ويجوز أن يشفع صلى اللّه عليه وآله وسلم لأمته ولغير أمته إذ لا مانع عقلي ولا شرعي، والظاهر أن غيره صلى اللّه عليه وآله وسلم من الأنبياء يشفع إذا شفع، وكذلك بعض الأولياء والصالحين إذ قد ورد من السنة ما يقضي بذلك كما في حديث سيد التابعين أويس القرني أنه يشفع بعدد ربيعة ومضر، وأن الطفل يشفع في والديه ونحو ذلك كثير، وورد أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته فإن لم يكونوا فمن جيرانه، وورد إذا كان يوم القيامة نصبت منابر من ذهب مرصعة بالدر جلالها السندس على أبواب الجنة ثم يقال للعلماء: اجلسوا على هذه المنابر واشفعوا تشفعوا ثم ادخلوا الجنة.
قال الإمام عز الدين uبعد سرده لأكثر مما نقلناه: قال الفقيه حميد: وهذا من المجوزات يعني شفاعة الأنبياء، قال: فإن كانت الأخبار مقطوعة وجب أن يقطع عليه، وإن لم يكن مقطوعاً عليها بقينا على التجويز، لأن القطع من غير دلالة لا تجوز المطلب الثالث المطلب الثالث: في ذكر الدلالات والحجج على قول الزيديه من أن الشفاعة لا تكون إلا للمؤمنين
ونحن نحتج بالعقل والسمع، ونقدم قبل ذلك مقدمة وهي: هل يصح الإستدلال على مسألة الشفاعة بالعقل أم لا يصح بل لا يستدل عليها إلا بالسمع ؟ فحكى الإمام المهدي والإمام عز الدين عليهِما السّلام وغيرهما عن قاضي القضاة: أن العقل يقضي بقبح الشفاعة للفاسق، قال الإمام عز الدين عليهِ السّلام: واختاره السيد في الشرح.
قلت: هو في شرح الأصول الخمسة بلفظ هو أن الشفاعة للفساق الذين ماتوا على الفسوق ولم يتوبوا تتنزل منزلة الشفاعة لمن قتل ولد الغير وترصد للآخر حتى يقتله فكما أن ذلك يقبح فكذلك هاهنا. هذا الذي ذكره قاضي القضاة، ثم حكى خلاف أبي هاشم وقال : ولعل الصحيح في هذا الباب ما اختاره قاضي القضاة اهـ.
وقال أبو هاشم: أنها تحسن عقلاً واتفقوا أنها لا تكون سمعاً أي لا تكون الشفاعة للفاسقين بعد ورود السمع، لأن السمع منع منها لأن الشافع في حكم المنهي، احتج أبو هاشم بوجهين، أحدهما: أنه قد ثبت حسن العفو عقلاً عمَّن مات مستحقاً للعقاب فلتحسن الشفاعة، الثاني: أنه قد ثبت حسن دعاء الواحد منا لنفسه بالمغفرة فليحسن من غيره أن يسأل، هذا ما أردنا بيانه من المقدمة قبل الإستدلال، وعلى ذلك فقد نقلنا من حجج العقل أربع حجج تتمشى على رأي القاضي، وقد اعترضها المانعون باعْتراضات سنذكرها بعدها والله الهادي.