي هذا لم يخلص
عمله لي اجعلوه في سِجِّيل، وأن الملائكة يرفعون عمل العبد من عباد الله
فيحقرونه ويستقلونه حتى ينتهوا به إلى ما شاء الله جل وعز من سلطان فيوحي
إليهم إنكم حفظة على عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إن عبدي هذا أخلص
عمله لي ضاعفوه له واجعلوه في عِليِّين)).
(83) وعنه صلى
الله عليه وآله وسلم: أنه جاءه رجل فقال: يا رسول الله أتصدق بالصدقة ألتمس
بها وجه الله وأحب أن يقال فيّ خير فنزلت: ?فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ
رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ
أَحَدًا?[الكهف:110].
(84) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما زاد من الخشوع على ما في القلب فهو ريآء)).
(85)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الرجل ليقوم في الليلة فيتطهر فيحسن
الطهور ثم يدخل بيته فيرسل ستره عليه فيصلي فتصعد الملائكة بعمله فيرد
عليهم فيقولون: ربنا إنك لتعلم أنا لم نرفع إلا حقاً، فيقول صدقتم ولكنه
صلى وهو يحب أن يعلم به)).
(86) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أحسن صلاته حيث يراه الناس[ثم أساءها حيث يخلو] فتلك استهانة استهان بها ربه)).
(87) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يا بقايا العرب إن أخوف ما أخاف عليكم الريآء والشهوة الخفية)).
(88) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((من صلى يرائي فقد أشرك ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك)).
(89)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((أدنى الرياء الشرك وأحب العباد إلى الله
الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفقدوا وإذا شهدوا لم يعرفوا أولئك
أئمة الهدى ومصابيح العلم)).
(90) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:
((ثلاثة يدخلون النار: رجل قاتل للدنيا، وعالم أراد أن يذكر لا يحتسب عمله،
ورجل وسع عليه فجاد به في الثناء وذكر الدنيا)).
(91)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((سيأتي على أمتي زمان تخبث فيه سرائرهم
وتصلح فيه علانيتهم طمعاً في الدنيا لا يريدون به ما عند الله عز وجل يكون
أمرهم رياء لا تخالطوهم خوف[أن] يعمهم الله فيه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق
فلا يستجيب لهم)).
(92) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الشرك الخفي أن يعمل الرجل لمكان الرجل)).
(93)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((الريآء أخفى من دبيب النملة السوداء على
المسح الأسود في الليلة الظلماء وإن أدنى الريآء الشرك بالله عز وجل)).
(94)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((تعوذوا بالله من حب الحزن،
قالوا: يا رسول الله ما حب الحزن؟ قال: وادٍ في جهنم تتعوذ منه جهنم في كل
يوم أربعمائة مرة. قيل: يا رسول الله ومن يدخله. قال: أعدَّ للقَّراء
المرآئين بأعمالهم وإن من أبغض القرآء إلى الله الذين يزورون الأمراء
الخونة)).
وفي هذا كفاية لمن جهل، ومزدجراً لمن عقل، أعاذنا الله وجميع
المؤمنين من هذه المصيبة العظماء، ووقانا برحمته عذاب القبر والنار،
وأجارنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
الثانية: العجب:
وهو
استعظام المرء نفسه وترفعه على غيره، وإعجابه بشئ من أفعاله وأقواله، وهذه
خليقة إبليس لعنه الله تعالى حيث قال: ?أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي
مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ?[ص:76] وقليل من يسلم من هذه الخصلة
فإن النفس الطموح والشيطان المغوي يزينان للمرء أنك قد فقت على أقرانك
بكونك من العلماء، أو بكونك من العُبّاد، أو بكونك من المَحْتَد النبوي،
أو بغير ذلك وليس منه أن يعتقد العالم أنه أفضل من الجاهل، وأن العابد أفضل
من غيره، وأن الأتي بالواجبات المجتنب للمحرمات أفضل من المخل بشئ من
الواجبات المرتكب لشيء من المحرمات ولكن العجب أن يتطاول بتلك النعمة على
غيره، ويترفع عليه وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:
(95) ((لو لم
تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أشَدُّ من ذلك: العجب..العجب)) وقال علي عليه
السلام:(من أعجب برأيه ضلَّ، ومن استغنى بعقله زل).
قلت: وسبب ذلك أن ثمة شرعيات لا مساغ للعقل في معرفتها.
الثالثة: الحسد:
فهو
من المحبطات للأعمال الصالحة، وهو نتيجة البخل لأن الحاسد يرى نعمة الله
على عباده من علم أو شرف أو جاه، أو محبة في قلوب الناس، أو عبادة أو غِنى،
أو غير ذلك من النعم فيحب زوالها عن صاحبها مع كونها لا تضره ولا تنقصه عن
درجته شيئاً، فلا يزال في تعب وعناء من حِسْده، وهو المعذب الذي لا يُرحم،
ولم يعلم بأن حسده إساءة على الباري تعالى حيث لم يرض بما فعل، وما أحسن
قول من قال شعراً:
ألآ قل لمن كان لي حاسداً .... أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في ملكه .... إذا أنت لم ترض لي ما وهب
وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:
(96) ((الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)).
(97)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((قد دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد
والبغضاء هي الحالقة،لا أقول تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين)).
(98) وعنه
صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنه قيل له: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال:
رجل مخموم القلب صدوق اللسان. فقالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟
قال: التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد ولا غل)).
