فأقول: أخرج مُسْلم عن زيد بن أرقم، قال: قام فينا رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أمَّا بعد: أيها الناس إنَّما أنا بشرٌ مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي ـ عزوجل ـ فأجيبه وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله ـ Uـ فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله ـ عزوجل ـ وخذوا به، وحث فيه ورغب، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي... الحديث)). وأخرج الترمذي، وقال حسن غريب: أنَّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: ((إنِّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما)) وأخرجه أحمد بمعناه ولفظه: ((إني أوشك أن أدعا فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما))، وأخرجه الطبراني وزاد: ((إني سألت ذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم))، وفي رواية: ((وسنتي)) وهي المراد من الرواية المقتصرة على الكتاب لأن السنة مبيِّنة لكتاب الله فأغنى ذكره عن ذكرها، والحاصل أن الحث وقع على التمسك بكتاب الله وبالسنة وبالعلماء من أهل البيت، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى يوم القيامة، على أنه قد ورد في أمالي أبي طالب ـ uـ بلفظ: ((كتاب الله وسنتي وعترتي))، فجمع الثلاثة، ولفظه بسنده قال: حدثنا أبوعبدالله أحمد بن محمد الآبنوسي البغدادي، قال: حدثنا أبو القاسم عبدالعزيز بن إسحاق بن جعفر قال: حدثني علي بن محمد النخعي الكوفي، قال: حدثنا سليمان بن إبراهيم بن عبيد الحارثي، قال: حدثنا نصر بن مزاحم المنقري، قال: حدثنا إبراهيم بن الزبرقان التيمي، قال: حدثني أبو خالد الواسطي، قال: حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي ـ عليهم السلام ـ قال لما ثقل رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم في مرضه والبيت غاصٌ بمن فيه قال: ((أدعوا الحسن والحسين قال: فجعل يلثمهما حتى أغمي عليه، قال: فجعل علي uيرفعهما عن وجه رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم، قال: ففتح عينيه فقال: دعهما يتمتعان مني وأتمتع منهما فإنهما سيصيبهما بعدي أثرة. ثم قال: يا أيها الناس إني قد خلفت فيكم كتاب الله وسنتي وعترتي فالمضيع لكتاب الله كالمضيع لسنتي، والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي، أما إن ذلك لن يفترقا حتى اللقاء على الحوض)) اهـ.
فهذه الراوية من طريق الإمام الأعظم زيد بن علي ـ صلوات الله عليه ـ وهي مصرحة بالثلاثة كما ترى، وما ورد بلفظ كتاب الله وعترتي فالكتاب والسنة واحد وما ينطق عن الهوى، والكتاب هو الأصل الذي وردت السنة مبينة له والإحتجاج بالحديث هو أن العترة عدل الكتاب كما صرح بذلك الحديث، ولا معنى لإنكار النواصب لفظ كتاب الله وعترتي، لتواتر هذا اللفظ وكثرة رواته ومخارجه، ومن روى بلفظ: كتاب الله وسنتي، فهي راوية نادرة، وقد قيل إنها بلاغ ويحمل على نسيان الراوي أو حامل نصب وبغض للعترة الشريفة أو خوف سيوف بني أمية أو غير ذلك.
والروايات الكثيرة المتظافرة البالغة إلى حد التواتر بلفظ: ((كتاب الله وعترتي)).
واعلم: أن حديث التمسك متواتر معلوم الصحة، وقد تتبع بعض العلماء ـ رحمهم الله ـ عدد من رواه من الصحابة فبلغوا إلى نيف وعشرين صحابياً، وقد أخرجه ورواه أعلام الأئمة وحفاظ الأمة. قال شيخنا ـ نفع الله بعلومه وجزاه عن الإسلام أفضل الجزاء ـ فمن أئمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ الإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم وحفيده إمام اليمن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين والإمام الرضا على بن موسى الكاظم والإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي، والإمام المؤيد بالله، والإمام أبو طالب، والسيد الإمام أبو العباس، والإمام الموفق بالله وولده الإمام المرشد بالله، والإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والسيد الإمام أبوعبدالله العلوي صاحب الجامع الكافي والإمام المنصور بالله الحسن بن بدرالدين وأخوه الناصر للحق حافظ العترة الحسين بن محمد، والإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى والإمام الهادي لدين الله عزالدين بن الحسن، والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وغيرهم من سلفهم وخلفهم، ومن أوليائهم إمام الشيعة الأعلام قاضي إمام اليمن الهادي إلى الحق محمد بن سليمان الكوفي ـ t ـ رواه بإسناده عن أبي سعيد من ست طرق، وعن زيد بن أرقم من ثلاث، وعن حذيفة، وصاحب المحيط بالإمامة الشيخ العالم الحافظ أبوالحسن على بن الحسين، والحاكم الجشمي، والحاكم الحسكاني، والحافظ أبوالعباس ابن عقدة، وأبو علي الصفار، وصاحب شمس الأخبار، وعلى الجملة كلّ من ألف من آل محمد ـ عليهم السلام ـ وأتباعهم ـ رضي الله عنهم ـ في هذا الشأن يرويه ويحتج به على مرور الزمان، اهـ.
وقد تركنا التعرض لذكر من أخرجه من العامة لتواتره، والثقل: هو كل نفيس خطير مصون، والكتاب والعترة كذلك نفيسان خطيران، إذ كل منهما معدن للعلوم الدينية والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية، ولهذا حثّ الشارع على الإقتداء والتمسك بهما، وقيل: سميا الثقلين، لثقل وجوب رعاية حقهما، ومنه قوله تعالى: ]سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيْلاً[ [المزمل/5] أي له وزن وقدر، لأنه لا يؤدَّى إلا بتكليف ما يُثقل، ويسمى الإنس والجن الثقلين لكونهما فُضِّلا على سائر الحيوان، وفي أحاديث التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض، وفي قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : ((انظروا كيف تخلفوني فيهما...وأوصيكم بعترتي خيراً.... وأذكركم الله في أهل بيتي)) فإن فيها من الحث الأكيد على مودتهم ووجوب إتباعهم ومزيد الإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم، وتأدية حقوقهم الواجبة والمندوبة، كيف لا يكونون كذلك وقد قرنهم بالكتاب العزيز؟! وأخبر أنهما لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض، وهل هذا إلا دليل على عصمتهم ونجاتهم. فالتابع لهم ناجٍ، وقد أكدّ ذلك بقوله: ((ولا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)) فما هو عذر المخالف لهم، الزاري عليهم والمنتقص لعلومهم؟ ومن تأهل منهم لنيل المراتب الدينية كان مقدماً على غيره، ومفضلاً على من سواه.