واعلم: أنَّ حديث الثقلين جامع لأشتات الفضائل لأهل البيت، وقد أشار إلى تلك المزايا والأحكام والفضائل جمعٌ من علماء آل محمد وشيعتهم وفَصَّلوا ما اشتمل عليه من التنويه بفضائلهم فهو يدل من حيث أوصى بهم أنهم أئمة هدى يُهتدى بهم في أقوالهم وأفعالهم وتروكهم، ولهذا قرنهم بالكتاب وأوصى بالتمسك بهما، فهو يدل على أن الحق معهم، إذ هو صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يوصي ويحث الأمة على التمسك بهم إلا لأنهم على الحق، فلو كانوا على خلاف ذلك لحَذَّر منهم كما يدل ذلك الحث على التمسك بهم أنه تعليم ونصح للأمة على الطريق التي تنجيهم من المهالك، ولهذا قال: ((ما إن تمسكتم به لن تضلوا)) وهو صلى اللّه عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى، فعلى هذا كل من سلك غير طريقهم فهو ضالٌّ، كما أنَّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قرنهم بالكتاب حيث قال صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((لن يفترقا)) فكما أن الكتاب حق فالعترة حق، كما أن قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم الثقلين)) يدل على تعظيم الكتاب والعترة، لأنه سماهم الثقلين، والثقل الشيء النفيس كما قدمنا، وفيه التنويه بذكرهم ورفع منازلهم من حيث أن باغي الهدى وطالبه لا يجد الهدى والنور والطريق الموصلة إلى الله إلا من كتاب الله تعالى، فكذلك العترة.

واعلم: أنَّ تلك النصوص الإلهية والإرشادات النبوية قوبلت من أكثر الأمة بالرد وجزوا نبيهم صلى اللّه عليه وآله وسلم في عترته بخلاف ما تقتضيه النصوص، قال الهادي بن إبراهيم ـ عليه السلام: إن علماء الإسلام ( يعني من العامة) وإن كثرت تصانيفهم ورواة علومهم وسارت سفراء أسفارهم في الآفاق وركبت أمواج البحر، وحَدَّث بها في البر زُمرُ الرفاق لا تجد في طائفة من الطوائف، وإمام من الأئمة حديثاً واحداً من نص رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم كما ورد في فضل أهل البيت وأتباعهم، وكما جاء في نجاة شيعتهم وأتباعهم، وإنما أُتيَ الناس في عدم إتباع العترة النبوية من ولاة السوء وسلاطين الجور وأئمة الضلال، فإن العترة النبوية لم تزل مظلومة مدحورة وخائفة مترقبة بين قتيل وطريد، وأسير وفقيد، وكان الواحد من علماء العترة النبوية إذا اشتهر بعلم وفضل يُصاح بالبراءة منه وممن آواه، كما فعل بالقاسم بن إبراهيم ـ uـ وأشباهه من الأئمة الأعلام، ولم تزل الأرض بدمائهم منذ قتل أميرالمؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب ـ uـ بُدىءَ به وثُنيَّ بالحسن ـ uـ فإنه في حكم المقتول، وإن مات مسموماً، وثُلِّث بالحسين ـ uـ وقُطعَ رأسه وعُرِّي عن جسده لباسه، ونكتت ثناياه بالقضيب وخَضَبَ سيفُ الظلم من دمه فهو خضيب، وصلب زيد بن علي كما يصلب الملحد، وسميت خلافته وقيامه لله تعالى فساداً في الدين إلى آخر كلامه في هداية الراغبين.

وقال القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد ابن أبي يحيى  رضوان الله عليه: ونحن نعلم أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يكن ليترك الناس في جهالة من أمرهم وحيرة من سُبلِهم مع أنه بُعِثَ مُبيناً لسبيل النجاة فاصلاً بين الحق والباطل، مميزاً بين الصحيح والسقيم :]لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وإنَّ اللهَ لَسَمِيْعٌ عَلِيْمٌ[ [الأنفال/42] فقضينا لذلك أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا بد أن يكون قد أقام على سبيل النجاة برهاناً صحيحاً وعلماً بيناً ليتمكن من الوصول إلى النجاة من أرادها، ويجد السبيل إلى السلامة من قصدها، ووجدنا أهل المذاهب المختلفة من أمته والمقالات المتباينة من أهل ملته يروون عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال:(( مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى، ومَنْ تخلَّف عنها غَرِقَ))، فعلمنا أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بيَّن لأُمته بذلك أنَّ اتِّباع أهل بيته هو طريقة النجاة، وأن مخالفتهم هي سبب الهلاك، لأنه لمَّا مثلهم بسفينة نوح، وقد علمنا أن أمة نوح هلكت كلها إلا مَنْ ركب السفينة، علمنا أن أمته يهلكون إلا مَنِ اتِّبع أهل بيته، وأن الملتزم بطريقة غيرهم من الفقهاء الذين خالفوا طرائقهم لا ينجو مع الناجين، كما أن أمة نوح ـ uـ لم ينج منهم مَنِ التجى إلى غير السفينة، وفي هذا دلالة مقنعة على أن إتباع أهل البيت هو الواجب الذي لا رخصة فيه، واللازم الذي لامحيص عنه، والسبب الذي لا نجاة إلا به، ..إلخ. كلامه ـ tـ . رواه عنه الهادي بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ في كتاب هداية الراغبين وبهذا الكلام يتم الجواب عن هذا السؤال. وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله.

المطلب الثاني المطلب الثاني في بيان معنى الآل لغة وشرعاً:

قال في لسان العرب لابن منظور: وآل الرجل أهله..أهـ.

87 / 203
ع
En
A+
A-