ونقول: أن ما تفردت به الإمامية فهو غير حجة على خصومهم، لأنه مؤيد لدعواهم، ومن قواعد المحدثين أن الراوي إذا كان داعٍ إلى بدعته غير مقبول في روايته وذلك واضح، وما روته العامة فعلى أصول الإمامية لا تقبل لعدم ثقتهم برواية العامة إلا أنه عندهم من شهادة الخصم لخصمه، على أنا نقول في القسمين رواية الإمامية ورواية العامة أنها إن كانت تلك الأحاديث آحادية لم يؤخذ بها في مسألتنا لأن مسائل الإمامة قطعية عندنا وعند الإمامية، ولكونها أحاديث آحادية فلا تقوى على معارضة أدلتنا القطعية لما علم أن الظني لا يقاوم القطعي، ولا تصح دعوى أنها متواترة لأنها لو كانت معلومة لنقلتها الأمة لعموم البلوى، لأن مسألة الإمامة مما تعم به البلوى جميع المكلفين ليتمكن الكل من النظر فيها، وإلا لسقط التكليف عمّن لا يعلم الدليل لأن التكليف بمالم يعلم قبيح، لأنها لو كانت تلك الأحاديث واقعة لأظهرها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وإلا كان كتمانه لها تغريراً وتلبيساً وذلك لا يجوز عليه، ألا ترى أن الأدلة على إمامة أميرالمؤمنين والحسنين ـ صلوات الله عليهم ـ واضحة وتناقلتها رواة الأمة وعلماؤها وبهذه الطريقة علمنا عدم معارضة القرآن لأنه لو عورض لنقل إلينا معارضته، لأنها مما تتوفر الدواعي إلى نقله، ولو جوزنا تواطيء الأمة على كتم ذلك النص الضروري لجوزنا كتمهم لكثير من الشرائع، فلا تقع الثقة بشيء من التكاليف الشرعية، وهو ظاهر الفساد فبطل بهذا دعوى الإمامية على أنا نقول أن ما روته العامة من الأحاديث كمثل ما نقلوه عن البخاري ومسلم وعن الجمع بين الصحيحين والجمع بين الصحاح الستة وسنن أبي داود ومسند أحمد بن حنبل من أن خلفاء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إثنا عشر فهو مع كونه آحادياً مجمل فهو وإن بين العدد يحتمل أن يكون الخلفاء هم دعاة أئمة الزيدية الذين نابذوا الظلمة وكسروا شوكة طغيان بني أمية والعباسية، واستشهدوا في سبيل الحق، فأما من لم يخف الظالمين ولم يقم بجهاد أعداء الله بل أغلق عليه بابه وأرخى عليه ستره ولم يبل عذراً في الجهاد فلا يصدق عليه وصفه بأنه خليفة، بل نصف الباقر والصادق وزين العابدين وأمثالهم بأنهم أئمة علم وزهد وورع وهداية للخلق، فهم أئمة مقتصدون، فأما احتجاجهم بالحديث فهو مع كونه آحادياً لا يقاوم القاطع، وما رووه عن أخطب خوارزم فهو في كتاب حق اليقين غير مسند ولا نسبه إلى كتاب مشهور، والمسألة قطعية لا يؤخذ فيها بمثل ذلك، وحديث اللوح قد رواه الشيخ الطوسي والكليني في أصول الكافي وإكمال الدين للصدوق والنعماني في غيبته والطبرسي في الإحتجاج والإختصاص المنسوب للشيخ المفيد والمجلسي في البحار، وهذا الخبر غير صحيح لأنه لو كان صحيحا لروته الأمة ونقله رواتها وأهل العلم منها لتَوَفر الدواعي الى نقل مثله ولعموم البلوى به، ولما انفردت به هذه الفرقة، هذا ولسنا ننازع في فضل أئمتهم وعلمهم وكونهم من العترة النبوية والسلالة العلوية، فإنهم من أفاضل العتره ولا سيما زين العابدين والباقر والصادق والكاضم والرضا، وإنما ننازع في غلو المدعين لهذه الدعوى من أتباعهم المفرقين بين أئمة العترة، ومع هذا فإن هؤلاء الأئمه صلوات الله عليهم لم يعتقدوا هذا الأعتقاد بل هم مُسَلِّمون للقائم من العتره وراضون ومبايعون ومتابعون، وسنورد طرفا من الأخبار ولمعاً من الأثار تبين للناظر أن قائمهم لقاعدهم، وقاعدهم لقائمهم، وأن عقيدتهم واحدة ومذهبهم واحد حسنيهم وحسينيهم، فنقول: روى الهادي الى الحق يحيى بن الحسين صلوات الله عليهم في مجموعه عن محمد بن علي الباقر باقر علم الأنبياء صلوات الله عليهم أن قوما وثبوا عليه فقالوا يابن رسول الله: إن أخاك زيداً فينا وهو يسألنا البيعة؟ فقال محمد: بايعوه فإنه أفضلنا، وروى الهادي u أن جعفر بن محمد الصادق uلما أراد زيد الخروج إلى الكوفة قال له جعفر: أنا معك يا عم، فقال له زيد: أوما علمت يابن أخي أنَّ قائمنا لقاعدنا، وأن قاعدنا لقائمنا، فإذا خرجت أنا وأنت فمن يخلفنا في حُرَمِنا وتخلف جعفر بأمر عمه زيد، وروى الهادي صلوات الله عليه لما أراد يحيى بن زيد اللحوق إلى أبيه قال ابن عمه: جعفر إقرء عمي مني السلام وقل له فإني أسأل الله أن ينصرك ويبقيك ولا يرينا فيك مكروهاً، وإن كنت أزعم أني إمام عليك فأنا مشرك أهـ. وروى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين صفحة (129) بسنده الى عبد الله بن جرير قال: رأيت جعفر بن محمد يمسك لزيد بن علي بالركاب ويسوي ثيابه على السرج، وروى أبو الفرج في كتابه المذكور بسنده عن جابر (أي الجعفي ) عن أبي جعفر قال قال رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم للحسين: ((يخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غراً محجلين يدخلون الجنه بغير حساب))، وروى في كتابه المذكور بسنده إلى يونس بن حباب قال: جئت مع أبي جعفر إلى الكتاب فدعا زيداً فاعتنقه وألزق بطنه ببطنه وقال: أعيذك بالله أن تكون صليب الكناسه أهـ. وقد روى عن أبي جعفر محمد بن علي باقر علم الأنبياء عليهم السلام أنه أشار الى زيد بن علي عليه السلام، وقال:(( هذا سيد بني هاشم إذا دعاكم فأجيبوه وإذا استنصركم فانصروه))، وروى أبو الجارود زياد بن المنذر أني كنت جالساً عند أبي جعفر محمد بن علي uإذ أقبل أخوه زيد بن علي u فلما نظر إليه أبو جعفر وهو مقبل قال: هذا سيد أهل بيته والطالب أوتارهم لقد أنجبت أمٌّ ولدتك يا زيد، وعن الصادق u عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((إن في السماء لحُرَاساً وهم الملائكه، وفي الأرض حُرَّاساً وهم شيعتك يا علي لن يبدلوا ولن يغيروا)) قال جعفر: ما أعلمه في شيعتنا إلا في أصحاب عمي زيد مضى من مضى منهم على منهاجه، وبقي من بقي منهم ينتظر فرجنا أهل البيت، وقد ترجم أحمد بن علي المقريزي المصري في الخطط لزيد u وفي أثناء ترجمته قوله: وسُئِلَ جعفر بن محمد الصادق عن خروجه (أي خروج زيد) فقال: خرج على ما خرج عليه آباؤه أهـ.
وفي أمالي أبي طالب صفحة (108) بسنده إلى جابر الجعفي قال: قال لي محمد بن علي عليه السلام: ((إن أخي زيد بن علي خارج ومقتول وهو على الحق، فالويل لمن خذله، والويل لمن حاربه، والويل لمن يقتله)) الحديث. وفيه بسنده إلى أبي مخنف قال: قيل لجعفر بن محمد عليه السلام: ما الذي تقول في زيد بن علي وخروجه على هشام؟ فقال: جعفر عليه السلام: قام زيد بن علي مقام صاحب الطف (يعني الحسين بن علي عليه السلام). وفيه (صفحة/114) بسنده إلى عبدالله بن مروان بن معاوية قال: سمعت محمد بن جعفر بن محمد u في دار الإمارة يقول: رحم الله أبا حنيفة لقد تحققت مودته لنا في نصرته زيد بن علي عليه السلام، وفعل الله بإبن المبارك في كتمانه فضائلنا ودعا عليه وفيه أيضاً صفحة (131) وقال الناصر للحق الحسن بن علي عيه السلام في كتاب الدلائل الواضحه: ولقد كان أول قتيل قُتِلَ من المسودة الفجرة بين يدي محمد بن عبد الله بن الحسن النفس الزكيه uاشترك في قتله موسى وعبد الله ابنا جعفر بن محمد عليه السسلام وكانا حاضرين معه جميع جهاده حتى قتل وأعطياه بيعتهما مختارين متقربين إلى الله تبارك وتعالى بذلك واستأذنه أبو عبد الله جعفر بن محمد u لسنه وضعفه في الرجوع إلى منزله بعد أن خرج معه فأذن له وفيه بصفحة (132) بسنده إلى أبي الحسين يحيى بن الحسن بن جعفر العقيقي يعني صاحب كتاب الأنساب قال: كان محمد بن جعفر بن محمد u سخياً شجاعاً، وكان يصوم يوما ويفطر يوما، قال: وسمعت موسى يقول: كان رجل قد كتب كتاباً في أيام أبي السرايا يشتم آل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى ذكر فاطمة عليها السلام فجاء الطالبيون فقرأوه عليه فلم يرد عليهم جوابا حتى دخل بيته فخرج عليهم وقد لبس الدرع وتقلد السيف ودعا إلى نفسه وتسمى بالخلافة، قال وسمعت إبراهيم بن يوسف يقول: كان محمد بن جعفر يقول: أصاب عيني شيء فاستبشرت به ، وقلت أني لأرجوا أن أكون القائم، فلقد بلغني أن في إحدى عينيه يكون شيء ، وأنه يدخل في هذا الأمر وهو كاره، وروى الحاكم الجشمي في كتابه جلاء الأبصار قال: وبإسناده عن الباقر وأشار الى زيد هو سيد بني هاشم إذا دعاكم فأجيبوه، وإذا استنصركم فانصروه أهـ.
