متى نشأ مذهب الإثنى عشرية؟ وما السبب في إنشائه؟
الجواب: أن فِرَقَ الشيعة كثيرةٌ، وقد عدَّها علماء المقالات ولسنا نعتمد نقل خصوم الشيعة كالشهرستاني وابن حزم وغيرهما لمكان العداوة والمجازفة وعدم التحري، ولكنا نعتمد رواية أئمتنا وشيعتهم، ونقدم ما حكاه الفقيه العالم شيعي آل محمد، محمد بن الحسن الديلمي ـ رحمه الله ـ في كتابه المشهور:( قواعد عقائد آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ) بعد أن ذكر الإمامية فقال: إنما سموا إمامية لإلتزامهم بالإمام وقولهم أن الأمور الدينية كلها إلى الإمام، وأن الإمام بمنزلة النبي ولا بد في كل وقت من إمام، وأنه يُحْتَاجُ إليه في جميع أمور الدنيا والدين، وسموا رافضة لرفضهم زيد بن علي ـ uـ وهم فرق كثيرة إلى ثمانية عشر فرقة، إلى أن قال: والقطعية فهم الذين قالوا الأئمة إثنا عشر وبالنص الجلي عليهم، إلى أن قال: قيل: أن ابتداء مذهبهم وضعه المأمون وقرر في نفوس الناس أن الإمام واحد معصوم يُنَفِّر الناس بذلك عن من خرج من أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وكان يقول رأيي في صرف الناس عن طريق المحبة خير من رأي آبائي في قتلهم.
وقال السيد العلامة عبدالصمد الدامغاني في رسالته ( الجوهرة الخالصة عن الشوائب) وهو يتكلم على تعداد ما نقم على الإمامية الإثنى عشرية، فقال: فمنها أن أهل كتب المقالات إتفقوا على أنهم لم يأخذوا مذهبهم عن أئمتهم ولا عن الثقات، وإنما هو موضوع مصنوع من المنصور أبي الدوانيق من بعد أن قتل جماعة من فضلاء العلوية منهم: محمد بن عبدالله النفس الزكية وأخاه إبراهيم بن عبدالله في عدة من الذرية الطاهرة فظن أبو الدوانيق أنه لا يزال يخرج عليه من العلوية قائم بالخلافة إلى أن قال: ورأى جماعة ينكرون قيام القائم بالإمامة ويعتقدون أن إمامها منصوص عليه، وأنه غائب عنها، وهم الكيسانية فلاحت له الحيلة فأعملها في جماعة من أصحابه، وبعث إلى الأقطار التي يظن أن فيها من جهال الشيعة من تطرأ عليه الشبهة وأمر ببث هذا المذهب فيهم ولا يشعرون أنه حيلة وصنع لهم نسخة وجعلها مع بعض أتباعه وأمرهم بإظهار التشيع وإلقائها إلى جهال الشيعة ومضمون ما في النسخة: أن بني إسرائيل كان لهم إثنى عشر نقيباً وأن جبريل نزل بلوح فيه أسماء الخلفاء على الأمة، وأنهم إثنا عشر بعد محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم فقد مضى منهم خمسة إلى جعفر بن محمد الصادق، وهذا جعفر سادسهم لَمَّا علم أن جعفراً متزهد لا يقوم بالخلافة فالستة الباقون من ولده فاعتقد الجهال منهم ذلك المذهب، ولما سمع به جعفر الصادق أنكر على الشيعة فأبوا وقالوا: إن جعفراً ينكر علينا تقية على نفسه فاستمروا على ذلك وكل من يزعم الخلافة من العلوية بعد هذا يكونون أعداء الأعداء له وأحرص الناس على إتلافه وأخذل الناس له لإعتقادهم أن النص على غيره ...إنتهى.
