هذه النسخة الثانية ذات الأجزاء الثلاثة الأُوَل، تقل في هوامشها كثيراً عن سابقتها. فبينما لا تكاد تخلو صفحة، أو صفحتان في النسخة الأولى من هامش أو أكثر، وبالأخص في الجزأين الثاني والثالث.. تظهر هذه النسخة نادرة الهوامش قليلتها جداً إلى درحة أن هوامشها قد لا تعادل نسبة 5 - 10% إلى هوامش الأولى. إلا أن هوامش الثانية وإن كانت لا تتعدى أنواع الهوامش الرئيسة التي سبق تحديدها في الحديث عن الهوامش أو الحواشي، إلا أن نصوصها وأماكنها وموضوع كل منها لا تتطابق مع هوامش الأولى، بصرف النظر عن تطابق أو تشابه اليسير منها، مما يؤكد التغاير بينهما في الهوامش، وهو أمر وارد بين نسخ الكتاب الواحد كما سبق تقريره، ونقول هذا رغم أن الغالب في الظن لدينا أن هذه النسخة قد تكون نسخت عن الأولى، وغلبة الظن جاءت من التشابه الكبير بينهما في الأخطاء اللفظية والمعنوية في كثير من الحالات التي قد لا يمكن أن تكون بفعل الصدفة والتشابه التلقائي.
وهذا احتمال وارد وراجح.. وهناك احتمال آخر، وهو أن تكون كلتا النسختين أُخذت عن نسخة ثالثة. ولا يمكننا الجزم بأحد الاحتمالين إلا بإحدى طريقين:
أولاهما: أن يحدد ناسخ الثانية النسخة الأصل التي نقل عنها، وهذا غير موجود فيها. وهنا يسقط الاعتماد على هذه الطريقة.
ثانيتهما: أن نجد نسخاً أخرى أو أجزاء أخرى من النسخة الثانية يحدد أي منها دليلاً قاطعاً أو مقرباً.
وبالطبع.. لا يمكن احتمال العكس في العلاقة بين النسختين، وهو أن الأولى نسخت عن الثانية؛ لأن بينهما في تاريخ النسخ، مائة وسبعاً وستين سنة تسبق بها الأولى كما أسلفنا تحديد تاريخ كل منهما.
ويجدر هنا إثبات ما جاء في صفحات (حامية الكتاب)، في أول مجلد هذه النسخة قبل بداية الكتاب، وهو نوعان.
أحدهما: (تمليكات) النسخة، أو تسجيل تناقل ملكيتها من شخص لآخر، وهذا سنتحدث عنه عند الحديث عن مصدرها.
والآخر: قصيدة شعر تقع في حوالي ثلاثمائة بيت من الشعر الآتية مقاطعه على حروف (الألف باء) كل حرف بحسب ترتيبها، يكون مقطعاً من عشرة أبيات، يبدأ وينتهي كل بيت بنفس الحرف. يقول ناقلها:
(بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذه القصيدة للشيخ الرئيس شهاب الدين أحمد بن حنش، قالها في مولانا أمير المؤمنين يحيى بن حمزة قدس اللّه روحه في الجنة آمين). ثم يبدأ قافية الألف:
إذا برق ليل الدجن في ليلة شرا ... أزال وميض البرق عن عيني الكرا
وتستمر قافية الألف عشرة أبيات، ثم قافية الباء، وهكذا. وتقع في ثمان صفحات، وهي كما ترى أول أبياتها من بحر الطويل.
وبالنسبة للملاحق، فهي كسابقتها بدون أية ملاحق أو فهارس كما هي لا توجد في كل المخطوطات تقريباً، إلا أن هذه النسخة لا يوجد فيها إبراز لبعض أو أكثر العناوين على الهامش في محاذاة مكانه في القلب، وهذا ما تميزت به الأولى وإن كان قليلاً.
الثالثة: خطها.