وقال الحاكم في كتابه المذكور وعن الصادق : رحم الله عمي زيداً خرج على ما خرج عليه آباؤه وودت أني استطعت أن أصنع كما صنع عمي فأكون مثل عمي، مَنْ قُتِلَ مع زيد كمَنْ قُتِلَ مع الحسين بن علي، وفي الكتاب المذكور وعن جابر سألت محمد بن علي عن زيد فقال: سألتني عن رجل مليء قلبه إيماناً وعلماً من أطراف شعره إلى قدمه وهو سيد أهل بيته.
ومن أمالي المرشد بالله u الأثنينيه الجزء العاشر بسنده عن ابان بن تغلب عن محمد بن عبد الله بن الحسن uقال : أراد الله تعالى إكرام قوم بكرامته وأحب أن يستنقذهم فساق إليهم زيد بن علي uحتى نزل بين أظهرهم فدعاهم إلى الحق، ووصفه لهم خلافاً لما كانوا عليه فقالوا: إن أباك كان إماماً ، وأخاك كذلك ليزيلوه عن دينه ويحيلوه عنه، فقال: فجرت إذاً وعققت والدي، وظلمت أخي وافتريت عليهما أنا أعلم بوالدي وأخي منكم، وأن هذه لَلْفريه على الله وعلينا، ولو غير زيد تكلم بهذا لقالوا ظنين متهم جاهل لا يعلم والحمد لله الذي جعل على هذا أمر أولنا وآخرنا لم يقر لهم بفرية، ولم يلبهم عليها فمن كان أفضل من زيد وأصدق وأعلم بأبيه وأخيه منه، ولا أرضى في المسلمين.
وفي الأمالي المذكورة من الجزء المذكور بسنده إلى إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن uفقال: لو نزلت رأية من السماء لَما كانت إلا في الزيديه، وبسنده إلى عيسى بن زيد بن علي uقال: كنت قائماً أُصلي في مسجد رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم قال عبد الله أحسبه قال: بالليل . قال فجاء علي بن الحسن العابد فاطلع في وجهي فلما عرفني قال لي: صلى الله عليك وعلى أبيك، وبسنده أيضاً إلى كليب بن عبد الملك قال: سألت الحسين بن علي بن الحسين u فقلت: أحب أن تعطيني موثقاً من الله أن لاتجعل بيني وبينك تقيه، فقال لي: يا كليب لا تثق بقولي حتى تأخذ مني يميناً سل عما بدا لك ، قال: قلت أخبرني عن هذا الأمر أول الناس إسلاماً أبوك علي، وأشد الناس نكاية في عدو الله وعدو رسوله أبوك علي، وخير الناس بعد رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم أبوك علي، فكيف صار هذا الأمر حتى صار يعطى المال على بغضه ويُقْتل الرجال على حبه؟ قال: لأن العرب كانت في شر دار وذكر قصه قال في آخرها : ثم ولوا عثمان ثم نقموا عليه فقتلوه، ثم بايعوا علياً طائعين غير مكرهين ثم نكثوا بيعته من غير حدث، ثم قام علي بالكتاب فقتل علي وبقي الكتاب، ثم قام به الحسن بن علي فصُنِع بالحسن الذي بلغكم، ثم قام الحسين فقتل وبقي الكتاب، ثم قام به زيد بن علي على جميعهم السلام فقتل زيد وبقي الكتاب، ثم قام به يحيى ين زيد فقتل يحيى وبقي الكتاب، ثم قام به محمد بن عبد الله فقتل محمد وبقي الكتاب، ثم قام به إبراهيم فقتل إبراهيم وبقي الكتاب فنحن مع الكتاب والكتاب معنا لا نفارقه حتى نرد على رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم حجة من الله على هذا الخلق كما كان النبيئون حجة على من بعثوا إليه، وبسنده أيضاً إلى الحسين بن علي بن الحسين قال: كان أخي زيد يعظم ما يأتيه أهل الجور وذكر كلاماً إلى أن قال: وأحلف بالله لقد مضى زيد شهيداً ومضى أصحابه شهداء أهـ.