الوجه الثاني: أن تكون دلالته من جهة اللفظ بطريق الأَولى، وتقريره: أنه قال في لفظ الخبر: (( إنها من الطوافين)). و[كلمة] من هذه للتبعيض، فكأنه قال: إن الطوافين عليكم أفواههم طاهرة والهرة منهم، فمن أجل ذلك حكمنا أن ما عدا الهرة فأفواههم طاهرة من جهة الأَولى؛ لأن ظاهر اللفظ أنهم هم المقصودون به، والهرة إنما دخلت على جهة التبع لا على جهة القصد، وهذا هو مطلوبنا، وما كان داخلاً من جهة الأَولى فليس حاصلاً بالقياس، ولهذا فإنَّا قلنا: إن تحريم الضرب في قوله:{فَلاَ تَقُلْ لَّهُمَا أُفٍّ }[الإسراء:23]. ليس قياساً كما هو قول الأكثر من الأصوليين لما كان مفهوماً من جهة الأَحق والأَولى، وهكذا ما قلناه إذا كان غير الهرة مفهوماً بالمعنى قبل الهرة، فهو من طريق الأحق والأولى.
الوجه الثالث: أن تكون دلالة العلة وطريق إثباتها من جهة التنصيص، وهو قوله: (( إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم)). لأن من الأصوليين من قال: إن (إِنَّ) المكسورة إذا وجهت على جهة التعليل فهي نص في تقرير التعليل، كقوله عليه السلام: (( زملوهم بكلومهم فإنهم يبعثون يوم القيامة ))(1). فهي في الخبر دالة على العلة من جهة النصوصية، وما كان هذا حاله في التنصيص على العلة، فقد قال بعض الأصوليين: إنه لا يُعَدُّ قياساً أصلاً؛ لأجل النص على العلة، فحصل من مجموع ما ذكرناه: أن الحكم بطهارة أفواه ما عدا الهرة ليس من جهة القياس، على التلخيص الذي قررناه.
__________
(1) سيأتي في كتاب الجنائز.

الفرع السابع: في تقرير المختار من هذه الأقاويل، والحق أن الحكم بطهارة أفواه ما عدا الهرة إنما حصل من جهة الدلالة اللفظية، وهي دلالة الظهور من جهة العموم، إما على جهة الاستواء بينها وبين سائر الطوافين كما في مفردات العموم، وإما على أن ما عداها هو أحق بالدلالة منها من جهة أن التقدير في الخبر: ومن كان طائفاً عليكم ففوه طاهر والهرة من جملتهم، وكلاهما مدلول عليه من جهة اللفظ كما ترى دون القياس ويتأيد هذا الاختيار بإبطال ما سواه.
الانتصار لهذه القاعدة: إنما يكون بتزييف ما وراءها.
قالوا: أي مانع من أن يكون تطهير ما عدا فم الهرة إنما هو حاصل بطريق النص على العلة بقوله: (( إنها من الطوافين عليكم )). وما كان نصاً على العلة فليس من القياس في شيء؟
قلنا: عن هذا جوابان:
أما أولاً: فلأنا نقول: الحق عندنا، وهو قول الجماهير من الأصوليين، أن التنصيص على العلة لا يخرجه عن كونه قياساً؛ لأن حقيقة القياس وفائدته أن يكون حكم المسكوت عنه مفهوماً من المنطوق به، وهذا حاصل مع كون العلة منصوصاً عليها، ولهذا فإنه لو قال الشارع (صلوات اللّه عليه وآله(: (( حرمت الخمر)). فإن إلحاق النبيذ بها إنما هو من جهة القياس، وإن كانت العلة منصوصاً عليها لما كان أخذ المسكوت عنه من منطوق به، فحصل من هذا أن التنصيص على العلة لا يخرجه عن كونه قياساً لما قررناه.

