الآية الخامسة: قوله تعالى: ]مَا لِلظَّالِمِيْنَ مِنْ حَمِيْمٍٍ ولا شَفِيْعٍٍ يُطَاعُ[ [غافر/18] وجه الإحتجاج بها: أن اللام في الظالمين للإستغراق فتعم كل ظالم، والفاسق ظالمٌ إجماعاً، وقد أخبر الله على سبيل القطع بأنه لا شفيع للظالمين يوم القيامة تقبل شفاعته، وهو عام لأنه نكرة في سياق النفي، وقد أكد العموم بمن، ولا نزاع أن شفاعة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مقبولة، فلو كانت للفساق لكانت مقبولة، وفي ذلك تكذيب الآية، ولو شفع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم للظالمين فإما أن يطاع أولا، إن قلت: لا يطاع وقع الخطأ، لأن الأدلة قاضية بثبوت شفاعته ولإجماع المسلمين أن شفاعته صلى اللّه عليه وآله وسلم مقبولة غير مردودة وطاعة غير معصية، وإن قلت: يطاع أكذبت الله تعالى في خبره لأنه أخبر: أن ما للظالمين من حميمٍ ولا شفيعٍ يطاع. فلم يبقَ إلا أن رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يشفع للظالمين، ويجب القطع بأن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم المجمع على وقوعها للمتقين دون غيرهم لئلا تتناقض حجج الله تعالى، وقد اعترض الخصوم الإستدلال بهذه الآية، ومنهم نصير الدين الطوسي وشارح التجريد وغيرهما، قالوا: إن الله نفى أن يكون لهم شفيع يطاع، وحقيقة الطاعة نحو حقيقة الأمر في أنها لا تكون إلا لمن فوقك في الرتبة فالمنفي إنما هو شفيع يطيعه الله تعالى، لأنه ليس في الوجود أحد أعلا رتبة من الله حتى يقال: إن الله يطيعه ونحن لم نثبت هذا، وإنما أثبتنا شفيعاً يجاب، والآية لم تدل على نفيه، والجواب من وجوه، أحدها: منع كون الطاعة كالأمر في اقتضاء كون المطاع أعلا رتبة من المطيع، وإنما هي فعل ما يريده الطالب والمطيع مَنْ فعل ذلك، ويدل عليه قول الشاعر:
رب مـن أنضجت غيضاً قـلبه
قـد تـمنى لي مـوتاً لم يطع
أي لم يفعل ما أراده ولم يجب إلى ذلك فهي إذاً بمعنى الإجابة وأصرح منه قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لما قال له عمه حين نبع الماء من بين أصابعه: إن ربك ليطيعك يا محمد؟! ((وأنت يا عم لو أطعته لأطاعك)).
الثاني: أنه لو ثبت أن الطاعة كالأمر فنقول هي هنا مجاز في المشفع بجامع فعل المراد في كل من المطاع والمشفع، فإن المطيع يفعل ما أراده المطاع، ويجيب إليه والمشفوع إليه يفعل ما أراده الشفيع ويجيب إليه فكأنه قال: ولا شفيع يشفع أي يجاب إلى شفاعته، ولا يجوز حملها على المعنى الحقيقي لأنه يؤدي إلى ذهاب فائدة الآية بالمرة، إذ كل أحد يعلم أنه ليس فوقه تعالى أحد فيصير الإخبار بذلك كالإخبار بأن السماء فوقنا والأرض تحتنا، ولا يجوز حمل كلام الحكيم على ما يذهب فائدته.