هل يجوز عند زيارة قبور الصالحين تقبيلها والطواف عليها كما يطاف على الكعبة والسعي إليها زحفاً؟ وإذا لم يكن جائزاً فما هو الجائز منه؟

الجواب: والله الهادي: إن زيارة القبور سنة متبعة سنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمل بها المسلمون من بعده وإلى الآن، واعلم أن اتباع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جميع الموارد والمصادر هو الذي يليق بالمؤمن التقي وكل عمل يخالف ما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم فهو رد كما جاء في الحديث، وقد صح أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يزور أهل البقيع، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون وإنا إنشاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد..) وهو في مسلم والنسائي مطول وفي آخره، .. قال: فإن جبريل u أتاني حين رأيت فناداني فأجبته فأخفيته منك ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي، فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قال: قلت كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: ((قولي السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين والمستأخرين، وإنا إنشاء الله بكم لاحقون))، وأخرجه الموطأ بلفظ: قالت عائشة: قام رسول الله ذات ليلة فلبس ثيابه ثم خرج، فأمرت جاريتي بريرة تتبعه فتبعته حتى جاء البقيع فوقف في أدناه ما شاء الله أن يقف، ثم انصرف فسبقته فأخبرتني فلم أذكر له شيئاً حتى أصبح ثم ذكرت له، فقال: ((إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي لهم))، وفي صحيفة علي بن موسى الرضا عن آبائه عليهم السلام عن علي u قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من مر على المقابر وقرأ قل هو الله أحد أحدى عشر مرة ووهب أجره للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات)) وفي مجموع إمام الأمة أمير المؤمنين زيد بن علي بن الحسين بن علي صلوات الله عليه عن أبيه عن جده عن علي صلوات الله عليهم أنه كان يقول إذا دخل المقبرة: السلام على أهل الديار من المسلمين والمؤمنين أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون، وإنا إلى الله راغبون، وإنا إلى ربنا منقلبون اهـ

وفي الجامع الكافي عن علي صلوات الله عليه أنه كان يقول إذا دخل المقابر: (السلام على من في هذه الديار من المؤمنين والمسلمين، أنتم لنا فرطٌ ونحن لكم تبع، وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفننا بعدهم.. أهـ. وليس من غرضنا التطويل بل التنبيه على فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفعل الوصي صلوات الله عليه، فالإقتداء بالهدي النبوي وبأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما فيه خير كثير.

ولا شكَّ أنَّ زيارة الأنبياء والأوصياء والهداة الأئمة الدعاة إلى الحق، وزيارة الأولياء والصالحين والشهداء فيها فضل كبير وخير كثير، وجرى عليه عمل الأمة الإسلامية خلفهم وسلفهم، أما التمسح والطواف بالقبر والتقبيل فهو لم يؤثر فعله ولم يؤثر النهي عنه، فإن كان التمسح للتبرك فالأدلة تقضي بجوازه، فإن التبرك بآثار الصالحين جائز وأدلته واضحة، وكذلك التقبيل لم يرد تحريم تقبيل الجماد فقد صح تقبيل الحجر الأسود، وهي من تعظيم شعائر الله تعالى، وقد قال الله تعالى: ]ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإنَّها مِنْ تَقْوَى القُلُوْبِ[ [الحج/32] أما الطواف فإن كان من قصد الزائر القياس على الكعبة فهو قياس باطل ولا استحباب فيه ولا حرج في فعله، وإن كان قصده الإعتبار والنظر مع الدعاء والتلاوة فلا ضير في ذلك غايته الإباحة كالمشي في المواطن الشريفة، وقد يقال إذا زاحم المسلمين أو منع المصلين وحصل أذية بفعله لذلك فبسبب ذلك يحصل المنع الشرعي له لكنه لا لعين الفعل بل لسببه، أما الدخول إلى القبور زحفاً فلا يخلو إما أن يكون قصد الفاعل الخضوع لصاحب القبر كخضوع المخلوق للخالق، فذلك مما يحرمه الشرع الشريف ويمنع فاعله وينكر عليه، وإن كان لجهل فاعله ولم يقارنه اعتقاد تنزيل صاحب القبر منزلة الخالق فبدعة مستنكرة، وأما ما يجوز فعله فهو ما وافق فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعل أمير المؤمنين  uمع ملازمة الآداب والسكينة والوقار وإخلاص النية والدعاء لله جل جلاله، وأن يستقبل وجه الميت ثم يسلم عليه ويدعو له وللمؤمنين ويكره رفع الصوت بحيث يتأذى منه الحاضرون، ويشترط أن لا يزاحم المسلمين، أما إذا حصلت أذية المسلمين كالزيارات الجماعية التي يحصل بها المزاحمة والأذية للمؤمنين ورفع الأصوات المؤذية فقد عاد عليه فعله بنقيض مقصده، ولا يبعد تحريم ما هذا حاله، ونسأل الله الإعانة والتوفيق والتسديد،. وصلى الله على سيدنا محمد وآله.

الأوقات الإختيارية السؤال التاسع

137 / 203
ع
En
A+
A-