قال:وإنَّما قلنا أنَّه قد فُقِد داعيه الى القبيح، وخلص صارفه، لإنَّه إمَّا أنْ يكونَ داعي حاجة أوداعي حكمة، ألأول باطل لإستحالة المضار والمنافع عليه، والثاني أيضا ًباطل لإنَّ ذلك مترتب على كون الفعل حسن،وأمَّا خلوص صارفه فظاهر لإنه تعالى إذاكان عالماً بقبحه وعالماً بأنه غني لا يحتاج الى شئ فقد خلص صارفه، وإنَّما قلنا أنَّ من فقد داعيه وخلص صارفه عن الفعل فإنه لايفعله، فلأنه لو وقع والحال هذه، لبطل وقوعه على حسب الداعي، وخرج عن كونه مقدوراً له، لأنَّ حقيقة الفعل ليس إلاَّوقوعه على حسب الداعي.اهــ .

وقد استدل بهذا الدليل على التقرير الذي قرره الإمام u مِنْ فقد الداعي، أبو الهذيل وأبو إسحاق بن عياش وأورده الإمام أحمد بن سليمان u: بنحو ما ذكره أبو الحسين ولفظه: والعقل يحكم ويشهد على أنه لايفعل القبيح إلاَّمن جهل قبحه، وأحتاج الى فعل القبيح لشهوة داعية، أوغضب مؤذ، أو طمع فيما لايجوز، أوسفاهة  أوسخف رأي، أواستماع مشورة مضلٍ جاهل، فمن كان به بعض هذه الصفات لم يؤمن منه فعل القبيح، أو الرضا به، أو الأمر به.اهـ .

والمعلوم أن فاعل القبيح لايفعله إلاَّ لأحد هذه الوجوه، وهي الداعي للفعل، والمعلوم استحالتها على ذي الجلال سبحانه وتعالى، فثبت بهذا الدليل العقلي أنَّ الله تعالى الدلالة الثانيةالدلالة الثانية: أنَّه تعالى قد تمدح بنفي الظلم عن نفسه، فلو فعله لم يكن للتمدح بنفيه عن نفسه فائدة، ولاوجه، وهذه الحجة ردً على المجبرة، لإنَّه اذا كان وقوعه منه لايوجب القبح الدلالة الثالثةالدلالة الثالثة: أنَّ العقول مفطورة على تنزيه من اختص بصفة كمال على الجواز، فكيف من اختص بصفات الكمال على الوجوب؟

الدلالة الرابعة :أنَّ الله تعالى عالم بقبح القبيح وغنى عنه، وعالم بغناه عنه، وإذا كان كذلك فإنَّه لايفعل القبيح قياساً على الشاهد، فإنَّ المعلوم ضرورة فى الشاهد أنْ من كان عالماً بقبح القبيح وغنياً عن فعله، وعالماً باستغناه عنه فانه لايفعله، ولاعلة لكونه لايفعله، إلاَّاجتماع هذه الأوصاف.

قال الإمام أحمد بن سليمان u في تحقيق معنى هذه الدلالة: الدليل على أنه تعالى منزه عن هذه الصفات التى توجب النقص من طريق العقل، أنه قد ثبت أنَّ الله عالم لنفسه، قادر حكيم غنى، وثبت أن العالم القادر الحكيم الغنى لايفعل القبيح ولايرضاه ولايأمر به، والعقل يشهد أنَّ فعل القبيح قبيح، وأنَّ من أمرَ به أو رضى بفعله يكون كمن فعل القبيح، ثم قال u :فاذا كان فعل القبيح يقبح بالعبد الجاهل المحتاج الضعيف، فكيف لايقبح من العالم الحكيم القادر!!، فوجب أن يكون القديم تعالى مُنزَّهاً متعالياً عن فعل القبيح، لإنَّه تعالى عالم بقبح القبيح، وغير محتاج إليه لالجر نفع اليه، ولالدفع ضرر عنه تعالى، ولاَلِسخفِ رأى، ولاطمع فيما ليس له، ولالمشورةِ مُضل أو جاهل، فلمَّا كان مُنَزهاً عن فعل القبيح، وكان الظلم والجور والكذب وخلف الوعد والوعيد وفعل الفواحش وجميع المنكرات قبيحاً والرضا به، والأمر به، قبيح، عُلِمَ أنَّ الله لايفعل شيئاً من ذلك، ولايرضى به ولايأمر به، ولو فعل ذلك لدخل عليه النقص والذم أكثر مما يدخل على العبد،لإنَّه عالمٌ لِذاته، وقادر لذاته، والعبد جاهل محتاج، فكان ذم العبد أقل لجهله وحاجته... الخ .

46 / 203
ع
En
A+
A-