قلنا: لفظ نار نكرة وصفت بأنها تلظى ولا عموم فيها، فمسلم أن هذه النار الموصوفة بالتلظي لا يدخلها إلا الموصوف بالكذب والتولي، والفاسق يدخل ناراً غيرها، لأن النار دركات ودلالتها على عدم دخول الفاسق النار إن كان من قبيل المنطوق فهو عموم ودلالة العموم ظنية، وإن كان مفهوماً كما هو الصحيح فقد قال بعدها: ]وسَيُجَنَّبُها الأَتْقَى الَّذِيْ يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى[ [الليل/17ـ 18] فمفهومه أن الفاسق لا يجنبها، لأن الفاسق ليس بتقي، فتناقض المفهومان، فلم يبق إلا أن الفاسق يدخل ناراً غيرها.
قالوا: قال تعالى: ]يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوْهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوْهٌ فَأمَّا الَّذِيْنَ اسْوَدَّتْ وُجُوْهُهُمْ أكْفَرْتُمْ بَعْدَ إيْمَانِكُمْ فَذُوْقُوْا العَذَابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُوْنَ، وأمَّا الَّذِيْنَ ابْيَضَّتْ وُجُوْهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيْهَا خَالِدُوْنَ[ [آل عمران/106، 107].
قالوا: نص على أن الخلائق يوم القيامة قسمين، قسم اسودت وجوههم وهم الكافرون، وليس الفاسق بكافر إجماعاً فلا يسود وجهه ولا يذوق العذاب، فلا بد أن يبيض وجهه فيدخل في القسم الأخير وهم المبيضة وجوههم.
قلنا: لا دلالة في الآية على الحصر في أبيض وأسود، ولا يلزم من ذكر التقسيم المذكور الإنحصار فيهما إلا إذا كانا نقيضين كالليل والنهار والوجود والعدم، أما إذا كانا ضدين كالألوان والطعوم والروائح فلا يلزم من ذكر اثنين ولا إدخاله ولا إرجاعه إلى أحدهما بل هو في حكم المسكوت عنه، فلا دلالة في الآية على حكم الفاسق، وإن سلمنا دخوله بمفهوم الصفة فهو ضعيف لا يؤخذ به في الفرعيات المظنونة، فكيف بالأصليات القطعية.
قالوا: قال تعالى حكاية عن موسى وهارون: ]إنَّا قَدْ أُوحِيَ إلَيْنَا أنَّ العَذَابَ عَلَى مَنْ كذَبَّ وتولَّى[ [طه/48]، وقال تعالى: ]وهَلْ نُجَازِي إلاَّ الكَفُورَ[ [سبأ/17]، وقال تعالى: ]كُلَّما أُلْقِيَ فِيْهَا فَوْجٌ سَألَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأتِكُمْ نَذِيْرٌ قَالُوْا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيْرٌ فَكَذَّبْنا وقُلْنَا مَا نزَّل اللهُ مِنْ شَيءٍ… الآية[ [الملك/8، 9].