الضرب الأول منها: يُشترط فيها المقارنة لأول جزء من تلك العبادة، وهذا نحو الوضوء والغسل من الجنابة و[من] الحيض و[من] النفاس، والتيمم والحج والعمرة، وكفارات المناسك إذا ارتكب شيئاً من محظورات الإحرام، فإن هذه النيات كلها لابد من مقارنتها، وإنما وجبت النية لقوله ً: (( لا عمل إلا بنية)) ولقوله عليه السلام: (( الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى)). وإنما وجب اعتبار المقارنة فيما ذكرناه؛ لأنها هي الأصل، وتأثيرها في الفعل إنما يعقل مع المقارنة كما أشرنا إليه.
الضرب الثاني: يجب فيه المقارنة لما شرحناه، وهل يجوز تقديمها وتأخيرها أم لا؟
فأما تقديم النية في الصيامات فهو جائز عند أئمة العترة وفقهاء الأمة سواء كان فرضاً أو نفلاً، وسواء كان الفرض قضاءً أوأداءً، وإنما جاز فيها التقديم لدليل خاص دل على ذلك، وهو قوله ً: (( لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل)). وقوله ً: (( لا صيام لمن لم يُجْمِع الصيام من الليل)). وهذا دليل شرعي يدل على جواز تقديم النية فيجب لأجله أن ينسحب حكمها حتى يتصل بأول جزء من المنوي شرعاً. وأما جواز تأخرها(1) فهل يجوز أم لا؟ فيه مذهبان:
أحدهما: أنه جائز، وهذا هو رأي الإمام الهادي، والسيدين: أبي طالب، وأبي العباس، في صوم رمضان، فتجزي النية مهما صادفت جزءاً من النهار سواء كان قبل الزوال أو بعده، وهو محكي عن أبي حنيفة.
وثانيهما: أن ذلك غير جائز، وهذا رأي المؤيد بالله ومحكي عن الشافعي، فمن جوز تأخيرها قال: إنها تنعطف على ما مضى من اليوم شرعاً والغرض هو ضرب المثال. وذكر هذه المسألة واستقصاء أدلتها وذكر المختار، نذكره في موضعه بمعونة اللّه تعالى.
الضرب الثالث: ما تجوز فيه المقارنة ويجوز فيه التقديم بأوقات يسيرة، وتجوز فيه المخالطة.
__________
(1) يقصد: تأخيرها.
وهذا نحو الصلاة على اختلاف أنواعها، وهذا نحو الصلوات المفروضة كالصلوات الخمس، وصلاة الجنازة، وصلاة السفر، وصلاة الخوف، وهكذا سائر النوافل نحو: صلاة الاستسقاء، والكسوفين، وصلاة العيدين، فأما المقارنة فيها فهو الأصل كما مر تقريره، وأما التقديم بأوقات يسيرة فمغتفر في حقها، وأما المخالطة فجائز فيها، وإنما جاز الأمران فيها من جهة أن التقديم في النية هو على شرف الملاقاة لأول جزء منها، فكان في حكم المقارن، وأما المخالطة فهي مقارنة وزيادة فإنها لا تشترط المقارنة إلا في أول جزء منها، ولا شك أن المخالطة قد قارنت أول جزء منها واستمرت النية إلى آخر التكبيرة فلهذا قلنا: بأن المخالطة مقارنة وزيادة.
الضرب الرابع: ما تجب فيه المقارنة والتقديم ولا يجوز فيه التأخير.
