والجواب: أن ما حروره هو بناءٌ منهم على مذهبهم في أن الفاسق يسمى مؤمناً وهو باطل لما بين الإسمين من التنافي وللأدلة المقررة لعلماء العدل المعتمدة المذكورة في باب الأسماء والأحكام من الكتب الأصولية المبسوطة فلا نطيل الكلام بذكرها، وإذا لم يكن الفاسق مؤمناً فليس بمرتضى لا يقال نطقه بالشهادتين واعتقاده كون الشرائع حقاً مرضياً عند الله، ومن رضي الله فعله فهو مرتضى عنده، لأنا نقول: الرضى بالفعل غير الرضى عن الفاعل فلا يصح إطلاق الرضى عن الفاعل إلاَّ إذا أكمل ما يجب عليه واجتنب الكبائر، ولو سلم أنَّ الفاسق مرتضى بحسب نطقه واعتقاده فليس بمرتضى على الإطلاق، وإنَّما المرتضى على الإطلاق المؤمن الذي ليس بفاسق، وحينئذٍ يبطل قول الرازي إذا صدق المقيد صدق المطلق، وقد قيل: أنَّ الخصم يوافق على أنَّ الفاسق ليس بمرتضى على الإطلاق وإذا لم يكن مرتضى على الإطلاق لم تشمله الآية.

 الوجه الثاني من إعتراضات الخصم: أنه يجوز حمل الآية على أن المراد من ارتضى الشفاعة له أي من ارتضاه أن يشفع بدليل قوله تعالى: ]مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاَّ بِإذْنِهِ[ [البقرة/255].

 والجواب عن هذا: أن الآية خارجة مخرج الترغيب في الطاعة والزجر عن المعصية، وهذا لا يتم إلا على قولنا، ويجب أن يحمل كتاب الله على ما فيه فائدة، وإن حصلت فعلى ما يكون الفوائد معه أكثر على أن ذلك الإحتمال خلاف الظاهر ولا موجب للتأويل.

 الوجه الثالث من إعتراضات الخصم: أنه قد ثبت في علم المنطق أن المهملتين لا تتناقضان فإنا إذا قلنا: زيدٌ عالمٌ، زيد ليس بعالم فلا تناقض لاحتمال صدقهما معاً بأن يقال هو عالم بالفقه غير عالم بالنحو، وكذا يقال فيما نحن فيه صاحب الكبيرة مرتضى صاحب الكبيرة غير مرتضى، لاحتمال أنه مرتضى بحسب اعتقاده ليس بمرتضى بحسب فسقه.

 والجواب: أنه لا يجوز حمل كتاب الله تعالى على القواعد المنطقية، سلمنا فلا نسلم منعهم التناقض مع الإتحاد في الموضوع والمحمول، وهاهنا قد اتحدا فيهما، نعم يمنعون ذلك إذا لم يتحدا في الإضافة نحو: زيد أب أي لعمر، زيد ليس بأب أي لبكر، ولعل المعترض أراد هذا وهو أنهما مختلفان في الإضافة فهو مرتضى بحسب دينه ليس بمرتضى بحسب فسقه، وهذا وهم لأنه لا دين للفاسق لأن الدين والإيمان بمعنى واحد فثبت أن لا دين للفاسق وبه يرتفع الإشكال، وإذ قد أتينا على ما  أمكن إيراده من الحجج من القرآن الكريم، وأوردنا بعض ما يتعلق بالآيات وبعض ما اعترض به الخصوم وبعض الردود فسنورد ما ورد من السنة الشريفة من الأخبار التي تدل على أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل شفاعته مترتبة على فعل الطاعات، قال مولانا الإمام الحجة العلامة علي بن محمد العجري ـ رحمه الله ـ قال في العلوم: حدثنا محمد قال حدثني أحمد ابن عيسى عن حسين عن أبي خالد عن زيد عن آبائه عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم : ((ما من امرءٍ مسلم قام في جوف الليل إلى سواكه فاستن به ثم تطهر فأسبغ الوضوء، ثم قام إلى بيت من بيوت الله عزو جل إلا أتاه ملك فوضع فاه على فيه فلا يخرج من جوفه شيء إلا دخل في جوف الملك حتى يجيء يوم القيامة شهيداً شفيعاً)) ورواه في المجموع، وفي أمالي المرشد بالله أخبرنا محمد بن محمد بن إبراهيم الجزار قال أخبرنا أبو بكر محمد بن عبدالله بن إبراهيم البزار حدثنا أبو بكر بن عبدالله بن محمد بن أبي الدنيا، حدثنا الفضل بن غانم، حدثنا عبدالملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم : ((من حفظ من أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيهاً وكنت له يوم القيامة شافعاً وشاهداً))، وفي أمالي أبي طالب، أخبرنا ابن عدي، قال: حدثنا عبد الله بن يحيى بن موسى أبو محمد السرخسي حدثنا على بن حجر حدثنا إسحاق بن نجيح عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم : ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من السنة كنت له شفيعاً يوم القيامة)) أخرجه ابن عدي، وعن أبي سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتي)) أخرجه ابن النجار.

115 / 203
ع
En
A+
A-