قال: وليس تثبيت الإمامة بالناس للإمام كما يقول أهل الجهل من الأنام أن الإمامة بزعمهم إنما تثبت للإمام برضى بعضهم فهذا أحول المحال وأسمج ما يقال به من المقال، بل الإمامة تثبت بتثبيت الرحمن لمن ثبتها فيه وحكم بها له من الإنسان رضي المخلوقون أم سخطوا شاءوا ذلك وأرادوه أم كرهوا، فمن ثبت الله له الإمامة وجبت له على الأمة الطاعة، ومن لم يثبت الله له ولاية على المسلمين كان مأثوماً معاقباً، ومن اتبعه على ذلك من العالمين لأنه اتبع من لم يجعل الله له حقاً، وعقد لمن يعقد الله له عقداً، والأمر والإختيار فمردود في ذلك إلى الرحمن، وليس من الإختيار في ذلك شيء إلى الإنسان كما قال الله تعالى: ]ورَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يشَاءُ ويَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيِرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وتعَالَى عَمَّا يُشْرِكُوْنَ[ [القصص/68]. ويقول سبحانه: ]ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قضَى اللهُ ورَسُولُهُ أمْرَاً أنْ يَكُوْنَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ ومَنْ يَعْصِ اللهَ ورَسُوْلَهُ فقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيْنَاً[ [الأحزاب/36]. صدق الله، لقد ضل من اختار سوى خيرته، وقضى بخلاف قضائه، وحكم بضد حكمه فالحكم لله سبحانه فمن رضي رضيناه، ومن ولَّى علينا سبحانه أطعناه، ومن نحَّاه عنا ـ جل وعلا ـ نحيناه، وقد بين لنا سبحانه من حكم له بالتولية على الأمة ومن صرفه عن الأمر والنهي عن الرعية فجعل خلفاءه الراشدين وأمناءه المؤمنين من كان من أهل صفوته وخيرته المؤتمنين على ما ذكرنا ووصفنا من الصفة التبي بينا ووصفنا بها الإمام وشرحنا فأخبرنا أن من كان على خلاف ذلك منهم فإنه لا يكون بحكم الله إماماً عليهم، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: ]أفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّنْ لا يَهِدِّي إلاَّ أنْ يُهْدَى فمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُوْنَ[ [يونس/35] فنهاهم عن الحكم بها سبحانه لمن قصر عن الهداية إلى الحق بالولاية العظمي، وحكم بها سبحانه لمن كان من عباده هادياً إلى الحق والتقى وصفوته وموضع خيرته الذين اختارهم بعلمه وفضلهم على جميع خلقه، وجعلهم الورثة للكتاب المبين، الحكام فيه بحكم رب العالمين، ختم بهم الرسل وجعل ملتهم خير الملل فهم آل الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبناؤه وثمرة قلبه وأحباؤه وخلفاء الله وأولياءه، وفي ذلك ما يقول Y : ]ثُمَّ أوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِيْنَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإذْنِ اللهِ، ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيْرُ[ [فاطر/32] فجعل سابقهم هو الآمر فيهم والحاكم عليهم وعلى غيرهم من جميع المسلمين وغيرهم من جميع عباد رب العالمين.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل: هل تثبت الإمامة للإمام بغير رضا من المسلمين وبغير عقد متقدم باثنين ولا أكثر؟
فقال: اعلم هداك الله أن الإمامة إنما تثبت لمن تثبت له بأمر الله وحده بما جعلها تجب به من كمال الكامل المطيق لها بالعلم غير الجاهل، فمن كان في العلم كاملاً ولم يكن لما يحتاج إليه من الدين جاهلاً فإن على المسلمين العقد له، والرضا به لا يجوز لهم غير ذلك ولا يسعهم إلا أن يكونوا كذلك أ هـ.
فإن قلت: احتجاج شبر بالآيات أن الإمامة هي باختيار الله تعالى وتثبيت منه تعالى في الإمام، وهو عين ما قلتم فلماذا أنكرته؟
قلت وبالله الثقة: الإمامية يحتجون أن الإمامة هي بإختيار من الله تعالى، واستدلوا بالآيات على ثبوت الإختيار على الجملة وبينته الأحاديث التي رووها في الإثني عشر زاعمين أنها نص في الإثني عشر ولا إختيار ولا اصطفاء لغيرهم وكل من ادعاها غيرهم فهو ضال لأنه قد خالف الإختيار وغالب إرادة الجبار، ونحن قلنا أن الإصطفاء والإختيار لأهل البيت جميعاً، أما على والحسنان فبالنص عليهم بأعيانهم، وأما بقية العترة فالإصطفاء والإختيار لجميعهم، والإمام منهم من تحلى بالشروط المذكورة ودعا إلى الله ونابذ الظلمة فهو خيرة الله الذي يجب نصرته ومعونته إلى آخر التكليف، وإذ قد وصلنا إلى هنا فلنرجع إلى إبطال ما احتجوا به من الأحاديث التي رووها، وهي نوعان نوع تفردت به الإمامية، ونوع روته العامة في كتبها ونقلته الإمامية محتجين به.