وأما ثانياً: فلا نسلم أن قوله: (( إنها من الطوافين عليكم والطوافات)). نص في العلة، وإنما هو تنبيه عليها، وقد زعمه بعض الأصوليين [نصاً] وليس سبباً، بل هو بيان التنبيه على العلة أحق من كونه نصاً عليها، فإن النص على العلة إنما يكون باللام، كقوله: نهيتكم عن هذا لكذا، أو من أجل كذا، أو لأجل كذا، وبالباء كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوْا اللّهَ وَرَسُوْلَهُ }[الإنفال:13]. فأما ما عدا ذلك فإنه يكون دالا على العلة ومرشداً إليها وليس نصاً على العلة، وإنما هو من طريق التنبيه عليها.
قالوا: لم لا يجوز أن تكون العلة حاصلة من جهة التنبيه والإيماء بقوله: (( إنها من الطوافين عليكم ))؟
قلنا: ما كان طريق إثبات العلة فيه بالإيماء فهو قياس، وقد قررنا من قبل أن طهارة أفواه ما عدا الهرة ليس من جهة القياس، وإنما هو من جهة الظهور بالعموم.
قالوا: فلم لا يجوز أن تكون طريق إثبات العلة إنما كان من جهة الاستنباط كما قاله أكثر العلماء، وقد حكيناه من قبل؟
قلنا: عن هذا جوابان:
أما أولاً: فلأن ما كان حاصلاً بطريق الاستنباط فهو من فن الأقيسة، وقد أوضحنا أن ذلك ليس مأخوذاً من جهة القياس.

وأما ثانياً: فلأنه إنما يصار إلى الاستنباط في الأقيسة إذا انسدت مسالك التنبيهات، وها هنا يمكن أخذ العلة فيه من جهة التنبيه، فلا يجوز التعويل على الاستنباط في ما هذا حاله، فتنخل من مجموع ما ذكرناه أن التعويل في ذلك على العموم والظواهر دون الأقيسة، وهذا الذي اخترناه هو الظاهر من مذهب المؤيد بالله؛ لأنه لم يعول في ذلك على الأقيسة وإنما عول على التنصيص في طهارة ما عدا فم الهرة، فإن كان غرضه بالنصوصية هو الذي أردناه بالظهور من جهة الدلالة اللفظية بطريق العموم فهو المراد، وإن كان غرضه التنصيص على العلة بطريق التعليل فهو من الأقيسة فلا مدخل له هاهنا كما مر تقريره، وإن كان غرضه بالتنصيص أنه منصوص على ذلك بطريق التصريح الذي لا احتمال فيه، فهذا غير حاصل ها هنا فلا يمكن دعواه، والله أعلم.
الفرع الثامن: وإذا افترس الهر حيواناً ثم ولغ في ماء قليل قبل ذهاب اليوم أو الليلة أو مجموعهما، فهل يكون الماء نجساً أم لا؟ فعلى رأي الأكثر من أئمة العترة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والشافعي: أنه يكون نجساً.
والحجة على ذلك: هو أن الماء القليل ينجس باتصال النجاسة به، وإن لم يكن متغيراً بها.
فأما على رأي الإمام القاسم بن إبراهيم وهو المحكي عن مالك، وهو المختار، فإنه يُنظر في حال الماء، فإن تغير بالولوغ فإنه يكون نجساً، وإن لم يتغير بالولوغ فإنه يكون طاهراً.
والحجة على ذلك: قوله عليه السلام (( خلق الماء طهوراً لا ينجسه إلا ما غير ريحه أو لونه )). وقد قررنا هذه المسألة فيما سبق فأغنى عن التكرير.

