إذا ثبت هذا، لم يصح في أفعال العباد أنْ تكون من جهة الله تعالى لإشتمالها على التفاوت وغيره، ومنها قوله تعالى: ]صُنْعَ الله الذي أتقن كلّ شيءٍ[ [النمل/88] بين الله أن أفعاله كلها متقنة والإتقان يتضمن الإحكام والحسن جميعاً حتى لوكان محكماً ولايكون حسناً لكان لايوصف بالإتقان ، ومعلوم أن في أفعال العباد مايشتمل على القبائح من كفرٍٍ وخَناء، وفحشٍ، وليس شيءٌ من ذلك متقناً فلا يجوز أن يكون الله تعالى خالقاً لها ومنها قوله تعالى: ]وما مَنَعَ الناسَ أن يؤمنوا إذ جاءهم الهُدى[ [الإسراء/94] فلو كان الإيمان من جهة الله بخلقه في العباد، لما كان لهذا الكلام معنى لأن للمكلف أن يحتج ويقول: لَِمْ تخلق الإيمان فيَّ، وخلقت ضده؟. ومنها قوله تعالى: ]كيف تكفرون باللَّه وكُنتم أمواتاً فأحياكُمْ ...[ الآية [البقرة/28] فلولا أنهم الذين عملوا الكفر وفعلوه، لما كان للتعجب بكيف معنى، ولما كان لنسبة الكفر إليهم بقوله تعالى: ]تكفرون[ معنى أيضاً، ومنها مثل قوله تعالى: ]جزاءً بما كانوا يعملون[ [السجدة/17]، ]يكسبون[، ونحوهما.
واعلم أن جميع القرآن يشهد بما قلنا، لأنه يتضمن المدح والذم والوعد والوعيد والثواب والعقاب وينسب الإحسان إلى فاعله، والإساءة إلى فاعلها، ومن تأمل عرف مكابرة الخصوم وتماديهم وعدم نظرهم، أو أنهم عرفوا الحق وعاندوه إستكباراً، فالله المبحث الثالث المبحث الثالث فيما يلزم على مذهب الخصم من اللوازم الباطلة
التي تؤيد مذهب أهل العدل، وتبطل مذهب المخالف، وهي كثيرة جداً ولكنا نشير إلى زُبَدٍ منها:ـ
الإلزام الأول: أنه يلزمهم أن يكون الظلم والكذب والعبث كطول القامة وقصرها في عدم إستحقاق المدح والذم عليها البتة، وفي ذلك قبح بعثة الأنبياء صلوات الله عليهم وبطلان الشرائع، كما أنه لايجوز بعثة الأنبياء لدعاء الخلق إلى الخروج من صورهم وألوانهم، بل على مذهبهم يلزم إبطال فائدة كل إمام ومرشد وواعظ وداعي إلى الله تعالى من أول الدنيا إلى آخرها، ولاشك أن كل مذهب يؤدي إلى الباطل فهو باطل.
الإلزام الثاني: أنه يلزمهم قبح مجاهدة الكفار، لأن لهم أن يقولوا تجاهدوننا لأن الله خلق فينا الكفر أولأجل أنه لم يخلق فينا الإيمان، وكل ذلك بمنزلة مجاهدتنا على صورنا وألواننا.