وهذا نحو صيام القضاء، والكفارات، والنذور غير المعينة، ونية الزكاة، وغير ذلك، فالمقارنة هي الواجبة خلا أنه لما تعذر التفرقة بين الليل والنهار لا جرم أوجبنا أن تكون حاصلة في جزء من الليل لأجل عدم القدرة في التمييز، فلو أمكن التمييز لم نوجب إلا المقارنة دون التقديم، ولهذا فإنه لما تعذر الفصل بين الوجه والرأس أوجبنا غسل جزء من الرأس ليحصل تعميم غسل الوجه، وهذا إنما نوجبه في حق من عجز عن التمييز لا في حق من أمكنه التمييز، فلهذا وجب تقدير النية في هذه الصيامات كما هو رأي أئمة العترة وفقهاء الأمة، ولا يختلفون فيه لقوله عليه السلام: (( لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل )). فحملنا الخبر على ما ذكرناه، ولا يجوز تأخير النية عن هذه الصيامات؛ لأن النية إنما تنعطف على ما قبلها بدليل الشرع، وهو إنما دل في الصيامات المعينة كرمضان دون ما عداه، وهكذا في النذور المعينة فإنها لاحقة بصوم رمضان في جواز التأخير، وتحكيم الانعطاف على ما قبلها بحكم الشرع، فأما ما عداه فلم تدل عليه دلالة في جواز الانعطاف، فبقي على حكم الأصل في المنع، فبقي التقديم في حق هذه الصيامات متحتماً لما قررناه.
النظر الثالث: باعتبار وقت فعلها.
فاعلم أن لها وقتين: استحباب ووجوب، فأما وقت الاستحباب فيستحب للمتوضئ أن ينوي التطهر للصلاة عند استعمال أول جزء من أجزاء الماء المستعمل في الطهارة ليكون مستكملاً الثواب والأجر عند الله، فإن استعمل ذلك من غير تحريك نية لم يكن مستحقاً للثواب لقوله ً: (( الأعمال بالنيات)). ولم يفصل بين عمل وعمل قليل أو كثير، وسواء كان ذلك عند غسل الكفين، أو الاستنجاء، أو عند المضمضة والاستنشاق، بل نقول: لو زاد على ذلك بأن ينوي عند مسيره إلى المتوضَّى أو نقله الماء أو حمله أو أخذه للسواك، فإن هذه الأمور كلها تستحب فيها النية لإحراز الثواب وتحصيله، فإن اللّه تعالى لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى، فتقديم النية في هذه الأمور وإن لم تكن واجبة من باب ما يستحق عليه الثواب.
وأما وقت الوجوب، فتقريره إنما يكون على حد الخلاف في أول واجب من واجبات الوضوء بين أئمة العترة وفقهاء الأمة، فمن قال: بأن أول واجبات الوضوء هو غسل الفرجين بعد إزالة النجاسة منهما كما هو رأي الإمام الهادي، وأولاده، فإنه يقول على هذا: هو أول وقت فعل النية، لكونه أول عضو من أعضاء الوضوء. ومن قال: بأن أول الواجبات هو غسل الكفين، كما هو المحكي عن الإمام القاسم بن إبراهيم في كتاب الطهارة، وهو رأي أحمد بن يحيى )، والسيد أبي العباس، فإن النية تكون عند غسلهما لأنهما أول أعضاء الوضوء، ومن قال من أصحابنا أن المضمضة والاستنشاق سنتان، فإنه يقول: بأن محل النية هو غسل الوجه، كما هو المحكي عن الإمام الشيهد زيد بن علي، ومروي عن الباقر، والناصر، ومن قال: بأنهما واجبان فإنهما مع الوجه تكون كلها(2) محلاً للنية؛ لأنها في حكم العضو الواحد، فصار محل الوجوب لفعل النية مرتباً على ما ذكرناه من الخلاف بين العلماء في أول عضو من أعضاء الطهارة.
__________
(1) الإمام الناصر أحمد بن الهادي لدين اللّه يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم. أحد مشاهير أئمة الزيدية وعلمائها، نشأ في حجر أبيه على الزهد والعبادة وطلب العلم، تولى الأمر من أخيه محمد بعد عودته من الحجاز سنة 301هـ، وواصل الجهاد ضد القرامطة، وله مؤلفات في الفقه والأصول، وظل مجاهداً، مدافعاً عن الدين، ناشراً للعلم حتى توفي بصعدة سنة 325هـ، ودفن بجانب أبيه في قبته بجامع الهادي المعروف بصعدة. أزهار ج1/6.
