الرابعة: بعد كل ذلك يرى المؤلف أنه لا بأس على الطالب أن يأخذ أو يقرأ في أي فن من فنون العلم، إلاَّ أنه يستدرك في ترتيب الدرس ويقول: ولا بأس أن يفعل معشراً (درساً) وأحداً من أول الطلب مع ما ذكرت من الفنون المرتبة في شرح الأزهار ليعرف العبادات، موضحاً أن عدم ترتيب القراءة من الشيخ خيانة إذ أن من يتعاطى طلب ما ليس له بأهل يبقى أعواماً وسنين في كد ونصب ولم يحصل على فائدة، ويرجع سبب ذلك إلى عدم الترتيب في القراءة كما قررة العلماء.
الخامسة: أن لا يهمل الطالب علم التفسير والحديث إذ أنها البغية المقصودة والضالة المنشودة، وفي نظرنا فإن ترتيب الدرس يمكن أن يكون على النحو التالي:
أخذ المبادئ الأولية لقواعد الخط والحساب وقراءة القرآن الكريم على شيخ مع قواعد التجويد.
يأخذ في كتاب بحرق (شرح الملحة) مع حفظ منظومة الحريري (الملحة)، وخلال ذلك يأخذ بعض المسائل الأولية في أصول الدين والتوحيد) وبعض الجزء الأول من شرح الأزهار أو نكت العبادات للعلامة جعفر بن عبد السلام.
أمَّا الآداب المتعلقة بطالب العلم، فيوضح المؤلف أن ما ينبغي لطالب العلم فخصال:
الأولى: حسن التأدب والتواضع والتعظيم لشيخه.
الثانية: استفتاح وختم الدرس بالدعاء.
الثالثة: حسن اختيار وقت موضوع السؤال.
الرابعة: أن يتخلق بأخلاق الصالحين وأن يتواضع لجميع المؤمنين.
الخامسة: أن يحسن النصيحة لزميله وأن يخلص له المودة وأن يعاشره بأحسن المعاشرة، مورداً بعد ذلك أدلة نبوية شريفة على فضيلة حسن الخلق.

أمَّا الآداب المتعلقة بالمعلم والطالب فيوضح أنه يجب على الشيخ والتلميذ آداب كثيرة، وقد أشار إلى أهمها ومن ذلك.
الأول: حسن النية وإصلاح الطوية، مورداً في ذلك أدلة نبوية شريفة.
الثاني: القيام بحقوق كل منهما نحو الآخر.
الثالث: اجتناب الخصال الرذيلة ومن ذلك الرياء والعجب، والحسد، والكبر، الغيبة والنميمة، مورداً في ذلك أدلة من الكتاب والسنة على تحريم الشرع لكل رذيلة من تلك الرذائل جنبنا الله كل خصلة منها.
وبعد أن أوضح المؤلف الآداب المتعلقة بالطالب والعالم والشيخ وبهما معاً- يوضح ما ينبغي أن يلحق بهذا الباب (أي الباب الثاني) كآداب عامة متعلقة بالطالب والشيخ وهي آداب لا تنحصر في شخص بعينه بل هي آداب للجميع ويمكن أن أوردها على النحو التالي:
1- أن يكون المؤمن شديد الخوف من الله تعالى كثير الرجاء له.
2- أن لا تأخذه في الله لومة لائم.
3- أن يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويجتنبه.
4- أن يحب في الله ويبغض في الله.
5- أن يصادق أولياء الله ولو كانوا من الأبعدين.
6- أن يعادي أعداء الله ولو من الأقربين.
7- أن يبذل النصيحة لجميع الناس.
8- أن يعامل الباري تعالى في جميع الأمور لا يبالي بأحد.
9- أن يكثر من الطاعة عند أمن الرياء ليقتدي به.
10- أن يصغر الدنيا في عينيه ولا يبالي بما فات منها.
11- أن يواظب على الجمعة والجماعات وأن يحافظ على الأوقات.
12- أن يجتهد في أداء جميع الواجبات وأن يجتنب جميع المحرمات.
13- أن يتدارك المرء نفسه بالتوبة من جميع المهلكات.
14- أن يكثر من ذكر الموت.
الباب الثالث:

