أمَّا الجواب عن مسألة الرؤية، فأقول: أنَّ مسألة الرؤية فرع على مسألة كون الله جل جلاله لايشبه الأشياء من الأجسام والأعراض وإنه تعالى غير متحيز ولا ذي مكان ولا تصح عليه الحاجة لأنه الحي الذي ليس بمحتاج وقد تقرر بالدلالة القاطعة أن الرؤية لاتصح إلا على الأجسام والأعراض، فمسألة الرؤية فرع على هذا أي مترتبة على ما ذكرنا.

ونقول أنَّ مسألة الرؤية قد كثر فيها الخلاف فأما المجسمة فهم يزعمون أن لله صورة تحل الأماكن وأنه ذو جوارح والخلاف لايتحقق بيننا وبينهم فى الرؤية، إنَّما الخلاف يعود بيننا فيما أثبتوه من التشبيه لله تعالى بالأجسام فنحن نفينا ذلك ونزهنا الله تعالى عن مشابهة الاجسام، وهم أثبتوا ذلك مع إعترافهم لنا أنه تعالى لولم بكن جسماً لما صحت رؤيته ومع اعترافنا لهم أنه لوكان جسماً لصحت رؤيته. وإنَّما يتحقق الخلاف بيننا وبين الأشاعره الذين لايكيفون الرؤية، إذا عرفت هذا فنحن موردون للادله على ماذهبنا اليه من نفى رؤيته تعالى فى الدنيا والآخرة فنقول لنا أدله عقليه وسمعيه وهذه المسأله مما يستدل عليها بالسمع على أصولنا وأُصول المعتزلة لان صحة السمع لايقف عليها، وكل مسألة لانقف عليها صحت السمع فالاستدلال عليها بالسمع ممكن، وأصحابنا والمعتزلة يستدلون على هذه المسألة بدليلين عقليين: هما دليل المقابلة ،ودليل الموانع.

 أمَّا دليل المقابلة: فهو أنَّ الأبصار لاترى إلاَّماكان مقابلاً كالجسم أو حالاًّ فى المقابل، كاللون أو في حكم المقابل ،كالوجه فى المرآه فانه ليس مقابلاً ولاحالاًّ فى المقابل، ولكنه فى حكم المقابل، لأنَّ الله تعالى لا يصح أن يكون مقابلاً ولا حالاً في مقابل، ولافي حكم المقابل، لأنَّ ذلك جسم أوعرض، وقد تقرر أنَّه تعالى ليس بجسم ولا عرض فلا تصح رؤيته تعالى بحال.

 أمَّا دليل الموانع: فتحريره انَّه لوكان الباري سبحانه يُرى بحال من الاحوال لوجب أن نراه الآن، لإنَّ الحواس سليمة والموانع مرتفعة،وهو دليل مبنى على أصلين:

الأصل الأول: قوله لو كان الباري سبحانه يُرى فى حال من الأحوال لوجب أنْ نراه الآن، الخ , وتصحيحه يحصل بحصول ثلاثه شروط وكلها قد حصلت وهى أنَّ الحواس سليمة والموانع مرتفعة والبارى تعالى موجود، أمَّا كون الحواس سليمة فمعلوم أنَّ أحدنا على الصفه التى يرى المرئيات معها وهي سلامة حاسة البصر ،أمَّا كون الموانع مرتفعة فالموانع ثمانية هي الحجاب الكثيف، والقرب المفرط،والبعد المفرط ،وكون المرئي لطيف الجسم كالجوهر ورقيقه كالملائكة، وكونه غير مقابل للرائي، وكونه حالاًّ في غيره، والثامن فُقد الضياء المناسب للعين كالظلمة، والذى يدل على إرتفاعها أنَّها لا تصح إلاَّ في الأجسام والله ليس بجسم، وأمَّا أنَّ الباري موجود فمعلوم بالأدلة القاطعة وقد كملت الثلاثة الشروط وصح الأصل الأول.

73 / 203
ع
En
A+
A-