(2) يقصد المضمضة والاستنشاق والوجه.
والمختار في ذلك: تفصيل نشير إليه، وحاصله أنا نقول: أما محل الاستحباب لفعل النية فهو الملابسة لفعل شيء من أمور الطهارة ليحصل الثواب ويستحق الأجر بفعل النية، فإن النية هي التي تخلص الأعمال لوجه اللّه تعالى، وعلى هذا تكون عند غسل الكفين؛ لأنهما أول ما يعاني من التطهير وما عدا ذلك فهو من جملة المقدمات دون المقاصد، وأما محل الوجوب لفعل النية، فإنما يكون عند أول عضو من أعضاء الطهارة، ولا شك أن أول عضو من أعضائها هو المضمضة والاستنشاق لأنهما واجبان، أو غسل الوجه؛ لأنهما في حكم العضو الواحد، لقوله ً: (( المضمضة والاستنشاق من الوضوء ولا يقبل اللّه الصلاة إلا بهما))(1). وقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الْصَّلاَةِ فَاغْسِلُوْا وُجُوْهَكُمْ}[المائدة:6]. فهما عضوان كالعضو الواحد فأيهما وقعت عليه النية كانت مجزية، فإذا نوى عند المضمضة والاستنشاق أجزأه ذلك، وإن عزبت نيته بعد ذلك أجزأه؛ لأنه قد نوى الوضوء عند أول فرض من فروضه فلهذا كان مجزياً له، وسواء كان قد غسل عند المضمضة جزءاً من الوجه أولم يكن غاسلاً في كونه مجزياً، وإن قدم غسل الوجه ثم تمضمض بعد ذلك واستنشق فإنه يكون مجزياً في الوضوء وإن عزبت نيته قبل المضمضة أجزأه ذلك. هذا على رأي أئمة العترة؛ لأنهما عضوان من أعضاء الطهارة لا ترتيب بينهما فهما محلان لفعل النية كما ترى.
نعم.. لما ذهب الشافعي إلى أن المضمضة والاستنشاق غير واجبين، اختلف قوله في أنه لو نوى عند غسلهما وعزبت نيته عند غسل الوجه أي انقطعت، فهل يجزيه أم لا؟ فيه قولان:
أحدهما: يجزيه.
__________
(1) أورده في الجواهر بلفظه عن الشفاء. وحكاه في البحر، وفي الاعتصام رواه عن علي عليه السلام بلفظ: ((المضمضة والاستنشاق من وظيفة الوضوء لا يتم إلا بهما)).
والآخر: أنه لا يجزيه، ولهم فيه تفصيل يطول شرحه وهو مبني على عدم القول بوجوبهما فلا حاجة إلى إيراده، وسنوضح القول في وجوبهما بمعونة الله.
النظر الرابع: في تقسيم النية:
واعلم أن لها تقسيمات منتشرة باعتبارات مختلفة ولكنا نذكر ما يختص بالمباحث الفقهية ونشير إلى تقسيمات ثلاثة:
التقسيم الأول: باعتبار ذاتها إلى مطلقة ومشروطة:
فالمطلقة: هي الواقعة كثيراً في العبادات كالصلاة، والحج، وأنواع العبادات كلها، فإن تدوارها كلها على الإطلاق من غير اعتبار شرط هناك، فالصلاة نوقعها بالنية عبادة لله، والصوم والحج كذلك، ولا خلاف في المطلقة أعني في إجزائها، وفي كونها شرطاً في العبادة.
وأما المشروطة: فمن العلماء من جوزها مع الشرط ومنهم من منعها، وسنوضح القول فيها عند الكلام في صوم يوم الشك، فإذا صام يوم الشك ونوى الوجوب بشرط أن يكون من رمضان فهو صحيح، وإذا نوى تأدية هذه الصلاة قضاء بشرط أن يكون الوقت فائتاً أجزأ، فالنية من حقها أن تكون مؤثرة في وجوه الأفعال المختلفة فيخصص بعضها عن بعض، ولا شك أن الشرط من جملة الأوجه التي تقع عليها النية فلهذا سوغنا وقوعها ودخولها عليها، فكما يصح وقوعها مطلقة يصح وقوعها مشروطة.