وفيه أوضح المؤلف نتف من فضائل أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه السلام وأنه أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موضحاً في البداية الدليل من الكتاب العزيز على ذلك وهي آية (المائدة 55) ?إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ...?الآية، ثم أورد بعد ذلك الأدلة النبوية الشريفة على فضله، وأنه أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأول من يصافح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة و......الخ.، ثم أورد حديث الطير، ثم أوضح أن آية الرعد (7) ?إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ? لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا المنذر وعلي الهادي...)) موضحاً أن ذلك ذكره غير واحد من أئمة التفسير كالطبري والثعالبي والنقاش والحاكم وغيرهم، مورداً بعد ذلك حديث الغدير وهو من الآحاديث المتفق على تواترها وصحتها إذ أخرجه واحتج به أغلب من صنف في الفضائل، كما أفرده كثير من العلماء بالتصنيف كالحافظ ابن عقدة وغيره، محتجاً في صحة الحديث وتواتره بما نقله ابن بهران في كتابه (شرح منظومة القصص الحق) للإمام شرف الدين حول ذلك من كلام الذهبي وابن كثير، ثم أورد حديث المنزلة وما ذكره الإمام المنصور عبد الله بن حمزة حول الحديث، وما ذكره الإمام القاسم بن محمد وغيرهما، ثم أورد حديث البساط، ثم خبر العمامة، ثم حديث الطير (مرة أخرى)، ثم أورد بعد ذلك الخوارج وحكم من ناصب علي عليه السلام الأمر.
الباب الرابع:

وفيه أوضح المؤلف ما جاء في فضل أهل البيت - عليهم السلام وكون إجماعهم حجة، موضحاً الأدلة الصحيحة حول ذلك، ومن خلال ما يربو عن سبعين حديثاً ومن ذلك حديث الثقلين، وحديث السفينة، وباب حطة، وأمان الأمة، وحديث الكساء، و...الخ، موثقاً تلك الأدلة من خلال المصادر والمراجع العديدة كـ(المستدرك)، و(الجامع الكافي) و(شواهد التزيل) و…إلخ.
الباب الخامس:
وفيه أوضح ما ورد في فضل شيعة آل محمد أولاً، ثم أورد مسائل ينبغي معرفتها الأولى: افتراق الأمة، موضحاً أنها افترقت إلى مذاهب شتى وليس كل منها بمصيب، وأورد الأدلة حول ذلك مستعيناً بمراحع عديدة منها (حقائق المعرفة) للإمام أحمد بن سليمان، و(المعتمد في أصول الفقه) للعلامة ابن بهران، و(الملل والنحل) للإمام أحمد بن يحيى المرتضى، موضحاً في نهاية هذه المسألة أن الفرقة الناجية هي الزيدية معتمداً في ذلك على كتاب (الملل والنحل) السالف الذكر.
المسألة الثانية: أوضح فيها بيان الحق في الأصول والفروع، مناقشاً كل ذلك مناقشة أصولية تدل على تمكنه في هذا الفن الهام.
المسألة الثالثة: وفيها أوضح جملة مما يحب أن يحمل عليه ما اختلف فيه الأقوال المنسوبة إلى الأئمة، موضحاً أن أئمة أهل البيت لم يختلفوا فيما بينهم اختلافاً كبيراً خصوصاً في المسائل التي لا يجوز الاختلاف فيها وأن ما ينسب من الخلاف بين الأئمة مستحيل ولا يصدق.
المسألة الرابعة: وفيها أوضح الكيفية في اتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام موضحاً أن الأخذ بالأخف اتباعاً للهوى محرم.

واختتم كتابه بذكر بعض ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعض أصحابه ومنهم أمير المؤمنين، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما، معتمداً في ذلك على كتاب شمس الأخبار للعلامة القرشي وإن لم يصرح بذلك. كما سبق التوضيح.

خاتمة
وفي نهاية هذه المقدمة البسيطة، يجب التنويه إلى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((لا يشكر الله من لا يشكر الناس)) أخرجه أبو داود في سننه (حديث4811).
وانطلاقاً من ذلك أتقدم بالشكر الجزيل إلى كل من مدَّ يد العون والمساعدة في تحقيق هذا الكتاب الهام وعلى رأس جميع الأخوة: أحمد بن محمد إسحاق صاحب فكرة تحقيق المخطوطة فجزاه الله عني خير الجزاء وكتب الله سعيه ودوره في ميزان حسناته آمين.
الأخ/ محمد بن مطهر بن يحيى الكحلاني والذي أعطاني نسخة مصورة من المخطوطة فجزاه الله عني خير الجزاء وكتب الله ذلك في ميزان حسناته وهو أيضاً لزوجتي ولأولادي والذين لولاهم وما وفروه لي من أجواء صالحة للبحث لما تمكنت من إنجاز هذا العمل المتواضع، سائلاً المولى عز وجل لهم التوفيق والسداد لما يحبه ويرضاه آمين.
وفي الأخير أسال الله تعالى يجعل هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجنبنا المراء والرياء، وأن يوفقنا إلى كل خير وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
وهو حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.
عبد الله بن عبد الله بن أحمد الحوثي
الأحد 17شهر صفر سنة 1421ه الموافق 21/5/2000م

