الثالث: أن كل تمدح راجع إلى الذات فإثبات نقيضه نقص.

الرابع: أن النقص على الله تعالى لايجوز.

أما الأصل الأول: فلا خلاف أن الآية واردة مورد المدح له تعالى لأن أول الكلام مدح وهو قوله تعالى: ]بَدِيْعُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ أَنَّى يَكُوْنُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ[ [الأنعام/101]، وآخره مدح أيضاً فيجب أن يكون المتوسط مدحاً وهو قوله تعالى: ]لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ..[  [الأنعام/103] وإلاَّ لزم أن يتوسط ما ليس بمدح بين أوصاف المدح وهو مستهجن في اللغة العربية ولا يصح ذلك في كلام الحكيم والخصوم لاينكرون هذا ولكنهم زعموا أن وجه التمدح في ذلك من حيث أنها لاتحيط به الأبصار إلاَّ من حيث أنَّها تدركه وتراه، وقد أجاب أصحابنا بإنَّ الإحاطة ليست بمعنى الإدراك لافي حقيقة اللغة ولا في مجازها، فيقولون السور أحاط بالمدينة ولا يقولون أدركها.

توضيح لما سبق: وهو أن نقول أنَّ الله سبحانه قد تمدح بنفي الصاحبة والولد كما تمدح بأنه لاتدركه الأبصار فلو صح واحد من الثلاثة لكان نقصاً ولا يكون نفيه مدحاً إلا إذا كان الممدوح قادراً على فعله كالتمدح بنفي الظلم والعبث والكذب.

الأصل الثاني: أن ذلك التمدح راجعٌ إلى ذاته ونعني بذلك أن هذا التمدح مرجعه نفي وصف يتعلق بذاته من حيث أنه تعالى لايرى بالأبصار فصار كالوصف بانه لا يمثل ولايكيف ولايطعم ولا تأخذه سنة ولا نوم وليس من باب التمدح بأمر راجع إلى فعله ككونه لا يظلم ولا يظهر على غيبه أحداً، والفرق بينهما أن ما كان راجعاً إلى الذات فلا يصح نقيضه بأي حال وما كان مرجع التمدح به إلى الفعل فإنه قد يصح نقيضه ولذلك صح الإستثناء في قوله تعالى: ]إلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رِسُولٍ...[  [الجن/27] بخلاف التمدح الراجع إلى الذات فلا يصح الإستثناء منه ولا غيره سواء كان نفياً نحو لا تدركه الأبصار أو إثباتاً كوصفه بأنه عالم وقادر ونحوهما.

75 / 203
ع
En
A+
A-