فإن قال قائل: إن من حق النية أن تكون أمراً جزماً، والشرط إنما يدخل في الأمور المشكوكة، ومن حق العبادات أن لا يدخلها الشك فلا يجوز دخول الشرط فيها.
فجوابه: أنا نقول: هذا فاسد، فإن أصل العبادات لا يتطرق إليها الشك وإنما يعترض التردد في بعض أحوالها فليس من قال: أنا أصوم هذا اليوم إن كان من رمضان فهو واجب وإن كان من شعبان فهو نفل. يقال: إنه قد شك في العبادة، فإنه قد جزم الصوم وتردد في كونه واجباً أوغير واجب، فلا جرم أدخل الشرط في الوجوب وعدمه، فما هذا حاله لا يكون شكاً في أصل العبادة كما زعموه.
التقسيم الثاني باعتبار حكمها: إلى ما تكون واجبة وغير واجبة:
فغير الواجبة: هي النيات المؤثرة في النوافل من الطاعات كالصلاة، والحج، والصوم، وغير ذلك من النوافل، لأنها إذا كانت نوافل فالإرادة في حقها نفل أيضاً.
فأما الواجبة فهي على وجهين: أداء وقضاء.
فالأداء يكون عبارة عما يكون مفعولاً في وقته كالصلاة والصوم، فإنها مؤداة في أوقات مخصوصة مقدرة لها، ولا تكون كذلك إلا بالنيات والإرادات.
وأما القضاء فهو عبارة عما فات وقته، وأدي مثله في وقت آخر كالصلاة والصوم، فإن ما هذا حاله من العبادات المؤقتة بالأوقات إذا فاتت من غير تأدية لها فيها فإن ما فعل في وقت آخر يكون قضاءً بالشرع، فأما نية الأداء فهي غير معتبرة فلا يحتاج إلى نية؛ لأن ظاهر الحال يقضي بكونها أداءً فلهذا لم تحتج إلى نية، وأما القضاء فلابد فيه من نية مخصوصة توجب كونه قضاءً؛ لأن له مزية مخصوصة، وهو أنه قد فات وقته فلابد من تخصيصه بالنية ليكون واقعاً عما في ذمته من القضاء، وسيأتي لهذا مزيد تقرير عند الكلام في كيفية تقرير النية.
التقسيم الثالث: باعتبار كونها شرطاً في الفعل وغير شرط:
فنقول: الأفعال التي يتناولها التكليف بالإضافة إلى النية على نوعين:
أحدهما: غير مفتقر إلى النية، وهذا نحو عقود المعاوضات كالبيع والشراء، والإجارة والسلم، وغير ذلك؛ لأن ما هذا حاله ليس من قبيل العبادات، فلهذا لم يكن مفتقراً إلى النية بحال.
وثانيهما: أن تكون مفتقرة إلى النية. وهذا هو العبادات كلها على اختلاف أنواعها فإنها لا تكون عبادة إلا باعتبار كونها قربة، ولا قربة إلا مع نية التقرب إلى اللّه تعالى بها.
ثم تنقسم العبادات المفتقرة إلى النية: إلى ما تكون وصلة وإلى ما تكون مقصودة.
فالتي تكون مقصودة كالصلاة والصيام والحج، وغير ذلك من العبادات المقصودة.
وأما التي تكون وصلة فهذا نحو الوضوء والغسل، فإن هذه لا تراد لنفسها بخلاف الأمور الأولى فإنها تراد لنفسها. وإنما تراد هذه لغيرها، فالوضوء يراد للصلاة، والغسل يراد للصلاة وغيرها مع كونها معدودة في القرب، ولهذا افتقرت إلى النية كلها كما مضى تقريره.
ولنقتصر على هذا القدر من تقسيم النية ففيه كفاية في مقدار ما يليق بالمقاصد الفقهية في المضطربات الاجتهادية والله الموفق.
