قلنا: الخطاب عام فيلزم دخول المؤمنين النار وهو باطل، فلم يبق إلا أن الورود الحضور كقوله تعالى: ]ولمَّا ورَدَ مَاءَ مَدْيَنَ[ [القصص/23] أي حضر، ثم ننجي الذين اتقوا بعدم دخولهم فيها، ونذر الظالمين فيها جثياً بإدخالهم فيها، والظالم عام للكافر والفاسق.
قالوا: قال تعالى: ]فمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرَاً يَرَه، ومَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَه[ [الزلزلة/7، 8]، قالوا: والفاسق قد عمل الخير والشر فلا بد أن يصل إليه ما في مقابلهما معاً من الثواب والعقاب، ولا بد أن يكون وصولهما على وفق رحمته وكرمه فيصل إليه العقاب أولا، ثم يخرج منه ويصله الثواب ويخلد فيه.
والجواب: أن ظاهر الآية متروك وإلا لزم أن يصل إلى الكافر ثواب طاعاته من بر والديه وصلة الرحم وصدق اللهجة وأداء الأمانة ونحو ذلك، فلا بد من تأويله ويكون المعنى: من يعمل مثقال ذرة خيراً وهو من فريق السعداء، ومن يعمل مثقال ذرة شراً وهو من فريق الأشقياء، لأنه جاء بعد قوله: ]يَصْدُرُ النَّاسُ أشْتَاتاً[ [الزلزلة/6] ذكر نحو هذا التأويل جار الله في كشافه، ويؤيده قوله تعالى: ]إنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِيْنَ[ [المائدة/27] ، وقوله تعالى: ]يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيْرَةً وَلا كَبِيْرَةً إلاَّ أحْصَاهَا[ [الكهف/49]، قالوا: قال تعالى: ]إنَّا لا نُضِيْعُ أجْرَ مَنْ أحْسَنَ عَمَلاً[ [الكهف/30]، وقوله تعالى: ]أنِّي لا أُضِيْعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ[ [آل عمران/195].
قالوا: والفاسق قد عمل عملاً حسناً وهو الإيمان وما يفعله من سائر الطاعات كالصلاة والصوم ونحوهما، فلا بد أن يصل إليه ثوابه، وإلا كان قد أضيع عمله؟
والجواب: أن الخطاب في الآيتين خاص بالمؤمنين فلا يدخل فيه الفاسق بدليل أن الآية الأخيرة ذكر قبلها ]الَّذِيْنَ يَذْكُرُوْنَ اللهَ قِيَامَاً وَقُعُوْداً وَعَلَى جُنُوْبِهِمْ ويَتَفَكَّرُوْنَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ[ إلى قوله: ]فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أنِّي لا أُضِيْعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ[، فلا دخل للفاسق فيها إذ لا عموم، وأما الآية الثانية فإنها وإن كان فيها صيغة عموم في مَنْ أحسن عملاً، إلا أن أولها وهو قوله تعالى: ]إنَّ الَّذِيْنَ آمَنُوْا وعَمِلُوْا الصَّالِحَاتِ[ [الكهف/107] صرف العموم عن ظاهره وعلم أن المراد به من أحسن منهم أي من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلا يدخل الفاسق في هذا العموم، وإذ قد آتينا على جملة ما توهمته المرجئة حججاً لهم وبينا عدم دلالة تلك الآيات على مدعاهم فلم يبق لهم شبهة إلا ما زعموه من الأحاديث حجة لهم، واعلم أنهم قد احتجوا بأحاديث زعموها حجة وادعوا تواترها تواتراً معنوياً منها أحاديث الشفاعة وعمومها مثل: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)) وغيره مما يؤدي معناه، ومنها أحاديث الخروج من النار كحديث: ((يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، ومن في قلبه مثقال برة من الإيمان)) وهذه الأحاديث ونحوها لا حجة لهم فيها، لأنها آحادية وقد صادمها القواطع من الآيات المتقدمة، والظني لا يقاوم القاطع، ولأنها قد عورضت بأحاديث تدل على خلود العصاة من أهل القبلة الذين ماتوا من غير توبة في النار، ولأنها من رواية الخصوم وأهل البدع والشنع وأتباع بني أمية، وعلى كل حال فالمسئلة معترك الأنظار وقد أتينا بما هو الحق وأقمنا الدليل ومن أحب الإستكثار فعليه بمطالعة أسفار العترة الأبرار وشيعتهم الأخيار، وقد أحسن في المقال من قال: