في الملحوظة الثانية هذه، من الملحوظات على المخطوطة الأولى من كتاب (الانتصار) ضمن هذا التعقيب.. نرى الابتداء بتعريج جدير بالتسجيل، وهو أن ما يكاد يكون عادة متبعة وسنة ثابتة وسمة شائعة في المخطوطات اليمنية، هو وجود التعليقات والإضافات على هوامش كل مخطوطة. بل وعلى كثير من المخطوطات بعد طباعتها ونشرها، ولا نعني بهذه الهوامش التي تطبع مع المخطوطة فهي مفروغ منها، ولكن إضافة هوامش جديدة تُخَطُّ على جوانب صفحات الكتاب المطبوع من كتب التراث الفقهي بصفة خاصة. كما نجد مثلاً في (شرح الأزهار)(1) و (البحر الزخار) (2) وغيرهما.
ومن هنا.. يمكن أن نصنف هوامش المخطوطات بصورة عامة، في أصناف أو أنواع ثلاثة من حيث علاقتها بأصحابها بحسب ما لاحظناه:
الأول: ما يضيفه المؤلف نفسه إلى كتابه بعد أن ينتهي من تأليفه. وهذا النوع لا يكاد يخرج عن موضوع الكتاب وآرائه وغايته؛ إذ يقتصر على استدراكٍ أو توضيح موضوعي أو لفظي، أو رفع إبهامٍ محتمل، أو إيهام غير وارد، أو تنبيه إلى مواضع سابقة أو تالية، أو ما يرادف أياًّ منها ويجري في اتجاهه.
الثاني: ما يضيفه الفقيه المطلع أو الشيخ المدرس أو الدارس المدقق للكتاب أو مجموع هؤلاء وغيرهم من الفقهاء والدارسين، سواء في عصر المؤلف أو بعده، وسواء أكان ذلك بإيعاز أو إذن من المؤلف أم لم يكن بهما ولا بأيهما، وسواء اتفق مع رأي المؤلف أم اختلف معه، وهذا النوع يشمل كل أنواع وأصناف الهوامش وموضوعاتها وغاياتها.
__________
(1) للعلامة ابن مفتاح على متن الأزهار للإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى. مطبوع في أربعة مجلدات.
(2) للإمام أحمد بن يحيى سالف الذكر. مطبوع في ستة مجلدات.

الثالث: شرح وتفسير وتأصيل الكتاب في أحد اتجاهين عامين: في اتجاه رأي المؤلف توضيحاً وتعليلاً وإثباتاً. أو في الاتجاه المخالف بطرح المآخذ، وتتبع الثغرات والهفوات للمؤلف، كشفاً ونقداً وتحليلاً واعتراضاً. وغالباً ما يكون الأول من تلامذة أو مدرسة المؤلف، ويكون الآخر من جماعة الرأي أو المدرسة المقابلة المختلفة مع أبرز مذاهب المؤلف ومدرسته.
وفي هذه الحال فإن أياًّ من الحاشيتين (الهامشين) أو كلتيهما، غالباً ما تتحول إلى كتاب مستقل يرتبط عنواناً وموضوعاً، بعنوان وموضوع الكتاب المشروح أو المنقود. و (الحواشي) في كتب التراث العربي الإسلامي، أعرف من أن تُعَرَّف وأكثر من أن تُحَدّ، واشتهرت الحواشي أكثر في النحو وعلوم اللغة العربية والتفسير. فنجد مثلاً (حاشية المفتي)، (حاشية السيوطي)، و(حاشية أحمد)، وغيرها مما تعرف بحاشية (فلان على كتاب كذا) أكثر مما تعرف بعنوانها الذي وضعه مؤلفها، ولا تكاد تُعرف هوامش المخطوطات بغير الحواشي.
وأنبه هنا.. إلى أن الحواشي أو هوامش المخطوطات في اليمن، وحتى الآن لا تتوقف عند حد أو أحد. عند حد موضوعي أو زمني أو أحد من العلماء والفقهاء.. بل تستمر حتى بعد أن يُطبع الكتاب كما سبق إشارة وتمثيلاً، وذلك عادة وأسلوب واهتمام قائم على أسس نظرية ثابتة، لعل من أهم ما يجب ذكره منها هنا، ثلاثة أسس:
1- أن وضع الحواشي من اختصاص العلماء والمجتهدين بالذات، وليس لأي ملاحظ أو ذي رأي أن يخط على هامش الكتاب. ولذا فإن معظم -إن لم أقل كل الحواشي- تنسب إلى أصحابها وكتبها، وذلك أيضا، لأغراض علمية لا يستهان بها لديهم.

منها: توثيق الحاشية بإسنادها إلى صاحبها حتى تتحقق الثقة بها وباعتمادها، أو تفنيدها ضمن آرائه الموثقة، وتمييزها عن رأي المؤلف، وإدراجها ضمن مجموعة الآراء والاعتراضات والمآخذ على المؤلف التي تستخدم مجتمعة بصيغتها، مثل: (وخالفه فلان) في حاشيته، (أو تعليقه) على المسألة. بقوله: (...)، ويتم نسخ الحواشي مع الأصل عند نسخ الكتاب، كما ينقلها ويتناقلها الفقهاء والتلاميذ وغيرهم، في ما لديهم من نسخ الكتاب.
2- أن الحواشي لديهم جزء لا ينفصل عن الكتاب. فهم يراعونها في القراءة، والتدريس والنُّسَخ، خلا أنهم يؤخرونها في النسخ إلى ما بعد الانتهاء من الأصل. ويعتبرون النَّسْخ المجردة من الحواشي خصوصا فيما له حواشٍ كثيرة، نسخة ناقصة، فيقال مثلاً: اقرأ نسخة كذا فهي أكمل لأنها (محوشاة).
3- كما اصطلحوا على توثيق الحاشية بنسبتها في آخرها إلى صاحبها أو كتابها، مهما ظهرت صغيرة أو بسيطة، وذلك بأن يضاف في نهايتها رمز انتهائها، واسم مصدرها رمزاً أو تلخيصاً. مثل: (أهـ انتصار) بمعنى انتهى مأخوذاً من كتاب الانتصار. وقد تضاف إحدى كلمتي (ملخصاً) أو (بلفظه). أو ما يرادفهما، مثل (مختصراً) أو (بنصه). وهذا في آخر الحاشية. و (ملخص) أو (مختصر ما جاء في كذا) أو (ما أورده أو أفاده، أو ذكره...إلخ).
إلى جانب اعتماد البعض وضع عنوان للحاشية من العناوين العامة المتداولة. مثل (حاشية، نكتة، تعليق، فائدة، تنبيه).
حواشي المخطوطة:
أعود إلى هوامش النسخة الأولى المخطوطة من كتاب (الانتصار). وقد رأينا البدء بالتنبيه إلى الهوامش في المخطوطات اليمنية بصفة عامة، تناولة جديرة بإدراجها في هذا المكان، وذلك لإيضاح بعضٍ من أصول وصور الهوامش هذه، حتى يظهر الحديث عن حواشي أو هوامش المخطوطة الأولى مكتملاً وموثقاً ومؤصلاً بالقدر المتناسب مع موضع التناولة هذه وموضوع فقرتها.

وهنا.. يلاحظ المطلع أن هذه النسخة التي رمزنا لها بحرف (و) كما سبق إثبات هذا.. قليلة الهوامش، خصوصاً في الجزء الأول، وقد يَعِنُّ تساؤلان عن سبب قلة هوامشها:
- هل السبب آت من أن الناسخ لم يستكمل استقصاء ونسخ الهوامش كاملة كما جاء في الأصل؟
- أم أنها حالة تعود إلى الكتاب في أجزائه الثلاثة هذه التي تضمها النسخة؟ ونحن نرجح الاحتمال الذي تضمنه التساؤل الأخير، ودافع هذا الترجيح يتمثل في الاستدلال عليه من نواحٍ ثلاث:
الأولى: أن الذي أفدناه من قراءة واستقراء هذه النسخة الثلاثية الأجزاء، هو انطباع عن طابع عام لها، يؤكد حصافة الناسخ، ودقته في النسخ، وسنتحدث عنه في نهاية الحديث عن هذه النسخة، مما يؤكد أنه لم يدع شيئاً من الهوامش الموجودة في الأصل التي نقل عنها.
الثانية: أن النسخة التي تمت عليها مقابلة هذه النسخة بما احتوته في أجزائها الثلاثة، لا يكاد يوجد فيها شيء يتجاوز الندرة والنزر اليسير؛ إذ لم يستكمل ناسخها كتابة الهوامش، أو بتعبير أقرب إلى حالها، لم يبدأ الناسخ في نسخ الهوامش.
الثالثة: اتساع الكتاب (الانتصار) وقدرة مؤلفه على استيعاب كل الآراء والتخريجات والأقوال، كما سيأتي الحديث عنه بإذن اللّه.. لم يدع كبير مجال للهوامش. فهذه النواحي الثلاث لتأكيد استكمال الحواشي في هذه النسخة، قد تكون كافية لترجيح ذلك الاحتمال. وهي نواح تتعلق الأولى بحصافة الناسخ، والثانية باستقراء التحقيق، والثالثة باستيعاب المؤلف.
ونتناول حواشي هذه النسخة من جوانب ثلاثة شاملة للحديث عنها. وهي: الأنواع، والموضوعات، والغايات.
الأول: أنواع حواشي النسخة:
وتنحصر في ثلاثة أنواع:

1- إبراز عناوين الأصل في الهامش. والغرض من هذا تقريب البحث والتفتيش عن أبواب وفصول ومسائل الكتاب لرجوع القارئ إليه، وهي طريقة أو أسلوب متبع في المخطوطات، يحل محل الفهرسة للموضوعات، وإن كان لا يؤدي الغرض بنفس مستواها. ومن أمثلة ذلك في هذه النسخة:
(الباب الأول في المياه) ص28 (مسألة: إذا وقعت نجاسة في بئر نظرت) ص92.
(الفرع الثامن: المرأة إذا تمت ولادتها بوضع جميع ما في بطنها، وفيه ضروب خمسة) ص290.
وهذا النوع ليس شاملاً كل العناوين الواردة في المتن (القلب) هذا من ناحية، ومن أخرى فإن الناسخ لم يثبتها في كل النسخة، بل اقتصر على الجزء الأول، وحوالي مائة صفحة من الجزء الثاني. ولم يتجاوز في فهرس الحواشي هذه صفحة (290) من المخطوطة.
وبمناسبة كلمة المتن (القلب) التي أوردتها آنفاً، نشير إلى أنها مصطلح في قاموس المخطوطات المتداول، تعني قلب الصفحة، أو أصل الكتاب. ويقابل المتن.. الحاشية.
2- تصحيح وتدارك ما سقط سهواً من الناسخ، من كلمات أو جمل من الأصل وله رموز تحل محل الأرقام المشتركة بين الأصل والهامش في الطريقة الحديثة، وهي رموز عامة، سواء من حيث استخدامها في المخطوطات عموماً أو من حيث استخدامها لتصحيح النقص أو للهوامش الإضافية، ويستخدم ناسخ المخطوطة هذه في الأكثر رمزين يتناوبان في الهوامش: أحدهما على شكل حرف الحاء المربوطة في أول الكلمة (حـ)، إلا أنه يبالغ في مد خطها الأفقي. وهذا الرمز أكثر استخداماً لدى الناسخ هنا. والثاني متعامدان.. ولكنه لا يستخدم أحدهما في كل الهوامش، ولم يستخدم أياً منهما في إبراز العناوين، وهذا النوع من الهوامش وهو التصحيح لما سقط من الأصل، لا يدخل ضمن اسم الحواشي بمعناه الذي يتبادر إلى الذهن والفهم عند ذكر الكلمة؛ إذ أن معنى الحواشي مقصور على الإضافات.
3- الحواشي بمعناها المقصود الذي يعني الإضافات بمختلف موضوعاتها، وغاياتها.
الثاني: موضوعات الهوامش:

وموضوعاتها التفصيلية أكثر من أن تُحَدَّ كما هو معروف. ولكنا نقصد بهذا موضوعاتها من حيث متعلقاتها العامة. وعلى هذا فبالإمكان تحديدها في المفيد لتحقيق الغرض من إعطاء جانب الصورة الذي يلي الموضوعات من جوانب الصورة العامة للهوامش، ومن هنا، فإن الغرض سيتحقق من تصنيفها إلى ثلاثة أصناف من الموضوعات:
1- ما يتعلق باللغة.. أي بتفسير مادة أو مفردة،ٍ دلالة واشتقاقاً وتركيباً وشكلاً. فيقول مثلاً: في الدلالة (السبرة، الغداة الباردة، وجمعها سبرات) ص366. وفي الاشتقاق: (قال ابن الأثير: الأصل في التثويب، أن يجيء الرجل مستصرخاً فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر، فسُمي الدعاء تثويباً، وكل داعٍ مثوب. وقيل: إنما سمي الدعاء تثويباً من ثاب يثوب إذا رجع) ص 335. وفي الشكل: (ملحق، بكسر الحاء على المشهور، ويقال بفتحها، ذكره ابن قتيبة) ص 414. وفي التركيب أن يوضح أحرف الكلمة تمييزاً للمعجم عن المهمل... إلخ.
2- ما يتعلق بشكل الأسماء والأعلام. بتوضيح الطريقة الصحيحة، أو الطرق المختلفة لنطقها. وتركيبها، ومثل ذلك: (قلت: المقدس، كذا ضبطه الجوهري، وضبطه ابن بري المَقْدِس) ص347. وقد ضبط الشكل في الحاشية لكلمة (المقدس) في ذكر بيت المقدس، بحيث تنطق في الأولى بضم الميم، وفتح القاف، وتشديد (تضعيف) الدال المهملة مفتوحة. وفي الثانية بفتح الميم، وسكون القاف، وكسر الدال.
3- ما يتعلق بالمعاني المختلفة الأخرى.
الثالث: غايات الهوامش. وهي كثيرة، ولكن أبرز نماذجها قد لا يتجاوز غايات خمساً هي:
1- التوضيح لما جاء مبهماً في الأصل (القلب) مثل ما جاء في الأصل: (لما روي عن الرسول ً أنه جاءه رجلان أخوان أحدهما أكبر من الآخر..) ص461. فجاء الهامش وفيه: (وهما حويصة ومحيصة ابنا مسعود بن كعب، خزرجيان أنصاريان.. ذكره في الاستيعاب).