خط هذه النسخة من نوع النسخ أيضاً، وخطها جميل ومقروء بوضوح، وعناوينها بارزة بخط مكبر أنيق، وهي واقعة في نفس الأخطاء والأغلاط اللفظية واللغوية والإملائية التي سبق الحديث عنها في استقراء النسخة الأولى. ليس فقط من قبيل المضارعة الكلية.. بل في نفس الأخطاء بكلماتها وأماكنها، وذلك في معظمها إن لم نقل كلها، وهذا ما دفعنا إلى احتمال أن تكون منسوخة عن الأولى. إلا أن هذه تخالف الأولى في النقص، وبعض ملامح الشكل في جوانب، نحصرها في أربعة منها:
1- النقص في هذه النسخة قد يكون أبرز علامة لنسخها، ويظهر في ملامح ثلاثة:
أولها: نقص في الهوامش عن نظيرتها الأولى كما سبق ذلك.
ثانيها: نقص كثير في مواقع كثيرة، ووحدات هذا النقص الشائع متساوية في حجمها، مما يؤكد أن الناسخ يسقط سطراً من النسخة الأصل التي نقل عنها وكثرة إسقاط الأسطر فيها، لدرجة أننا كنا نواجه أثناء معارضتها على الأولى، بمعدل كل عشر صفحات تقريباً يوجد فيها السقط، وهناك سقط فيها حجمه سطران وثلاثة وأربعة، ولكنه بهذا الحجم قليل.
ثالثها: سقط من النسخة هذه حوالي إحدى عشرة صفحة بحجم هذه النسخة، أي أن السقط هذا وقع في مكان واحد بما يساوي حوالي خمسة آلاف وثمانمائة كلمة تقريباً. ومكان السقط هذا ينحصر بين الفرع التاسع من كلمة (في حق) ضمن عبارة (كما يباح في حق الحائض..) وهي قبل الفرع التاسع بسطر تقريباً من الفصل الثاني: (في حكم المرأة عند الولادة) وحتى ما بعد الفرع الخامس بسطرين، وفي جملة: (ولقد كرمنا بني آدم). من البحث الرابع (في بيان من وجبت عليه الصلاة). وضمن المحذوف عناوين أبرزها اثنان، يأتيان بحسب ترتيبهما:
الأول: الفصل الثالث في بيان المستحاضات، وفي الجزء الثاني من أجزاء النسخة.
الثاني: كتاب الصلاة.
إضافة إلى المباحث والفروع والمسائل والمراتب من العناوين البارزة ضمن ما سقط.
وقد تأكدنا من أصل النسخة في مكتبة الجامع الكبير (لأن الموجودة بين أيدينا هي صورة لها) وكنا ظننا أن النقص آت من الصورة ومقصور عليها، وخصوصاً أن أرقام الصفحات هي خاصة بالصورة، إلا أننا اكتشفنا وللأسف، أن النقص هذا بحجمه كاملاً هو من الأصل، هذه ناحية.
والناحية الثانية: أن النقص ليس من أصل المخطوطة ومن جهة ناسخها، ولكنه سقط من تجليد النسخة، إذ أن (قيد الصفحات) الممثل بكتابة كلمة في هامش الصفحة الأسفل، هي الكلمة التي تبدأ بها الصفحة التالية، قد كشف هذا، حيث انتهت الصفحة (538) بجملة (..كما يباح في حق) والقيد في هامشها كلمة (الحائض) التي هي بداية اهصفحة التالية. ولكن الصفحة التالية (539)، بدأت بجملة (حيث قال: ولقد كرمنا بني آدم) ولا عبرة بالترقيم كما سبق، كونه ليس أصلاً في النسخة، وإنما هو ترقيم المكتبة ربما أو غيرها بعد التجليد الذي أسقط هذه الصفحات.
2- اللون: استخدم الناسخ اللون الأحمر في العناوين، ولكن في آخر الجزء الثالث من صفحة(887)، مع شيء من التزويق المزدوج.
3- ظهر في صفحة (160) إلى (960) بداية تميع وفيشان في حبر هذه المخطوطة يزداد سوءاً كلما توغلت الصفحات في اتجاه النهاية، وهو ناتج عن سوء الحفظ في المكتبة ربما؛ إذ يقول مسئول مكتبة الجامع الكبير بصنعاء: بأن ذلك ناتج عن الرطوبة التي أصابت النسخة فبدأ حبرها يسيح ويفيش، وهو خطر يهدد النسخة بالتلف إن لم تعالج بالوسائل التي تضمن توقفه كما هو على الأقل.
4- لا تختلف عن سابقتها في عدم النقط والفواصل إلا نادراً، وبالنسبة لعجم الحروف فإنها في هذه النسخة أكثر من سابقتها، ولكنه ناقص بحيث يمكن تقدير نسبة العجم فيها بـ75% من مجموع حروف المعجم في أجزائها الثلاثة.