النظر الخامس: في كيفية تأثير النية في مَنْوِيِّها.
اعلم أن هذا النظر هو عمدة النيات وعليه التدوار في أكثر مسائلها، ومنه تنشأ الفروع الكثيرة والمسائل المتشعبة، وهو مشتمل على [ستة عشر فرعاً] (1)، نُفَصلها بمشيئة اللّه تعالى:
الفرع الأولى: هل تشترط النية في الوضوء أم لا؟ فيه مذهبان:
المذهب الأول: أنها واجبة وأنها شَرْطٌ في الوضوء لا يصح من دونها، وهذا هو رأي أئمة العترة، وهو محكي عن الشافعي، ومالك، والليث. وبه قال ربيعة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وهو قول أمير المؤمنين (كرم اللّه وجهه) من الصحابة (رضي اللّه عنهم).
والحجة على ذلك: قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوْا إِلاَّ لِيَعْبُدُوْا اللّهَ مُخْلِصِيْنَ لَهُ الْدِّيْنَ }[البَيِّنَة:5].
ووجه الاحتجاج بهذه الآية: من وجهين:
أما أولاً: فلأن قوله:{وَمَا أُمِرُوْا إِلاَّ لِيَعْبُدُوْا اللّهَ}.ولا شك أن العبادة من جملة الأفعال التي تقع على أوجه مختلفة، ولا يمكن تخصيصها إلا بالنية، فلهذا أوجبنا اعتبار النية لأجل كونها عبادة، والعبادة من حقها القربة، والقربة لا تكون قربة إلا باشتراط النية.
__________
(1) في الأصل: (وهو مشتمل على فروع عشرة) بينما هي في الواقع ستة عشر فرعاً بحسب تصنيف المؤلف.
وثانيهما: قوله تعالى:{مُخْلِصِيْنَ لَهُ الْدِّيْنَ}. والإخلاص لله تعالى بالفعل لا يكون إلا بالنية؛ لأن حقيقة الإخلاص هو أن يقصد بالفعل وجه اللّه تعالى لا يراد سواه، وهذا إنما يكون بالنية لا غير، فلهذا وجب اعتبارها في الوضوء بظاهر الآية.
الحجة الثانية: قوله ً: (( لا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة )).
ووجه الاحتجاج بالخبر: هو أنه ً صرح بنفي العمل إلاَّ بالنية، والمعلوم أن العمل يوجد وإن لم تكن هناك نية، فدل على أن المراد: لا حكم للعمل إلا بالنية. وذلك الحكم هو الإجزاء فنفى الإجزاء عند عدم النية، وهذا هو مرادنا بكونه شرطاً في الوضوء.
الحجة الثالثة: من جهة القياس وحاصلها: أنها طهارة عن حدث فوجب أن تكون من شرط صحتها النية كالتيمم، أو نقول: طهارة موجبها في غير محل موجبها فكان من شرطها النية كالتيمم، ويؤيد ما ذكرناه من تقرير قاعدة القياس، قول من قال من علماء القياس لما فهم كثرة الموافقة بينهما، فلهذا وجب اشتراط النية في الوضوء.
المذهب الثاني: أن النية غير واجبة في الوضوء ولا تشترط في إجزائه، وهذا هو رأي أبي حنيفة وأصحابه.
والحجة على ذلك: من جهة القياس، وحاصل ما قالوه: أنه أصل تستباح به الصلاة فلم يكن مفتقراً إلى النية، كإزالة النجاسة وستر العورة، أو نقول: طهارة بالماء فلا تفتقر إلى النية كإزالة النجاسة، ولهم أقيسة غير هذا نستقصيها في الانتصار عليهم، وهذا المذهب يحكى عن سفيان الثوري.
والمختار: ما عول عليه علماء العترة ومن تابعهم من علماء الأمة.
والحجة على ذلك: ما حكيناه عنهم ونزيد ههنا حجتين:
الحجة الأولى: قوله عليه السلام: (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله فهجرته إلى اللّه ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه )).