قلت: قوله تعالى: ]لِمَنْ يشَاءُ[، فهل يشاء أن يغفر للزاني أو القاتل العمد أو لأكل أموال اليتامى؟ أم للتائب؟ فلهذا قلنا أنها مجملة.

أمَّا جار الله العلامة رحمه الله في (كشافه) ([1]) فقال: الفعل المنفي وهو غفران الشرك، والمثبت وهو غفران ما دونه موجهان إلى قوله: ]لِمَنْ يشَاءُ[ فكأنه قيل: إن الله لا يغفر لمن يشاء الشرك، ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك، على أن المراد بالأول من لم يتب، وبالثاني من تاب، ونظيره أن الأمير لا يبذل الدينار، ويبذل القنطار لمن يشاء ويريد، ولا يبذل الدينار لمن لا يستحقه، ويبذل القنطار لمن يستحقه، وحكى سبب نزولها انتهى.

وقد قال بعض علمائنا رحمهم الله: وأقول: أن الآية تحتمل وجهاً يبين ما ذكر وهو أنه تعالى توعد أهل الكتاب في الآية التي قبلها بتحمل العقوبة إن لم يؤمنوا فقال سبحانه: ]يا أيُّهَا الَّذِيْنَ أُوْتُوْا الكِتَابَ آمِنُوْا بِما نَزَّلْنَا مُصَدِّقَاً لِمَا معَكُمْ مِنْ قَبْلِ إنْ نَطْمِسَ وُجُوْهاً فَنَرُدَّهَا علَى أدْبَارِهَا أوْ نَلْعَنَهُمْ كمَا لَعَنَّا أصْحَابَ السَّبْتِ[ [النساء/47]، أي نمسخهم قردة وخنازير ]وكَانَ أمْرُ اللهِ مَفْعُوْلاً[ ثم حذرهم سبحانه وتعالى بأنه لا يقع منه غفران للشرك في حالة من الحالات بل يستحق من أشرك تعجيل العقوبة أيضاً كما استحقها من تقدم ذكره، فأتى بالنفي الداخل على المضارع الذي هو في معنى النكرة فلو لم يعمل عقوبة الشرك لكان غفراناً كما قال تعالى حاكياً: ]وأنِِ اسْتَغْفِرُوْا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوْبُوْا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعَاً حَسَنَاً إِلَى أجَلٍٍ مُسَمَّى[ [هود/3] فجعل المتاع الحسن إلى الموت من موجبات المغفرة، ثم قال: ]ويَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يشَاءُ[ فلا يعاجل بعض المرتكبين للكبائر بالعقوبة بل يغفرها بتأخير العقوبة في الدنيا كما قال تعالى: ]وإنَّ رَبَّكَ لَذُوْ مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ[ [الرعد/6] وبهذا يندفع الإشكال والحمد لله انتهى.

قالت المرجئة: قال تعالى: ]إنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوْبَ جَمِيْعَاً[ [الزمر/53] ولم يشترط توبة فدخل الفاسق وهو المطلوب؟

قالت العدلية: ظاهر الآية مهجور بالإجماع منا ومنكم للزوم أنه تعالى يغفر الشرك وسائر أنواع الكفر بلا توبة فلا متمسك لكم بظاهرها بل يجب حملها على المقيد كقوله تعالى: ]وأنِيْبُوْا إِلَى رَبِّكُمْ وأسْلِمُوْا لَهُ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُوْنَ[ [الزمر/54]، ]يا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ[ [الزمر/56] الآيات فدل ذلك أن المراد يغفر الذنوب جميعاً مع التوبة.

127 / 203
ع
En
A+
A-