مسألة: والبئر إذا وقعت فيها نجاسة نظرت، فإن غيرت النجاسة أوصاف الماء من طعم أو لون أو ريح، كانت نجسة، وإن لم تغير شيئاً من أوصافه فهل يكون ماؤها طاهراً أو نجساً؟ فيه تردد بين العلماء، وحاصل الأمر فيه أنه يُنظر فيه، فإن كان الماء قليلاً فإنه يكون نجساً وإن كان كثيراً فهل يجب فيه النزح أم لا؟ فيه نزاع، فمنهم من أوجب نزح البئر، ومنهم من لم يوجبه.
التفريع على هذه القاعدة:
واعلم أن ظهور أسرار هذه المسألة وبيان فوائدها لا تحصل إلا ببيان فروعها، ونحن نذكرها ونفصل ما تشتمل عليه:
الفرع الأول منها: أن ماء البئر إذا كان كثيراً وتغيرت أوصافه أو بعضها فإنه يكون نجساً، وهذا نحو أن تقع فيه فأرة فتموت ويتمعط(1) شعرها ويتمزق فيه جلدها فيحصل فيه التغير بسبب ذلك. والذي ذهب إليه أئمة العترة وعلماء الأمة وفقهاؤها، أن البئر متى ظهرت عليها النجاسة بتغير أوصاف الماء فإنها تكون نجسة، وإن كان الماء كثيراً غامراً، ولا يعرف فيه خلاف.
__________
(1) معط: بميم وعين مهملة فطاء مهملة، نتف (الشَّعَرَ). ا.هـ قاموس. ملخصاً.

والحجة على ذلك: ما روى أبو سعيد الخدري في بئر بضاعة، قال: سمعت رسول اللّه ً يقول، وقد قيل له: إنه يُستسقى لك من بئر بضاعة، وهي تلقى فيها لحوم الكلاب والمحائض وعذر الناس، والعذر: جمع عذرة، وهو ما يخرج من بطون بني آدم، فقال رسول اللّه ً: (( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ))(1) وسمعت في سنن أبي داود، قال أبو داود ) رحمه اللّه تعالى: سألت قَيّم بئر بضاعة: كم عمقها؟ فقلت له: أكثر ما يكون فيها؟ قال: إلى العانة. قلت: فإذا نقص؟ قال: إلى العورة. يعني المغلظة من الرجل والمرأة، وذلك أسفل من العانة بقليل. قال أبوداود: وقدرت بئر بضاعة برداء لي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه: هل غُيِّر بناؤها عما كانت عليه؟ فقال: لا. ورأيت فيها ماء متغير اللون. وفي حديث آخر: (( خلق الماء طهوراً لا ينجسه إلا ما غير ريحه أو طعمه)). وأكثر الأحاديث التي سمعناها ليس فيها ذكر اللون، وقد ذكر في بعضها، فإن ذكر فعلى جهة الإيضاح والبيان، وإن لم يذكر فعلى إرادة التعبد بالقياس، فيكون
__________
(1) تقدم، ولفظه حكاه المؤيد بالله في (شرح التجريد)، والشافعي وأحمد وأصحاب السنن والحاكم والدارقطني والبيهقي من حديث أبي سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول اللّه أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال (ص): ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)). واللفظ للترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وجوده أبو أسامة، وصححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وابن حزم كذا في (التلخيص)، وقال فيه: وقد جزم الشافعي بأن بئر بضاعة كانت لا تتغير بإلقاء النجاسات لكثرة مائها. ا.هـ ملخصاً من (الروض).
(2) سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير أبو دأود الأزدي السجستاني، صاحب السنن، عالم في الحديث، رحل وطوف، وجمع وصنف، وكتب عن أمم، ولد سنة 202هـ، ومات سنة 275هـ. (تاريخ بغداد ج9/75، تهذيب التهذيب).

لا حقاً بالطعم والرائحة في حكم التنجيس لكونه في معناها من جهة القياس النظري، كما نقوله في سائر الأشياء المسكوت عنها من أجل ذلك، وما قاله أبوداود في تغير لون بئر بضاعة، إنما كان لطول المكث لا من أجل النجاسة المتصلة بها، فإن ذلك يكون منجساً لها بلا خلاف فيه.
فحصل من مجموع ما ذكرناه: أن جميع الأحاديث الواردة في الماء، فإنها دالة ومشعرة على تنجيسه باتصال النجاسة به مهما غيرت أوصافه أو واحداً منها سواء في ذلك كثيره وقليله، وقد قدمنا في باب المياه ما فيه كفاية، وكلامنا هاهنا إنما هو في تطهير الآبار عند اتصال النجاسة بها.
الفرع الثاني: في كيفية تطهير البئر بنزحها عند تنجسها بوقوع الميتة فيها، فالنزح لمائها مطهر لها لا محالة وهو مشروع، لما روي عن أمير المؤمنين (كرم اللّه وجهه) أنه أمر بنزح الماء من بئر بضاعة لما وقعت فيها الفأرة.