وقال تعالى: ?أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ?[النساء:54] فهذه الخصلة يجب اجتنابها وتطهير النفس عن التلبس بها، فإنها عند التحقيق لا فائدة فيها إلا تعب النفس وعناء البدن، في إزالة نعم الله المسداة إلى الغير، وليست بزائلة بسبب إرادة الحاسد وربما عوجل الحاسد بالعقوبة، فيكون قد خسر الدنيا والآخرة، ?ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ?[الحج:11]، أعاذنا الله من هذه المصيبة المهلكة في الدين والدنيا، بحوله وقوته.
الرابعة: الكبر:
فهي من الخصال الرديئة المحبطة للأعمال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
(99) ((لا يدخل الجنة رجل في قلبه مثقال حبة من الكبر)).
(100) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس)).
ومن جملة الكبر: المراء والمجادلة، وقلة التسليم عند ظهور الحق، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:
(101) ((أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا)).
(102)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من تكبر في نفسه أو اختال في
مشيه لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو عليه غضبان أو ساخط)).
(103) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من مات وهو برئ من ثلاث دخل الجنة: الكبر والغلول والدَّين))
(104) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من خصف نعله ورقع ثوبه وحلب شاته وحمل بضاعته إلى أهله، فقد برء من الكبر)).
(105) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن الذي يجر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة)).
(106)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ما من بني آدم أحد إلاَّ وفي
رأسه حَكَمة بيد مَلَك فإذا هو تواضع لله رفعه الله بها إلى السماء
السابعة، وإذا هو رفع نفسه قمعه الله بها)).
(107) وعنه صلى الله عليه
وآله وسلم أنه قال في أخر خبر: ((فمن تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر وضعه
الله، ومن استغنى أغناه الله، ومن أكثر ذكر الله أحبه الله)).
(108) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا ينبغي لمؤمن أنه يذل نفسه ولا ينبغي لصِدِّيق أن يكون لَعَّاناً)).
(109) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ولا يجد ريحها مختال)).
(110)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في خطبة الوداع: ((ومن لبس ثوباً
فاختال فيه خسف الله به شفير جهنم ما دامت السموات والأرض لأن قارون إنما
خسف الله به لأنه لبس ثوباً فاختال فيه فخسف الله به فهو يتجلجل بين أطباق
الأرضين إلى يوم القيامة)).
وغير ذلك مما يدل على قبح الكبر مما لو
استقصيناه لخرج بنا عن الإختصار إلى التطويل، وفي ذلك كفاية ?لِمَنْ كَانَ
لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ?[ق:37]، نسأل الله
تعالى العصمة عن هذه الصفة الرديئة الموجبة للخلود في النيران.
الخصلة الخامسة:الغيبة والنميمة
فهما
من المحبطات للأعمال.قال تعالى: ?وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ
لُمَزَةٍ?[الهمزة:1] وقال تعالى: ?هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ?[القلم:11].
(111)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يدخل الجنة قتات)) أي نمام ولأنه يحصل
بهما جرح القلوب، وأذية المؤمنين، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:
(112) ((من آذى مؤمناً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله لعنه الله)).
(113)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((شرار عباد الله المشّاؤن
بالنميمة المفسدون [بين الأحبة] الباغون)) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم
أنه قال في خطبة الوداع:
(114) ((ومن مشى في نميمة بين اثنين سلَّط الله
عليه في قبره حية إلى يوم القيامة، وإذا بعث من قبره لم تزل تنهش لحمه
بأنيابها حتى يدخل جهنم)).
(115) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من كان في الدنيا ذا وجهين فهو في الآخرة ذا وجهين)).
(116)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من مشى بالنميمة بين العباد قطع
الله له نعلين من نار يغلي منهما دماغه مزرقة عيناه يتلجلج لسانه يدعو
بالويل والثبور)).
(117) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((من كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له يوم القيامة لسانين من نار)).
(118) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((تجدوا من شر الناس ذا الوجهين يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه)).
(119)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الغيبة أشد من الزنا، وإن الرجل ليزني
فيتوب، فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه)).
(120)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من اغتيب عنده أخوه المسلم
فاستطاع أن ينصره؛ نصره الله تعالى في الدنيا والآخرة ومن خذله خذله الله
في الدنيا والآخرة)).
(121) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من
ذكر امرءاً بما ليس فيه ليعيبه حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاذ ما
قال فيه)).
(122) وفي حديث آخر: ((حتى يخرج عما قال وليس بخارج)).
(123)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن الله يبغض أهل بيت اللحم))
-يعني النميمة- لقوله تعالى: ?أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ
أَخِيهِ مَيْتاً?[الحجرات:12].
(124) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما صام من ظل يأكل لحوم الناس)).
(125)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إني لأعرف قوماً يضربون صدورهم
ضرباً يسمعه أهل النار. قيل من هم يا نبي الله؟. قال:هم الهمازون اللمازون.
قيل:من الهمازون يا رسول الله؟ قال: الذين يلتمسون عورات المسلمين ويكشفون
ستورهم ويفشون عليهم من الفواحش ما ليس فيهم)).
(126) وعنه صلى الله
عليه وآله وسلم: ((إني لأعرف قوماً يضرب في آذانهم بمسامير من نار يضرب من
جانب ويخرج من الجانب الآخر قيل: من هم يا نبي الله؟ قال: هم الذين يستمعون
إلى ما لا يحل لهم على أبواب المسلمين يلتمسون عيبهم)).