وأما قولهم: أن الإمام يجري مجرى البيان، فنقول: إن البيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة، وإمامكم قد مرت العصور وتوالت الدهور وهو في الغيبة مستور، فكيف ينزل منزلة البيان، فلما لم يوجد علمنا أنهليس بمنزلة البيان، ونقول لهم: هل هو بيان في الأحكام الشرعية التي بلغها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو في غيرها، إن كان فيها فقد تولى الله تعالى بيانها على أبلغ الوجوه بأدلة العقل والسمع، وإن كان بياناً لغير ما علمنا فتكليف لم يصلنا ففرضه ساقط عنا، وأعجب من هذا اشتراطهم ظهور المعجز على الإمام كما صرح به الطوسي في التجريد، وصرح به شبر في حق اليقين، فهذا مما لا دليل عليه، وإثبات مالا دليل عليه يفتح باب الجهالات ويؤدي إلى اعتقاد الأمور المنافية وكون الحق باطلاً والباطل حقاً، ثم نقول: هل ظهرت معجزات هؤلاء الأئمة كظهور معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم اختصصتم بعلمها أنتم فقط، فإن قالوا: بالأول أحالوا، وإن قالوا بالثاني، قلنا: إذا لم يظهر للمكلفين لم يجب العلم بها، وما هي فائدة ظهور المعجز على يد الإمام، هل لأجل التصديق، أم لأجل علو شأن الإمام، فإن كان الأول لزم في كل صادق أن يظهر له معجزة لتصديقه، والمعلوم خلافه، وإن كان الثاني وجب مثل ذلك في المؤمنين لعلو شأنهم عند الله، أو أنها تظهر لأجل الأحكام فكان يجب ظهوره للقضاة والأمراء، أو أنها تظهر للإمام لأنه مبتدٍ لشريعة جديدة فذلك باطل، لأن شريعته صلوات الله غليه وآله غير منسوخة بالإجماع، وأما دعواهم أن إمامهم يعلم الغيوب فدعوى ظاهرة البطلان، فالأدلة العقلية لا تدل على شيءٍ من ذلك، والأدلة السمعية تبطل دعواهم، قال الله تعالى: ]قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ الأرضِ الغَيْبَ إلاَّ اللهُ[ [النمل/65]، وقال تعالى معلِّماً لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ] وَلَو كُنْتُ أعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ومَا مَسَّنِيَ السُّوْءُ[ [الأعراف/188] لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم حالاً وأرفع شأنا من غيره لم يدع ذلك لنفسه وولا من الولاة من ظهرت خيانته فإن كان ولاهم وهو يعلم أنهم كذلك فقد خان الله وحاشاه صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كان لا يعلم ذلك إلا بعد انكشاف الخيانة فهو المطلوب ألم يول خالد بن الوليد يوم الغميصاء فقتل بني جذيمة فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم إني أبراء إليك مما فعل خالد)) وبعث علياً uليدي القتلى ويبريء ذمته صلى الله عليه وآله وسلم، وولى الوليد بن عقبة فرجع وكذب على القوم إلى غير ذلك مما يطول شرحه فلو كان يعلم الغيب لما ولاهم.

وأما إستدلالهم بالأدلة النقلية فاعلم أن العلامة شبر سرد الأدلة العامة من الكتاب العزيز، ونحن نتعرض للرد علي بعض المواضع.

قال: الدليل الثالث: الآيات المتظافرة، والأخبار المتواترة الدالة على أن الله تعالى بيَّن كلّ شيءٍ في كتابه، كقوله تعالى: ]مَا فرَّطْنا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ[، [الأنعام/38] ]ونزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍٍ[ [النحل/89] وآية الإسراء وآية الأنعام.

قال: ومن المعلوم بالوجدان فضلاً عن البرهان أن عقول الخلق لا تفي بذلك، فلا بد أن يكون الله تعالى قد جعل أحداً يعلم جميع ذلك ويرجع إليه الخلق ...إلخ.

فنقول: هل ذلك العلم الذي حصل لإمامكم بتعليمٍ أم حصل له بأن جعله الله مطبوعاً على العلم، فإن كان حصل له بتعلم فهل حصل له من علماء زمانه من أهل بيته وغيرهم، ومن تعلم منه يتصل علمه بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فعلمه كعلمهم.

94 / 203
ع
En
A+
A-