وحجة أخرى: وهو ما روي عن ابن عباس وابن الزبير ) (رضي اللّه عنهما) (( أن رجلاً حبشياً لما وقع في زمزم فمات فيها فأمرا بنزحها)). ووجوب النزح إنما كان مشروعاً من أجل كونه متغيراً بالنجاسة، فأما إذا لم يكن متغيراً فسنقرر الخلاف فيه ونذكر حكمه، ولأن النجاسة إنما تعلقت بالماء لما كان متغيراً فإذا نزح زال ما كان نجساً وخلفه ماء طاهر، فلأجل ذلك كان النزح مشروعاً في الآبار لما يرجى من طهارته بنبوع ماء طاهر غيره، بخلاف غيرها من الأمواء الراكدة كامبُرُك، فإنها إذا تنجست فلا فائدة في نزحها لطهارتها إذ لا يخلفها ما يطهرها كما في الآبار، ولكن يرجى زوال ذلك عنها بهبوب الريح أو بحصول المكاثرة فيها بالسيول إذا وردت عليها، فالشرط المعتبر في طهارة البئر بالنزح، هو تكرره بالدلاء والقصاع والكيزان وما شاكلها، حتى يذهب ما ظهر عليه من تلك الأوصاف كلها؛ لأن ذلك هو الأمارة في نجاسته فلابد من نزحه حتى تذهب كلها، فيكون طاهراً بعد ذلك لزوال النجاسة عنه، ويكرر النزح مرة ثانية وثالثة، ولا سبيل إلى الحكم بطهارة البئر ومائها إلا بالنزح المذهِبِ للنجاسة، فإن لم تزل الرائحة، وما في حكمها من اللون والطعم مع بلوغ الغاية والاستقصاء في نزحها، وجب العدول عنها إلى التيمم إذا لم يوجد ماء غيرها؛ لأن النجاسة فيها باقية فلا وجه يبيح استعمالها مع تحقق بقاء النجاسة فيها، ولأن للطهارة بالماء بدلاً فلا حاجة إلى التضمخ بهذه النجاسة وبدلها ممكن، ولأنه إذا وجب العدول إلى التيمم مع طهارته
__________
(1) هو عبدالله بن الزبير بن العوام بن خويلد، أول مولود في الإسلام بعد الهجرة، بويع له بالخلافة في مكة. قال الشيرازي: ولا يبايع على الخلافة إلا فقيه، مجتهد، وكان قد دعا إلى نفسه أيام عبدالملك بن مروان فسلط الحجاج عامله على البصرة فقاتله وقتله وصلبه في مكة سنة 73هـ، أمه الصحابية أسماء بنت أبي بكر (ذات النطاقين).