قلت: ولا مانع من حمل الراويتين على الصحة وعدم التدافع إذ يمكن أن أبا جعفر هو الفاتح لهذه الفكرة، وأن المأمون قواها لما ضعفت وطال عليها الأمد فهو مجدد لفكرة جده مع أن أبا جعفر يمكن أنه إنما قوى هذه الفكرة وهي متقدمة، لأن الكيسانية كانت من مدة محمد بن الحنفية، وفي رواية الهادي ـ uـ ورواية المقريزي أن حدوث مذهب الإمامية بدأ عندما رفضوا بيعة زيد بن علي بحجة أن جعفراً هو الإمام كما سيأتي قريباً إنشاء الله..
ويكفي أن نقول: أنه مذهب محدث لم يقل به أحد من أئمتهم المنتسبين إليهم وهذا الوجه كافٍ في حدوثه وفي مجموع الإمام الأعظم الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم ـ صلوات الله عليه ـ من الكتاب برسم مكتبة اليمن الكبرى صفحة(220) (ص/90/ط/دار الحكمة) قال:( وفيه عن محمد بن علي بن الحسين باقر العلم أن قوماً وفدوا إليه، فقالوا: ياابن رسول الله إن أخاك زيداً فينا وهو يسألنا البيعة أفنبايعه؟ فقال لهم محمد: بايعوه فإنه اليوم أفضلنا. وعنه أيضاً أنه اجتمع زيد ومحمد في مجلس فتحدثوا ثم قام زيد فمضى فأتبعه محمد بصره، فقال له: لقد أنجبت أمك يا زيد، وفيه ما قال جعفر بن محمد الصادق ـ رحمة الله عليه ـ لما أراد زيد الخروج إلى الكوفة من المدينة قال له جعفر: أنا معك يا عم، فقال له زيد: أوما علمت ياابن أخي أن قائمنا لقاعدنا وقاعدنا لقائمنا، فإذا خرجت أنا وأنت فمن يخلفنا في حرمنا، فتخلف جعفر بأمر عمه زيد، وعن جعفر أيضاً لما أراد يحيى بن زيد اللحوق قال له ابن عمه جعفر: إقرئه عني السلام، وقل له إني أسأل الله أن ينصرك ويبقيك ولا يرينا فيك مكروهاً، وإن كنت أزعم أني عليك إمام فأنا مشرك، وعنه أيضاً لما جاءه خبر قتل أبي قرة الصقيل بين يدي زيد بن علي تلى الآية: ]ومَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكُهُ الْمَوتُ فقَدْ وَقَعَ أجْرُهُ عَلَى اللهِ[ [النساء/100] فرحم الله أبا قرة، وعنه أيضاً لما جاءه خبر قتل حمزة بين يدي زيد بن علي تلى هذه الآية ]رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوْا اللهَ علَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيْلاً[ [الأحزاب/23] وعنه لما جاءه خبر قتل عمه زيد وأصحابه قال: ذهب والله زيد بن علي كما ذهب علي بن أبي طالب والحسن والحسين وأصحابهم شهداء إلى الجنة التابع لهم مؤمن والشاك فيهم ضال والراد عليهم كافر، وإنما فرق بين زيد وجعفر قوم كانوا بايعوا زيد بن علي، فلما بلغهم أن سلطان الكوفة يطلب مَنْ بايع زيداً ويعاقبهم خافوا على أنفسهم فخرجوا من بيعة زيد ورفضوه مخافة من هذا السلطان ثم لم يدروا بما يحتجون على مَنْ لامهم وعاب عليهم فعلهم، فقالوا بالوصية، فقالوا: كانت الوصية في علي بن الحسين إلى ابنه محمد ومن محمد إلى جعفر ليموهوا به على الناس فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل اتبعوا أهواء أنفسهم وآثروا الدنيا على الآخرة وتبعهم على قولهم من احب البقاء وكره الجهاد في سبيل الله، ثم جاء قوم من بعد أولئك فوجدوا كلاماً مرسوماً في كتب ودفاتر فأخذوا بذلك على غير تمييز ولا برهان بل كابروا عقولهم ونسبوا فعلهم هذا إلى الأخيار منهم من ولد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم إلخ.. (ص/91/ط/دار الحكمة).