وقال العلامة الفقيه حميد الشهيد في الحدائق الوردية قال: وروى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين بأسانيده عن عيسى بن زيد u قال: لو أنز ل الله سبحانه على محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم: إني باعث نبياً بعده لكان ذلك النبي محمد بن عبد الله بن الحسن، فهذا كلام عيسى بن زيد uوهو من أقمار الهدى، وممن لا يتمارى في فضله ولا يشك في شدة ورعه ونبله، وقد شهد الحرب مع محمد بن عبد الله في المدينه وتابعه وبايعه فلما قتل محمد uلحق بابراهيم وشهد الحرب معه بباخمرى حتى قتل إبراهيم عليهِ السّلام، وقال أبو الفرج في المقاتل بصفحة (408): ولما ظهر محمد بن عبد الله بن الحسن وزحف إليه عيسى بن موسى جمع إليه وجوه الزيدية وكل من حضر معه من أهل العلم وعهد إليه أنه أن أصيب في وجهه ذلك فالأمر إلى أخيه إبراهيم، فإن أصيب إبراهيم فالأمر إلى عيسى بن زيد، وروى بسنده إلى يحيى بن الحسن قال: إن عبد الله بن محمد بن عمر ذكر ذلك من وصية محمد إلى أخيه إبراهيم ثم إلى عيسى بن زيد فلما أصيبا توارى . ولنقتصر على ما سردناه من نقل ما أردنا نقله من أخبارهم رضي الله عنهم في هذا الصدد، والفائدة منها لا تخفى على أُولي البصائر من أن الإمامة فيمن صلح وجمع الشروط المعتبرة من أي البطنين كان لا يدَعَّون النص على إمام بعينه، وفيما حكيناه من الأخبار استظهار وبيان أن قول الإماميه بالنص مذهب حادث، وفيه بيان سبب تلك الدعوى . والسبب إما خوف ملام من لامهم كما رواه الهادي uأو خوف السلطان كما في رواية المقريزي وغيره، فليتأمل والله الموفق .
*** المطلب الثاني المطلب الثاني
في الدليل على حصر الأمامة في أولاد السبطين من ينتسب بأبيه إليهما، وأنها مقصورة على البطنين محظورة على مَنْ سواهم.
فنقول: الذي يدل على ذلك من جهة النظر: أنه لابدَّ للإمامة من منصب مخصوص إذ لو كانت جائزة في جميع الناس لأدى ذلك إلى الفساد لحصول التعارض والتشاجر والتناحر عليها وكان سبباً للمفاسد ولتعطيل الأحكام، ولأدى ذلك إلى ضعف الإسلام، وأيضاً فقد جرت سنة الله تعالى في الأولين بتقديم أولاد النبيين صلوات الله عليهم أجمعين، ومن جهة السمع أدلة سنختصر منها ما يليق بهذا الجواب منها آية الموده وهي ]قُلْ لا أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي القُرْبَى[ [الشورى/23] وإقصاؤهم والإستبداد بالأمر والنهي دونهم يضاد المودة، ومنها قوله تعالى: ]يا أيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا أطِيْعُوْا اللهَ وأطِيْعُوْا الرَّسُوْلَ وأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ[ [النساء/59] وأولي الأمر هم العلماء من آل الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم بدليل قوله تعالى: ]ثُمَّ أوْرَثْنا الكِتَابَ الَّذِيْنَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالمٌ لِنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سَابقٌ بِالْخَيْرَاتِ[ [فاطر/32] فصح أن أهل الصفوه الذين أورثهم كتابه هم الذين أمر بمودتهم ، ومنها قوله تعالى: ]إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَامَاً قَالَ ومِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا ينَالُ عَهْدِي الظَّالِمِيْنَ[ [البقرة/124] وقد استجاب الله دعوة إبراهيم صلوات الله عليه، وفيها دلالة أن الظالم لا ولاية له، ومنها قوله تعالى: ]وأُوْلُوْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍٍ فِي كِتَابِ اللهِ[ [الأحزاب/6] وقد ثبت أنَّ علياً أقرب رحم إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، وأن الحسنين وأولادهما هم أولاده صلى اللّه عليه وآله وسلم لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((كل بني أُنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما)) قال شارح الأساس: وهومتواتر فهم أولى بمقامه لدلالة العقل ولهذه الآية، ألا ترى كيف رتب الله تعالى ذلك على ذكر الولاية بقوله تعالى: ]النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤمِنِيْنَ مِنْ أنْفُسِهِمْ[ [الأحزاب/6] ثم عقب ذلك بقوله: ]وأُوْلُوْ الأرْحَامِ .... الآيه[ فدل ذلك على أن أولاده أولى بمقامه في الولايه من غيرهم، ذكره الحاكم أبو سعيد الجشمي رحمه الله في تنبيه الغافلين: ولنا من السنة أخبار كثيرة أخبار التمسك وأخبار الكساء مع آية التطهير وأخبار السفينة والنجوم وغيرها، فإذا كانوا مطهرين عن الأدناس والأرجاس في الأفعال والأقوال، وكان لا ينجو إلا المتبع لهم كما أنه لم ينج من قوم نوح إلا من ركب في السفينه كانوا أولى بمقام النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، وفي حديث التمسك من قوله: ((ولا تقدموهم فتهلكوا)) دلالة على حصر الإمامة فيهم وعدم جوازها في غيرهم، ولنا إجماعهم قبل حدوث مذهب الإمامية، وإجماعهم حجة واجبة الإتباع، وإنما قلنا بإجماعهم قبل حدوث مذهب الإمامية لأن من المعلوم انعقاد الإجماع من الصدر الأول على جواز الإمامة في البطنين فلا يعتد بخلاف من خالف منهم وذلك الإجماع ظاهر من حالهم فإنهم كانوا يطبقون على إمامة القائم منهم حسنياً كان أو حسينياً، ولذلك لم يخالف أحدٌ منهم في إمامة زيد بن علي ولا في إمامة النفس الزكية، ولا في إمامة ابراهيم بن عبد الله، ولا في إمامة الفخي رضوان الله عليهم، قال الإمام إبراهيم بن محمد المؤيدي رضوان الله عليه قال في العمدة([1]): وذلك معلوم ضرورة من حالهم لمن عرف الآثار وسمع الأخبار، فلا معنى لمباهتة الإمامية في شيء منه، وأيضاً فإن خلاف الإمامية ليس في محل النزاع وهو عدم جواز الإمامة في غير أولاد الحسنين بل هم موافقون في ذلك، وإنما بالغوا فقصروها على بعضهم، فإذاً لاخلل في دعوى الإجماع على محل النزاع اهـ.