ونقول: أن الإبتلاء هو الإختبار والسرائر ما أسر في القلوب من العقائد وما خفي من الأعمال والمعنى: أنها تختبر يوم القيامة حتى يظهر خيرها من شرها ومؤديها من مضيعها، وعن ابن عمر: يبدي الله يوم القيامة كل سر منها فيكون زيناً في الوجوه وشيناً في الوجوه، أي من أداها كان وجهه مشرقاً ومن ضيعها كان عكسه.
والآية صريحة في نفي الشفاعة لمن اختبرت عقائده فلم تكن مطابقة لمراد الله تعالى بأن تكون على خلاف ما أمر به أو تقع على وجه يصيرها قبيحة وإن كانت في الظاهر مطابقة إذ لو نفعته الشفاعة لكان قد وجد له ناصراً، والآية قد نفته نفياً مؤكداً بمن إذ المعنى النفي لقليل ذلك وكثيره كأنه قيل: ماله شيء من القوه ولا أحد من الأنصار، فإذاً معنى الآية: ماله من قوة يدفع بها عن نفسه ما حل به من العذاب وليس له ناصر ينصره في دفعه، هذا وقد قال الخصوم: بأن هذه الآية في الكفار وإليه لحظ صاحب التجريد نصير الدين الطوسي، وليس كذلك، لأنا نقول: إن الضمير عائد على الإنسان السابق ذكره في قوله: ]فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ[ [الطارق/5]، والمراد كل إنسان بدليل: ]خُلِقَ مِنْ مَاءٍٍ دَافِقٍ[ [الطارق/6] وكل فرد كذلك ثم حذَّرهم من مواقعة الكبائر بأن عند ابتلائهم والوقوف على ما ارتكبوه وضيعوه مما أوجبه الله عليهم لا يقدرون على الدفع عن أنفسهم، ولا يقدر أحد على الدفع عنهم ولا النصرة لهم، وهذا نفي للشفاعة لهم على أبلغ الوجوه، لأنه حذر تحذيراً مطلقاً متناولاً للعقائد والأعمال والكفر وما دونه من القبائح، ويؤيده ما أخرجه البيهقي في الشعب قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم : ((ضمن الله خلقه أربعة: الصلاة والزكاة وصوم رمضان والغسل من الجنابة)) وهن السرائر التي قال الله تعالى: ]يومَ تُبْلى السَّرَائِرُ[ وعن عطاء السرائر: الصوم والصلاة وغسل الجنابة، وعن يحيى بن كثير مثله، رواها ابن المنذر، وعن قتادة أن هذه السرائر مختبرة فأسروا خيراً وأعلنوه، فما له من قوة يمتنع بها ولا ناصر ينصره من الله، فإن قيل: إن الجمع بين الأدلة خير من إهمالها، ويمكن الجمع بأن يقال إنما نفى الناصر في يوم تبلى السرائر، فأما بعد مضي أهوال القيامة وصدور الخلائق ذات اليمين وذات الشمال يأذن الله بالشفاعة لأهل الكبائر، قلنا: إنما تحمل الآية على ذلك ويجمع بين الأدلة بما ذكرتم لو كان دليكم في ثبوت الشفاعة للمصرين قطعياً فأما مع ضعف دليكم أو بطلانه فلا وجه لإخراج الآية عن ظاهرها.
الآية الثالثة: قوله تعالى: ]يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍٍٍ شَيْئَاً[ [الإنفطار/19]، وهي كقوله تعالى: ]واتَّقُوا يَوْمَاً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍٍ شَيْئَاً[ فما قيل في تلك قيل في هذه.
الآية الرابعة: قوله تعالى: ]وإنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيْمٍ يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّيْنِ ومَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِيْنَ[ [الإنفطار /14_16] وجه الإحتجاج بها من وجوه أحدها: أن لفظ فجار جمع مُعَرَّف بالألف واللام، والجمع المعرف للإستغراق فيعم كل فاجر والفاسق فاجر إجماعاً، ذكره الإمام المهدي عليهِ السّلام، فيجب أن يكون في الجحيم لعموم الآية.
قالوا: يحتمل العهد وهو استعمال شائع في اللغة حتى لقد قيل أنه حقيقة فيه.