قلنا: لقد أبعدت في مقالك لأن المراد أن العقول السليمة تحكم بقبح الشفاعة للعاصين كما تحكم العقول السليمه بقبح الشفاعة لمن قتل ولد رجل وهو مصر على قتل ولده الآخر ألا ترى أن العاصي مات مصراً على عصيانه وقد قال الله تعالى: ]ولو رُدُّوا لعَادُوْا[ [الأنعام/28] فليس بقياس شرعي بل هو تمثيل وتنظير على أن الخلاف قائم هل نستدل بالعقل في هذه المسألة أم لا؟ كما قدمنا وهل يقبح العفو عن العاصي عقلاً أم لا؟ وكل على أصله.

وأما الحجج السمعية: فالأول منها قول الله تعالى: ]واتَّقُوا يَوْمَاً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ولا يُقْبَلُ مِنْهَا شفَاعَةٌ ولا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ولا هُمْ يُنْصَرُوْنَ[ [البقرة/48] وقد ذكرها الله تعالى في هذه السورة مرتين ووجه الإحتجاج بها من وجوه.

 الأول: أنه قال: لا تجزي نفس عن نفس شيئاً، فنكَّر لفظ نفس وجعله في سياق النفي فاقتضى العموم، قال الطبرسي في تفسيره: وإنما نكَّر النفس ليبين أن كل نفس فهذا حكمها فلو أسقطت الشفاعة شيئاً من العقاب لكانت قد أجزت نفس عن نفس شيئاً، وهذا ينافي العموم ويلزم منه تكذيب الصادق.

 الثاني: أن لفظة شفاعة نكرة في سياق النفي فتعم شفاعة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في نفي قبولها ونفي القبول المقصود منه نفي الشفاعة أي لاشفاعة فتقبل، ويجوز أن يكون المراد نفي القبول وإن وجدت الشفاعة، والأول أظهر لأن شفاعة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لا ترد فإن قيل هذا اللفظ وإن كان عاماً فالمراد به معنى خاص، إذ المراد الذين قالوا لموسى من بني إسرائيل: نحن أبناء الله وأبناء أنبيائه فيشفعون لنا عند الله، وعلى هذا فتكون النفس الأولى مؤمنه والثانية كافرة، والكافر لا تنفعه الشفاعة.

 قال الطبرسي في تفسيره (صفحة(230)الجزء الأول:قال المفسرون: حكم هذه الآية مختص باليهود لأنهم قالوا: نحن أولاد الأنبياء وآباؤنا يشفعون لنا فأياسهم الله عن ذلك فخرج الكلام مخرج العموم المراد به الخصوص ..

109 / 203
ع
En
A+
A-