أما علي وولده الحسن وولده الحسين عليهم السلام فنحن نقول: بالنص عليهم، وأما من عداهم مِمَّنِ ادَّعتِ الإمامية النص عليه، فسنتكلم إنشاء الله على بعض ما ادعوه، فإذا بطل قولهم تعين الحق مع غيرهم، ثم نوضح الدلالة على قولنا.
إذا عرفت هذا فاعلم: أنَّ الإمامية الإثني عشرية لهم شبهٌ قد لفقوها وادعوا أنها حجج قاطعة على دعواهم حصر الإمامة في التسعة بعد أميرالمؤمنين وولديه السبطين، وادعوا عصمة كل واحدمن التسعة، وادعوا شروطاً في الإمام ليس عليها دليل من كتاب ولا سنة، وقد استعرضت مؤلف العلامة عبدالله شبر المسمى (حق اليقين) وقد سلك مسالك إرتضاها في نظم الأدلة، وقدَّم الأدلة العقيلة على وجوب نصب الإمام، وثنَّي على العموم بالأدلة النقلية وبعدها تكلم على شرائط الإمام وبين طريق معرفته وصرَّح أن نصب الإمام واجبٌ على الله تعالى، وفي إطلاق الوجوب على الله تعالى نظر، لأن المختار أن ذلك لا يجوز على الله تعالى، لما فيه من الإيهام، وقد أطلقه بعض المعتزلة في قولهم: أنه يجب على الله ستة أشياء اللطف والعوض والإنتصاف للمظلومين من الظالمين وقبول توبة التائبين والإثابة للمطيعين والتمكين للمتمكنين، ولا شكَّ أن إطلاق الوجوب على الله يوهم أنه تعالى مكلَّف، ولا شك أن ذلك لفظ حادث مبتدع لم يكن في العصر النبوي، ولا أطلقه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا صحابته ولا التابعون ولا الأئمة من آل محمد ـ صلوات الله عليه وآله ـ فتجنب مثل هذه العبارة الموهمة أولى، ومن الخطأ استدلالهم على تعيين أئمتهم بالعقل، فإن العقل لا هداية له إلى وجوب الإمامة على التفصيل فكيف يدل العقل على إمامة أشخاص.
قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة في كتاب العقد الثمين: وأصول مذهبهم أن الإمامة تجب عقلاً، وأن الحاجة إلى الإمام ماسة في الدين والدنيا، وأنه بمنزلة اللطف، ومنهم من قال بمنزلة التمكين، ومنهم من قال بمنزلة المسهل، ومنهم من قال مُنّبِّه، ومنهم من قال مبين، ولا يجوز تعري العقلاء منهم عن التكليف في دار الدنيا والتكليف مداره على الإمام كما قدمنا، وهم لا ينازعوننا أنه لا إمام موجود يشافهه المكلفون ويراسلونه من ثلاث مائة وأربعين سنة( يعني من تاريخ موت الحسن بن علي العسكري إلى زمن المنصور بالله المؤلف) فلا يخلو إما أن التكليف ساقط عن المكلفين من ذلك اليوم إلى يومنا ولا قايل به، وإما أن التكليف يحسن مع فقد اللطف والتمكين والتسهيل والتبيين على قيد إختلاف قولهم فيه، وهم لا يقولون بذلك، والدليل يمنع منه ولأنهم لم يجعلوه بمثابة اللطف والبيان إلى سائر ما قالوهُ إلا ليبينوا إمامته للزوم الحاجة إليه، ولأن الله تعالى يجب عليه إزاحة علة المكلف ليلزمه أحكام التكليف ويحسن وهو قادر على ذلك كما في عصمة الأنبياء قبل التبليغ حتى يلزمهم به الحجة ولله الحجة البالغة، فلو عاقها عايق لكانت قاصرة، ولم تكن بالغة اهـ.
ثم إنا نقول لهم: وما هو دليكم على قولكم أنه محتاج إلى الإمام في العقليات؟ وما هي حجتكم على ذلك، فهم لا يجدون إلى ذلك سبيلاً، وكل ما لا دليل عليه وجب القضاء بنفيه، ولأن المعلوم بين العقلاء لا يختلفون فيه أن العقل حجة مستقلة لا تفتقر إلى الإمام وهو مستقل في تحصيل العلوم العقلية، وللإجماع منا ومنهم أن التكليف لازم لكل مكلف في غيبة الإمام ولا قايل بسقوطه عن العقلاء إذا غاب الإمام.
وأمَّا قولهم: أنَّ الإمام لطف، لأن المكلفين يكونون مع وجوده أقرب إلى القيام بما كلفوه كما يعرف من حال الرئيس في الدنيا، فيقال لهم: وما هو الدليل على ذلك، لأن اللطف غيب والغيب لا يعلمه إلا الله، ولأنه لو كان لطفاً لكان الطريق إلى العلم به معلوماً ليتمكن كل مكلف من العلم به كما قالوا في الألطاف التي أثبتوها وقالوا أنها تجب على الله تعالى.