[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد (الأمين، وآله الأكرمين، وبه نستعين) الحمد لله الرافع لأولي العلم في الجنة درجات، والخافض لأولي الجهل في النار دركات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المؤيد بالمعجزات، وعلى آله أهل الفضل والكرامات، وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرض والسموات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالآيات البينات، وتدارك به الأمة من الضلالات، صلى الله عليه وعلى آله بحور العلم الزاخرات، أما بعد:
فإني لما رأيت تقاصر أهل الزمان عن طلب العلم الشريف، وميلهم عن منهجه المنيف، ومن طلب منهم فهو كخابط عشواء، أو كأعمى يقود أعمى لا يلتفت إلى ما ينبغي (له) من معرفة فضيلة العلم، والعلماء، ومعرفة الآداب التي يحتاج إليها في طلبه حتى يساوي بها أو يداني الحكماء؛ أردت أن أضع في ذلك مختصراً يشتمل على ما يحتاج إليه العالم والمتعلم، ليكون مشحذة للهمم العليّة، ومِعبراً إلى الطريق السنيّة، وأذكر فيه ما صح لي سماعه أو استجزته عن مشايخي أبقاهم الله تعالى وعافاهم من الأدلة مع اعترافي بقلة البضاعة، وقصور الباع عن هذه الصناعة، فلست من أهل هذا الشأن ولا من فرسان الميدان، ولا ممن له في سباحة هذا البحر يَدَان، ولكني نظرت إلى قوله تعالى: ?وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ?[الطلاق:7] وإلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

((ما أهدى المسلم لأخيه المسلم أفضل من كلمة حكمة سمعها فانطوى عليها ثم علمه إياها يزيده (الله) بها هدى أو يرده عن ردى، وإنها لتعدل إحياء نفس ?وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً?)) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس)) وغير ذلك من الأدلة (الدالة) على ذلك ورتبته على خمسة أبواب:
الباب الأول: في فضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك.
الثاني: في آدابهما وما يتصل بذلك.
الثالث: في بعض ما ورد في أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكون قوله حجة.
الرابع: في فضل أهل البيت عليهم السلام وكون إجماعهم حجة.
الخامس: في فضل الشيعة وما يتصل بذلك.
وسميته: بـ (الثمار المجتناة في فضل العلم والعلماء والهداة وما يتصل بذلك من الآداب ومعرفة الفرقة الناجية) أسأل الله أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه، وأن ينفع به إنه أكرم مسؤول وأعظم مرجوِّ ومأمول، وهو حسبي ونعم الوكيل.

الباب الأول في فضيلة العلم والعلماء والمتعلمين
اعلم أيها الطالب للنجاة أن طلب العلم أفضل المطالب، وكسبه أشرف المكاسب، وهو أرفع المعالي والمفاخر، وَأَحْمَد المصادر والموارد وتَقَّدم بشرفه الأصاغر على الأكابر، واستضاءت ببهائه الأسرار والضمائر، هو سراج يستضاء به في الظلم، ومفتاح المقفلات البُهم، وبه يدرك الفوز والرضوان والخلود في غرف الجنان، وأهله سادات في كل آوان، ومقدمون على الآباء والإخوان شعراً:
أُفضل أستاذي على قدر والدي .... وكل له فضل وكل له شرف
فذاك مربّي الروح والروح جوهر .... وهذا مربي الجسم والجسم من خزف

وبهم يكمل الإيمان، ويسعد أهل الزمان، ويصلح بهم الرعية والسلطان، ويرغم أنف الشيطان، إصطفاهم رب الأرباب، وأورثهم السنة والكتاب، أحيا الله بهم الدين، وجعلهم أئمة للمسلمين، وقدوة للمهتدين، وكعبة للمسترشدين، والدليل على ذلك قول الله تعالى:?قُل هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ?[الزمر:9] وقوله تعالى: ?وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا?[البقرة:269] وقوله تعالى: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ?[فاطر:28] وقوله تعالى: ?رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا?[طه:114] (وقوله تعالى): ?وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ?[العنكبوت:43].وقوله تعالى: ?شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ?[آل عمران3:18] وقوله تعالى: ?وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ?[آل عمران:7].
ويقال: سادات الناس ثلاثة: الملائكة، والأنبياء، والملوك، وكلهم أجمعوا على تعظيم العلماء، فالملائكة سجدوا لآدم صلى الله على نبينا وعليه لعلمه، وموسى عظم الخضر على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، وملك مصر عظم يوسف عليه السلام لعلمه ويكفيك دليلاً على فضله كونه يحرسك والمال تحرسه وهو يزكو مع الإنفاق، والمال ينقص معه، وما من أحد إلا وهو يريد العلم ويكره الجهل، ما ذلك إلا لأنه ارتكز في العقول، أنه صفة مدح، والجهل صفة ذم.
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
(1) ((العلماء ورثة الأنبياء)).

4 / 20
ع
En
A+
A-