الرابعة: مصدرها:
مصدر هذه النسخة مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير بصنعاء، وهي أغنى مكتبة للمخطوطات اليمنية، وهذه النسخة مودعة فيها برقم (981) وفي صدر النسخة قبل بداية الكتاب (تمليكات) عدة، نورد نماذج منها في الإشارات الثلاث التالية:
1- كما سبق في نص ما كتبه الناسخ في نهايتها، فإنها نسخت لصالح (برسم) يحيى بن الحسين بن القاسم بن محمد، وهذا يعني أنه أول مالك لها، وفي الصفحة الأولى تحت اسم الكتاب، ما يزيد ذلك تأكيداً، وهو قصاصة بخط مالكها يحيى بن الحسين ما نصه: (استكتبت هذا الكتاب الجليل وأنا الفقير إلى اللّه يحيى بن الحسين بن أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي لطف اللّه به، في شهر صفر(1052هـ).
2- وهناك تمليكات أخرى بخط أصحابها، ولكن لا يوجد فيها تاريخ، وربما أن بعضها مكرر. ومما وضح منها تمليك باسم المحسن بن المؤيد بالله (بن القاسم). وآخر بِاسْم محمد بن المتوكل على اللّه اسماعيل (بن القاسم). وثالث بِاسْم حميد بن أمير المؤمنين المنصور بالله.
3- وفي الصفحة الثالثة من الورق الذي تحتويه النسخة، توثيق وقفية النسخة، وفيها ما لفظه: (الحمد لله تعالى، من وقف سيدي المالك المولى أمير المؤمنين المنصور بالله رب العالمين، حفظه اللّه وأعلى شأنه، على قبة والده(1) الإمام المهدي (رضوان اللّه تعالى عليه) التي بحافة طلحة(2)، بتاريخ شهر شعبان سنة 1252هـ، وكتبه الفقير إلى اللّه تعالى، محمد بن صالح العصامي لطف اللّه به).
ويتضح من الإشارات الثلاث السابقة، ثلاث إشارات غير مباشرة من خلاصة النصوص الواردة:
أولاها: أن التاريخ الوارد في الأولى بخط مالكها الأول يحيى بن الحسين، هو تاريخ استكتابه الناسخ لهذه النسخة، وذلك يظهر من تاريخ النسخة؛ لأن فترة نسخها كانت قبل شهر ربيع الأول عام(1052هـ).
ثانيتها: أن تنقلها من شخص لآخر، كان بين أفراد الأسرة الواحدة من أحفاد القاسم، ولم تخرج إلى غيرهم.
__________
(1) يقصد والده المهدي عبدالله المتوفى عام 1251هـ. والمنصور بالله هنا هو: علي بن المهدي عبدالله.
(2) إحدى حارات مدينة صنعاء القديمة ولا تزال معروفة بهذا الاسم إلى اليوم.
ثالثتها: أن تحويلها من الملكية الخاصة إلى الوقف كما جاء في توثيق وقفيتها على الصفحة الثالثة الآنفة الذكر، كان من جهة المنصور علي بن المهدي عبدالله (ولاية المنصور بن علي في منتصف القرن الثالث عشر الهجري) الواقف لها على مسجد (قبة) والده المهدي.
ج - مخطوطة الجزء الرابع:
بدأنا المقارنة بين نسختي الأجزاء الثلاثة الأولى السالفتي الحديث عنهما، مقدرين صعوبة الحصول على أكثر من نسخة عن بقية الأجزاء، إما مجزأة في خمسة عشر مجلداً، (بقية الثمانية عشر)، وإما مجموعاً بعضها في مجلدات في شكل ثنائي وثلاثي...إلخ. ولذا توقفنا عن الاستمرار في قراءة ما توفر لدينا من أجزاء غير مرتبة من الكتاب، وصرفنا الاهتمام إلى البحث عن نسخ مغايرة لهذه الأجزاء التي لم تتوفر بعد، وقضينا قرابة ثلاثة أشهر نبحث ونسأل في المكتبات العامة والخاصة التي نعرفها، أو يدلنا عليها الآخرون مما هي مظنة توفر شيء من أجزاء الكتاب، ثم في المراجع التاريخية القديمة والبحوث الحديثة التي تتحدث عن هذا الكتاب وأجزائه وأماكن شيء من مخطوطاتها في الداخل والخارج، وبدأنا نحس بما يشبه استحالة وجود نسختين كاملتين من أجزاء الكتاب الثمانية عشر، بعد أن اقتنعنا بعدم وجود نسخة كاملة منه في مكان واحد، سواء أكان مكتبة عامة أو خاصة، وفي الداخل أو الخارج طبعاً.. بحسب ما استطعنا الحصول عليه من معلومات الكتب والبحوث والأدلة التي تتناول الكتاب وأماكن مخطوطاته.
