الأصل الأول أنَّ هذه التصرفات يجب حصولها وانتفائها بحسب دواعينا، وصوارفنا، ودليله أنَّ أحدنا إذا دعاه الداعى إلى القيام حصل منه القيام على طريقة واحدة، ووتيرة مستمرة، بحيث لا يختلف الحال فيه، وكذلك لو دعاه الداعى الى الأكل بأنْ يكون جائعاً، وبين يديه ما يشتهيه، وهذا يدل دلالة واضحة على أنَّها موقوفة على دواعينا، وتقع بحسبها، وكما تقف على دواعينا، تقف على قصودنا، وآلاتنا، والأسباب الواقعه من جهتنا،ألاَترى أنَّ قولنا محمدٌ رسولُ اللَّهِ، لاينصرف إلى محمد بن عبدالله، دون غيره من المحمدين، إلا بإرادتنا، والكتابة الحسنة تقف على كمال الآلة، فصح أنَّ حاجة هذه التصرفات إلينا، وتعلقها بنا، على الحد الذى ادعيناه.
وأمَّا الأصل الثاني وهو أنَّها لو لم تكن من فعلنا لما وجبت فيها هذه القضية، فدليله أنَّها لوكانت من فعل الله تعالى لجرت مجري الصور والألوان والأمراض، وحركة المرتعش، ونحو ذلك مما علمنا أنَّ العلة فى تعذره أنّه لايقف على إختيارنا، بل يوجدوإنْ كرهناه ،ويُقْقَدوإنْ أردناه، وكذلك أفعال غيرنا، لم تقف على إختيارنا، فإنْ قيل ماأنكرتم أنْ يوجد الله أفعالكم عند قصودكم ودواعيكم بمجرى العادة؟.
قلنا: كل شيءٍ طريقه العادة يجوز إختلافه، فكنا نجوز وقوعها وانتفائها، ولاصارف بأن تختلف العادة، كما فى الصحة والسقم وغيرها، ولو كانت كذلك لكنّانجد أنفسنا مدفوعة إليها، وخلافه معلوم، فهذه حجج العقل التى أردنا تحريرها وهي قاطعة.
أمَّا حُجَج السمع: فنأتي منها بما سنح إستظهاراً، وإنْ كان العلم بصحة السمع يتوقف على معرفة هذه المسألة، لأنَّ ذلك متوقف على العلم بإنَّ الله عدل حكيم، لايظهر المعجز على الكذَّابين.
فمن الحجج السمعية قول الله تعالى: ]مَاتَرَى في خَلْقِ الرحمن مِنْ تَفَاوت[ [الملك/3] ونحوها، مما يقتضي نفي الإضطراب والإختلاف من جهة الحكمة، لأنَّه إمَّا أنْ ينفي التفاوت من جهة الخلقة، وهو باطل لحصوله، أومن جهة الحكمة، وهو المطلوب.