والجواب: أنه إذا ثبت أن دلالة العام على مدلوله قطعية ثم خصصنا منه بعض مفرداته بدليل خاص فإنه يجب أن تكون دلالته على الباقي بعد التخصيص قطعية كما كانت من قبله مالم يحصل ما يغيرها، وإنما كان التغيير في المخرج لا في الباقي، وإذا تقررت هذه المقدمات بالدلائل القطعية ثبت ذلك الدليل ووجب القطع بما دل عليه.

قال الإمام عزالدين u في المعراج: تنبيه: اعتمد أصحابنا رحمهم الله في الإستدلال بهذه الآيات الكريمة الدالة على إيصال العقاب إلى الفساق على طريقة واحدة، وهي من حيث عمومها وشمولها لكل عاص فاسق بدليل ما سبق من أن للعموم ألفاظاً تفيده وتقتضيه، وذكر الرازي في النهاية والإمام يحيى في التمهيد والإمام المهدي في الغايات أنها تدل بطريقة أخرى وتوجيه آخر، وهو من حيث الإيماء ودلالالته، وذلك على وجهين أحدهما: أن ترتيب الحكم على الوصف المشتق يشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم فقوله تعالى : ]ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّدَاً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدَاً فِيْهَا[ يفيد أن كونه قاتلاً على سبيل العمد به علة للأحكام المذكورة، وثانيها: أن الوصف إنما يكون علة للحكم إذا كان مناسباً له والمناسبة حاصلة هاهنا، لأن هذه الآيات خرجت مخرج الزجر عن مواقعة المعاصي فوجب ترتيب هذه الأحكام كلها على هذه المعاصي أينما وجدت، وأيضاً ذكر الرازي والإمام يحيى  uأنَّ في الإستدلال بهذه الآيات مقاماً آخر يؤذن ببطلان كلام المرجئة وهو الإستدلال بالآيات الكريمة مصحوبة بقرينة الإجماع وتوجهيه بأن يقال: أجمعت الأمة على أن العصاة مزجورون بهذه الآيات المصرحة بالوعيد فسواء قلنا بأن صيغة مَنْ ونحوه موضوعة للعموم أو مشتركة أو موضوعة للخصوص فأنه يجب حملها في هذه الآيات على العموم وإلا لزم بأن العصاة غير مزجورين بهذه الآيات وذلك خلاف الإجماع اهـ.

وإذ قد أتينا ببعض الأدلة القرآنية فلنتبع ذلك بشيءٍ يسير من السنة الدالة على قولنا، قال الإمام عزالدين  uفي المعراج في شرح قول صاحب المنهاج على من شرب وزنا واغتاب وقتل النفس أشار إلى نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن)) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وعاصرها ومعتصرها وبايعها ومبتاعها، وحاملها والمحمولة إليه))، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة فقد حل بها البلاء ثم ذكر منها شرب الخمور))، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من شرب الخمر فسكر لم تقبل له  صلاة أربعين صباحاً فإن مات دخل النار إلى أن قال في الرابعة: فإن عاد في الرابعة كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة، وهي عصارة أهل النار)) ونحو ذلك مما يطول شرحه، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الزنا وغيره: ((ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن))، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الزناة تشتعل وجوههم ناراً))، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الزاني لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه ويقول: ادخل النار مع الداخلين))، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إياكم والزنا فإن فيه سوء الحساب وسخط الرحمن والخلود في النار))، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله)) وغير ذلك، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في المغتاب: ((من قال في مسلم ما ليس فيه أسكنه ردعة الخبال حتى يخرج مما قال)) رواه ابن عمر، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من ذكر امرءً بشيء ليس فيه لعيبه به حبسه الله تعالى في نار جهنم حتى يأتي بنفاذه)).

 قلت: وتعليق حبسه في النار بما علق به مشعر بأنه لا أمد له، لأن إتيانه بنفاذه مستحيل، وكذلك ما سبق في الحديث الأول وغير هذا وغيره مما ورد في الغيبة بحيث لو استقصى لملأ أوراقاً كثيرة، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في قاتل النفس: ((لو أنَّ أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمنٍ لأكبهم الله في النار)) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قتل مؤمناً فاعتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)) وغير ذلك مما يطول ذكره.

وإذ قد أتينا بما أمكن من سرد الأدلة على مذهبنا فلنعد إلى ذكر شبه الخصم في المطالب الثلاثة: الشفاعة والخلود وأن الوعيد لعصاة المصلين مقطوع به فنقول:ـ

124 / 203
ع
En
A+
A-