وهنا.. كنا قد بدأنا نشك في بعض القناعات والمعلومات عن الكتاب، التي كانت شبه مسلم بها ومفروغ منها.. مثل مدى توفر نسخة كاملة منه في مجموع شتات أجزائه ومدى تطابق النسخ المكررة بنقص الأجزاء من حيث البداية والنهاية، وحتى عدد أجزائه لم يسلم من الشك، وخاصة أن مخطوطة الجزء الرابع أو إحدى مخطوطاته بالأصح، تشير إلى أنه عشرون جزءاً، ولكن الشك في عدد الأجزاء لم يلبث أن زال؛ لأن مراجعه من البحوث والتراجم والفهارس تؤكد أنه 18 جزءاً. هذا أولاً.
وثانياً: أن التبويب الفقهي للأجزاء الموجودة تشير إلى هذه الحقيقة.
وثالثاً: وهذا الأهم.. أن أحد الأجزاء التي عثرنا عليها، هو الجزء الثامن عشر وهو مخطوط بخط المؤلف رحمه الله وفيه نهاية الكتاب.
وندع الحديث عن مخطوطة الجزء الرابع ثم ما يليه إلى أن يصل مسار التحقيق إلى كل منها، وهنا نتوقف قليلاً عند أبرز الفهارس والبحوث التي استقرأ أصحابها أجزاء الكتاب ومخطوطاته وهي ثلاثة، نتصفحها هنا بدون ترتيب:
أولها: كتاب (مصادر التراث اليمني في المتحف البريطاني).
وفيه يفيد مؤلفه البحاثه الدكتور حسين عبدالله العمري، بأن الموجود من (الانتصار) في (مكتبة المتحف البريطاني) ثمانية أجزاء في سبعة مجلدات، هي الثاني والثالث والخامس والسادس والثامن، والجزءان السادس عشر والسابع عشر في مجلد واحد، والسابع عشر مكرر في مجلد. ص177.
وثانيها: دليل مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير بصنعاء(1).
__________
(1) هذا الفهرس طبعته وزارة الأوقاف عام 1984م في أربعة مجلدات.
ويحدد الموجود من (الانتصار) في مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير، بستة عشر جزءاً في أربعة عشر مجلداً. وهي: الأول والثاني والثالث في مجلد واحد، النسخة الأولى التي سبق الحديث عنها لهذه الأجزاء الثلاثة، والثاني مكرراً في مجلدين، والرابع والخامس والثامن والعاشر والحادي عشر والثالث عشر والخامس عشر والسادس عشر، والأجزاء المكررة إضافة إلى النسخ الثلاث من الثاني، وهي: الخامس والثامن والحادي عشر(1).
وثالثها: كتاب: (مصادر الفكر العربي والإسلامي في اليمن) للباحث المعروف الأستاذ عبدالله محمد الحبشي(2).
ولم يتجاوز فيه ما جاء في دليل وزارة الأوقاف، بل لم يستوف ما جاء في الدليل، حيث أورد خمسة أجزاء في سبعة مجلدات، هي: الثاني والخامس والثامن، والحادي عشر، والخامس عشر، إضافة إلى نسختين مكررتين للثاني والخامس عشر.
ولا نسبق الحديث عن كل جزء على حده وفي موضعه بحسب تسلسلها، ويلاحظ من مجموع هذه الأجزاء، غياب أجزاء خمسة هي: السابع والتاسع والثاني عشر والرابع عشر والثامن عشر. وقد سبق القول: بأننا عثرنا على الثامن عشر صورة مخطوطة بخط المؤلف.. فيبقى أربعة أجزاء غير متوفرة سنتحدث عن كل منها في مكانه.
