أما الأدلة الواردة في الطرف الثاني وهو ما ورد من الأدلة القاضية بوعيد الفساق من أهل الصلاة، وأن وعيدهم مقطوع به، فمنها قوله تعالى: ]لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولاَ أَمَانِيِّ أهْلِ الكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوْءً يُجْزَ بِهِ[ [النساء/123].

 قال سيدي العلامة الحجة علي بن محمد العجري رحمه الله في مفتاح السعادة: ودلالة هذه الآية على نفي الإرجاء قطعية، لأنها نزلت رداً على من أرجا من المسلمين واليهود، قال الإمام المهدي عليه السّلام: سبب نزولها إن جماعة من المسلمين واليهود تذاكروا في أمر العقاب فادعى كل فريق منهم أن الله تعالى يهب مسيئهم لمحسنهم ويعفو عنه فنزلت رداً عليهم، وأخبرهم أن رجاهم العفو عن معاصيهم إنما هو أماني باطلة لا برهان عليها، ثم أكدَّ ذلك بقوله: ]مَنْ يَعْمَلْ سُوْءً يُجْزَ بِهِ[ أي لا بد من الجزاء للعاصي منكم أيها المسلمون ومن أهل الكتاب، وهذه الآية كما قال الإمام  uصريحة في نفي الإرجاء لا تقبل التأويل ولا تحتمل التخصيص بآيات الوعد كما تحتمله غيرها، لأن في تخصيصها نقض لما سيقت له من الرد على من أرجا من المسلمين واليهود.

قال النجري: وكذا كل عام لا يصح أن يخص بخروج سببه، إذ يلزم منه التناقض، لأن تناوله لسببه قطعي فلا يصح إخراجه منه، وقوله تعالى: ]ومَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ ويَتَعَدَّ حُدُوْدَهُ يُدْخِلْهُ نَارَاً خَالِدَاً فِيْهَا الآية[ [النساء/14] وهذه الآية واردة في فساق أهل الصلاة باتفاق لأنها نزلت في المواريث وبيان حدودها ثم توعد من يعصيه في تلك الحدود بإدخاله النار، ويدل على أن الوعيد ورد على المعصية فيها قوله: ]تِلْكَ حُدُوْدُ اللهِ[ [النساء/13] ولا شبهة في أن المراد الحدود المذكورة، قال القرشي: قوله: ]وَتِلْكَ حُدُوْدُ اللهِ[ إشارة إلى حدود محصورة، فقوله عقيب ذلك: ]ومَنْ يَتَعَدَّ حُدُوْدَ اللهِ[ [الطلاق/1] يجب أن يصرف إليها.

قال مولانا الحجة علي بن محمد العجري رحمه الله: قلت: ولو سلم العموم فدخول صورة السبب مقطوع به كما مر، وقوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إذَا لَقِيْتُمُ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا زَحْفَاً فَلاَ تُوَلُّوْهُمُ الأدْبَارَ ومَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍٍ دُبُرَهُ إلاَّ مُتَحَرِّفَاً لِقِتَالٍٍ أو مُتَحَيِّزَاً إِلَى فِئَةٍٍ يَنْصُرُوْنَهُ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ومَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمَصِيْرُ[ [الأنفال/15، 16]، وقوله: ]يا أيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لا تَأْكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إلى قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانَاً وظُلْمَاً فَسَوْفَ نُصْلِيْهِ نارَاً[ [النساء/29، 30] ومن ذلك الآيات الواردة في أهل الإفك وهي خاصة بأهل الصلاة، قال تعالى: ]إنَّ الَّذِيْنَ جَاءُوْا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوْهُ شَرَّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْريءٍٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيْمٌ[ [النور/11]، ثم قال: ]ولَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ في الدنيا والآخرة لَمَسَّكُمْ  فِيْمَا أفَضْتُمْ فِيْهِ عَذَابٌ عَظِيْمٌ[ [النور/14]، ثم قال: ]إنَّ الَّذِيْنَ يُحِبُّوْنَ أنْ تَشِيْعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِيْنَ آمَنُوْا لَهُمْ عَذَابٌ ألِيْمٌ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ[ [النور/19]، ثم قال: ]إنَّ الَّذِيْنَ يَرْمُوْنَ الْمُحْصَنَاتِ الغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيْمٌ[ [النور/23]، ولنقتصر في هذا الموضع على هذا القدر من الآيات فبدونها يثبت المطلوب، وقد أورد الخصوم على هذه الأدلة والبراهين القاطعة اعتراضات.

الإعتراض الأول: قالوا: نحن نمنع أن هذه الألفاظ للعموم وتمسكوا بشبه ونحن نقيم الدليل على أن للعموم صيغة موضوعة للعموم حقيقة وإذا قام الدليل بطلت شبهة الخصم؟

121 / 203
ع
En
A+
A-