فذاك فتى إن جئته لصـنيعة إلـى مـاله لم تأته بشفيع.
ففي البيت الأول أخبر أن الشفعاء ينهونه عن البخل ويأمرونه بالجود وهو نفع، وفي الثاني أنه يعطي من غير شفاعة مدحاً فاقتضى أن الشفاعة قد تكون لأجل العطاء وقال آخر:
فيا جود معنٍ نـادِ معناً بحاجـتي فـمالي إلى مـعنٍ سواك شفيع
قال الإمام المهدي عليهِ السّلام: وعلى الجملة فهو معلوم ضرورة عن أهل اللغة، وقال إنها لجلب النافع أشهر، وأما بيان المشفوع له فاعلم: أن الكافر لا شفاعة له إجماعاً، وأجمعت الأمة أن المقام المحمود الذي وعد الله نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم القيامة كما في قوله تعالى: ]عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مقَامَاً مَحْمُوْدَاً[ [الإسراء/79] هو الشفاعة المقبولة، ثم اختلفوا في محلها فذهب الأكثر من علماء الزيدية والمعتزله أنما تكون للمؤمنين سواء كانوا قد ارتكبوا كبائر ثم تابوا عنها أم لم يواقعوا كبيرة رأساً ليزيدهم الله بها نعيماً إلى نعيمهم، وسروراً إلى سرورهم تفضلاً منه جل وعلا، وذهب أبو الهذيل: أن الشفاعة إنما تكون لأهل الصغائر من المؤمنين ليرد الله ما انحبط من ثوابهم، وذهب أبو القاسم البلخي: أن الشفاعة لمن استوى ثوابه وعقابه فيدخل بالشفاعة الجنة ويرقى إلى درجة زائدة على درجة من لم يشفع له، وذهب المجبرة على رواية الإمام المهدي، وأهل الإرجاء على رواية القرشي إلى أنها لا تكون إلا للمصرين على الكبائر الذين لم يتوبوا ليعفى عنهم ويدخلوا الجنة تفضلاً، قال الأمام عز الدين في المعراج: وكثيراً ما ينسب أصحابنا هذا القول إلى المجبرة وكلهم مرجئة ونسبته إلى أهل الإرجاء أشمل ومناسبته للإرجاء أوضح وأكمل . نعم ظاهر الحكاية لمذهب المجبرة أنهم يقصرون الشفاعة لأهل الكبائر. وممن صرح بذلك الأمام المهدي uلأنه قال في حكايته لمذهبهم أنها لا تكون إلا لأهل الكبائر وليس الأمر كذلك فإن منهم من يجوزها للأمرين التي هي جلب المنافع الزائدة على قدر الإستحقاق ودفع المضار المستحقة على المعاصي، وممن صرح بذلك الرازي كما قدمنا عنه، وقال القاضي عِياض: وظاهر مذهب المرجئة أنها لأهل الكبائر، أما لإسقاط العقاب عنهم بأن لا يدخلهم النار أو يخرجهم منها بالشفاعة بعد دخولها، قال ابن لقمان -رحمه الله - وهذا قول بعضهم أعني أنها لا تكون بعد أن دخلوا النار، وبعضهم قال: بل يشفع لهم قبل دخولها فلا يدخلونها، قال: وهذا قول المجبرة، وقال الرازي حاكياً عن أصحابه: تأثيرها يعني الشفاعة في إسقاط العذاب عن المستحقين له إما بأن يشفع لهم في عرصة القيامة حتى لا يدخلوا النار وإن دخلوا فيشفع لهم حتى يخرجوا منها ويدخلوا الجنة اهـ.
ومذهب الإمامية كما حكاه الطبرسي في تفسيره بقوله: وعندنا هي مختصة بدفع المضار وإسقاط العقاب عن مستحقيه من المؤمنين أهـ.