ومن بداية الجزء الرابع سنخصص لكل جزء مقدمة ملخصة تتضمن فقط، الحديث عن مخطوطته الأم، وما يتعلق بها خارج نطاق الحديث العام عن مخطوطات الكتاب، الذي نرى أن المقدمة قد استوعبت أهم جوانبه، والله ولي التوفيق {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً وَهِيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدا}.
__________
(1) فهرس الأوقاف (ج2) ص913 ـ 918.
(2) من أشهر الباحثين في مخطوطات التراث اليمني وأكثرهم تفرغاً للبحث، وعدداً في البحوث والمخطوطات التي حققها وأخرجها؛ وإلماماً بمحتويات المكتبة اليمنيه من المخطوطات.
---
المحور الثاني: موضوع الكتاب
المحور الثاني من المحاور الثلاثة لمقدمة كتاب (الانتصار).. يخص موضوع الكتاب، وسنتناول فيه ملامح عامة عن موضوعه، توضح كلياته العامة ومنهجه وأسلوب مؤلفه في تأليفه، ثم صوراً مركزة عن موضوع الكتاب في رأي العلماء والباحثين، كل ذلك في الحدود التي تقدم خلاصة وفكرة عن موقع الكتاب وأثره في وسط الفكر والفقه الإسلامي في اليمن.
ذانك قسمان أساسيان لهذا المحور، نبدأ بأولهما بعون اللّه تعالى.
أولاً: (القسم الأول) ملامح عامة عن موضوع الكتاب:
نتناول هذه الملامح من جوانب ثلاثة، هي: موضوع الكتاب ومنهجه، وأسلوبه.
أولها: موضوع الكتاب:
وموضوع الكتاب هو الفقه الإسلامي.
وكتاب (الانتصار)، كما أنه أكبر وأوسع كتاب في الفقه الإسلامي التراثي الزيدي، في موضوعه وموضوعاته، وفي كتبه وفصوله ومسائله وأصوله وفروعه، وفي مباحثه وحقائقه ودقائقه وأحكامه.. فهو كذلك أوسع وأكبر كتاب من كتب التراث الإسلامي في اليمن، في منهجه واستدلاله، وفي أوجهه وآرائه وأقواله التي جمع المؤلف في كتابه هذا شتاتها وأدنى بعيدها، ورتب قواعدها، ووثق شاردها وواردها، وأبرز دقيقها ووضح غامضها وفك مبهمها، وحل عقيلها، واستنطق أسرارها وأنطق قيلها، وجمع أولها بآخرها وقديمها بجديدها، ولم يقتصر في (الانتصار) على إيراد آراء وأقوال المجتهدين من الأئمة والعلماء والفقهاء في اليمن ممن وافق مذهبه وجايل عصره، بل شمل كل المدارس وجل المذاهب الفقهية الإسلامية بأعلامها ومجتهديها وآرائها وأدلتها وطرق استدلالها في كل العصور التي سبقته، بدءاً بخير الأجيال والعصور، وهو جيل الصحابة الأجلاء (رضوان اللّه عليهم) فالتابعين وتابعيهم، ثم من تلاهم من أجيال الأعلام والمجتهدين.فهذا الكتاب يعتبر بحق وكما سنبرز بعضاً من آراء ونعوت العلماء والباحثين فيه.. موسوعة نادرة للمدارس والمذاهب الفقهية الإسلامية.. بل يتميز عن الموسوعة ويتفوق عليها ويتجاوزها من حيث أنه عالَم حي بحوار الأفكار والآراء وتقارع الحجج والبراهين وباتفاق واختلاف الآراء والمذاهب، فهو بحث واسع للفقه المقارن الذي يستخدم في منهجه إيراد الآراء، ثم فحصها ومقارنتها في كل مسألة، ثم يعود إلى تقرير (المختار) لديه ممعنا في الاستدلال عليه بأسلوب العالم المتجرد من كل الأهواء، ويختم كل مسألة بإيراد (الانتصار) الذي يناقش آراء وأقوال مخالفيه بحصافة الناقد البصير، وبصيرة الناقد الحصيف وعمق المجتهد المطلع، وإنصاف الورع الذي لا يتغيا غير الحق، ولا يستهدف سوى الحقيقة، وهي طريقة من يعرف أنه ليس بعد الحق إلا الضلال، وليس وراء الحقيقة إلا الخيال.