وأما الإلجاء فقال قاضي القضاة: أنَّ الملجأ إلى الفعل لا بد أن يقع منه ما أُلجي إليه. والملجأ أن لا يفعل لا بد من أن لا يفعله، وقال أبوهاشم الجبائي: أن الإلجاء هو كل شيء إذا فعل بالقادر خرج من أن يكون يستحق المدح على فعل ما ألجيء إليه أو على أن لا يفعل ما ألجي إليه إلى أن لا يفعله، وذكر أن الإلجاء والإضطرار في اللغة بمعنى واحد. اهـ.

واعلم: أنَّ العلماء رحمهم الله قدِ اختلفوا في مَنْ تثبت منه العصمة هل يثبتها الله تعالى في المعصوم أم يثبتها المعصوم لنفسه، فقيل ثبوتها منه تعالى، ثم اختلفوا في الكيفية فعند أئمتنا عليهم السلام والمعتزلة أن كيفية ثبوت العصمة للأنبياء عليهم السلام بالألطاف التي يجعلها لهم كما يجعلها لغيرهم فهي من قبيل الألطاف ونوع منها مخصوص لكنه تعالى قد علم أنهم يلتطفون في ما هم معصومون عنه فلا يفعلونه، وإنَّما لم يفعلوه إختياراً منهم للخير وتنكباً عن سبيل الهلكة، وقيل بِنْيَةٌ مخصوصة ركبهم الله عليها فهم لمكانها ينفرون عن المعاصي ويرتاحون للطاعات، والصحيح القول الأول، لأنه يرد على الأخير أن المعصوم لا يستحق بفعل الطاعات وترك المقبحات ثواباً ولا مدحاً، إذ لا مشقة عليهم لكونهم على بنية تنفر من المعاصي وترتاح للطاعات فهم ملجأون إلى ذلك لا إختيار لهم، وقيل بل تثبت العصمة باختيار المعصوم لها فهو المثبت لها بالإتيان بالواجبات واجتناب المقبحات، وقيل بل تثبت له باختياره لكنه غير مستغنٍ عن معونة الله، وقيل ثبوتها من الله ومن المعصوم وكيفيته بخلق الداعي إلى فعل الطاعات واللطف الذي لأجله تركت المعصية منه تعالى وبفعل الواجبات واجتناب الكبائر من النبي ومعناه كالأول.

 ولما تكلمنا على معنى العصمة وتكلمنا على بعض ما يتعلق بمباحثها، فلنتكلم على جواب الطرف الثاني، وهو : من هم المعصومون؟

فنقول وبالله التوفيق: لا خلاف في عصمة الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ على الجملة وإنما الخلاف في تفاصيل، في وقت العصمة. وهل هم معصومون من الكبائر والصغائر؟ أم من الكبائر فقط؟ ولا خلاف بين أئمتنا ـ عليهم السلام ـ في عصمة الوصي والزهراء والحسنين صلوات الله عليهم ـ ولا خلاف بين أئمتنا أن جماعة أهل البيت معصومة وأن إجماعهم حجة، وأما أفراد أهل البيت غير الأربعة فليس أحد سواهم بمعصوم سواء كان إماماً أم غير إمام، ولا أعلم قائلاً بعصمة الإمام من أئمتنا سوى أبي العباس الحسني ـ رحمه الله.

 وقالت الإمامية: إن شرط الإمام أن يكون معصوماً، قال العلامة شُبَّر في كتاب حق اليقين صفحة:(255) (لأنه حافظ للشرع قائم به حاله كحال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولأن الإمام إنما هو للإنتصاف للمظلوم من الظالم ورفع الفساد وحسم مادة الفتن، وأن الإمام لطف) اهـ.

81 / 203
ع
En
A+
A-