فالعدول هاهنا أوجب مع كونه نجساً.
وهل يشترط في طهارة البئر أن يغلب الماء النازح لقوة نبعه أم لا؟ والظاهر من كلام الشيخ علي بن الخليل والقاضي أبي مضر (رحمهما اللّه تعالى) اشتراطه؛ لأنهما قالا: والبئر إذا ظهر على مائها ما غير ريحه أو لونه أوطعمه لم يطهر إلا بمجموع شرطين:
أحدهما: ذهاب هذه الأوصاف كلها من الريح والطعم واللون.
الثاني: أن يغلب الماء النازح لقوة نبعه.
والمختار: أنه لا يحتاج إلى الشرط الثاني، وأن التعويل إنما هو على الشرط الأول، فبزوال الأوصاف يكون التطهير، وببقائها تكون النجاسة من غير حاجة إلى غيره، وإليه تشير الظواهر الشرعية في نجاسة الماء وطهارته كما قررناه من قبل.
الانتصار: يكون ببيان ضعف ما قالاه، وهو أن النزح واجب لا خلاف فيه بين أئمة العترة وفقهاء الأمة لا خلاف فيه فيما ظهرت عليه النجاسة، لكن ما ذكراه فيه نظر من جهة المعنى.
فنقول: أما الشرط الأول: وهو النزح حتى تذهب الأوصاف كلها، فهو جيد لا عثار عليه.
وأما الشرط الثاني: وهو أن يغلب الماء النازح لقوة نبعه، فلا فائدة فيه؛ لأن الاعتماد في تطهير البئر إنما هو على ذهاب هذه الأوصاف الثلاثة، فبعد ذلك إما أن تكون زائلة بالنزح كلها، فالبئر تكون طاهرة، سواء غلب الماء النازح أو لم يغلب، فلا عبرة به، وإما أن تكون باقية فالبئر نجس سواء غلب الماء النازح أو لم يكن غالباً له، فإذاً لا تعويل على الشرط الثاني لما ذكرناه، وأيضاً فلأنهما قد حققا في آخر كلامهما مع زوال التغير اشتراط غلبة الماء النازح لأنهما قالا: فإن لم تزل الرائحة وما في حكمها فوجب نزح الماء ثانية وثالثة أو أكثر حتى تزول، فإذا زالت وغلب الماء النازح أو لم يغلبه ونزل إلى قرارها ونزح بالقصاع ونحوها، طهرت البئر وجوانبها.

ثم نقول: إذا كنا قد فرضنا أن النجاسة ظاهرة على الماء بتغيير أحد أوصافه أو كلها، فليت شعري ما فائدة اشتراط كون الماء غالباً للنازح أو غير غالب؟ فإذاً الاعتماد إنما هو على زوال الأوصاف أو بقائها في تنجيس ماء البئر وتطهيره من غير أمر وراءه، وفي النزح إذا لم تظهر النجاسة على الماء، كلام في اشتراطه وعدم اشتراطه، سنوضحه بعد هذا بمعونة اللّه تعالى، فإذا زالت الأوصاف بالنزح وتجدد ماء طاهر في البئر وجب الحكم بطهارته؛ لأنه قد عاد إلى أصل الخلقة في التطهير بزوال أثر النجاسة، لقول ً: (( الماء لا يجنب)). وفي حديث آخر: (( الماء لا ينجس )). إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على طهارة الماء ما لم يتغير شيء من أوصافه، ولا يجب غسل الدلاء والقصاع لانغماسها في الماء الطاهر وزوال أثر الماء النجس عنها، ولا ما لاقى الماء النجس من أطراف الأرشية لزواله بالماء الطاهر، فأما وسط الرشا إذا كان قد أصابه من الماء الأول شيء فإنه يجب غسله، لكونه صار نجساً ولم يخالط الماء الطاهر لبعده عنه، فأما ما ترشش من رأس البئر من الماء النجس، فقد قال أصحابنا: إنه يجب غسله؛ لأن الماء النجس قد لاقاه، والماء الطاهر لم يصبه، فلهذا توجه غسله، وهذا يجب أن ينظر فيه، فإن كان باقياً على التغير فيما ذكرناه من الأوصاف الثلاثة أو في بعضها، فإنه يجب غسله؛ لأنه باق على النجاسة، وإن كان عند انفصاله من البئر زالت تلك الأوصاف كلها فهو طاهر لا يحتاج إلى غسل؛ لأنه ربما كان التغير لازماً له قبل الإنفصال من ماء البئر، فلما انفصل عنها زالت عنه بالكلِّيَّة، فلهذا كان طاهراً. وقد أسلفنا من قبل أن الماء إذا تنجس بتغير أوصافه ثم زال تغيره بالريح فإنه يكون طاهراً، فهكذا إذا زالت بالانفصال من غير تفرقة بينهما.
الفرع الثالث: في ماء البئر إذا كانت النجاسة غير ظاهرة عليه وكان قليلاً، فمتى كان على هذه الصفة، فهل ينجس ويجب نزحه أم لا؟ فيه مذهبان:

56 / 279
ع
En
A+
A-