2- الاستدراك لما اشتهر أو ورد على غير وجهه الصحيح. مثل ما نقل بعض أصحاب الإمام الشافعي عنه من تفسيره لقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ واْنحَرْ} بأن المراد به وضع اليد على اليد تحت النحر في الصلاة، وهو ما نقله المؤلف، فجاء في الهامش: (قال صاحب (الفصيح) لثعلب: عهدة هذا التفسير على قائله، وأنكره على الشافعي جداً وزيفه) ص397.
3- التتمة لرأي أو قول أو نص.. مثل (قال في التحرير: إلا أن يتعمدهما) ص441. تتمة للرأي الوارد في الأصل بأن السعال والعطاس لا يفسدان الصلاة.
4- التصحيح لسهو وقع فيه المؤلف أو الناقل للرأي أو الراوي للحديث أو الحدث. وذلك مثل ما ورد في الأصل حول عدم كراهة الصلاة خلف العبيد والموالي. محتجاً بأدلة، منها أن عمر بن الخطاب جعل الخلافة شورى في ستة منهم سالم مولى أبي حذيفة. وجاء الهامش مصححاً بقوله: (المعروف أن عمر رضي اللّه عنه قال: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لاستخلفته..) ص462. ليؤكد أن سالماً لم يكن ضمن الستة.
5- التعقيب على قول أو رأي لزيادة معناه إيضاحاً، ويدخل ضمن التنبيه والاعتراض. وهي غايات متداخلة ومتقاربة، وفي هذه النماذج إشارة كافية.
الثالثة: خطها:
والمقصود بكلمة (خَطِّها) هنا، المصدر من الفعل (خَطَّ) مضافاً إلى مفعوله، والغرض من العنوان، هو محاولة رسم صورة لشكل النسخة هذه من خلال الملامح البارزة لها، وتتركز هذه الفقرة في شقين هما: طريقة الناسخ، والشكل الخارجي للنسخة.
الشق الأول: طريقة الناسخ:
وهي في معظم إن لم نقل في كل ملامحها، طريقة ليست خاصة به، بل تشمل في مجموعها كل المخطوطات التراثية اليمنية. والفوارق تظل نسبية فيما بينها، بالقدر الذي يمكن به تمييز كل مخطوطة وناسخ عن مخطوطة أخرى وناسخ آخر. ولذا نحرص على أن نركز على إبراز هذا القدر المميز بصفة خاصة وفي الملامح الآتية لهذا الشق وبدون كثير اهتمام بترتيب شيء منها:

1- نوع الخط. لا يكاد يخرج كثيراً عن النوع المسمى (بالنسخ) وهو أشهر وأكثر أنواع الخط في المخطوطات اليمنية، والفوارق في نوعه هنا لا تتعدى الطابع العام له في تلك المخطوطات والطابع الخاص الذي يميز ناسخاً عن آخر.
2- حجم الحرف. يمكن أن يحدد بطريقة تقريبية، بأنه يتراوح بين مقاسي (12 - 14) في مقاس الطباعة القديمة، وهو مقاس المتن العام في النسخة، ويكبر الحروف في ثلاثة أحجام تقريباً، وذلك في العناوين الكبيرة والمتوسطة والصغيرة لموضوعات الكتاب. مثل: الباب والفصل والمسألة والفرع، والمذهب والقول... إلخ. ويستخدم الحبر الأحمر في معظم هذه العناوين، والأسود فيما عداها من المتن عموماً.
3- حجم الصفحة، وقد سبقت الإشارة إلى أن المعدل العام للصفحة الواحدة أربعون سطراً، سعة السطر خمس وعشرون كلمة، أي بمعدل ألف كلمة في الصفحة، ومقاس الصفحة (28 × 20) لكامل الصفحة، تشغل الأسطر منها (23 × 16 سم)، والبقية للهوامش. مع الأخذ في الاعتبار لأمرين:
أولهما: أن النسخة قد تآكلت من أطرافها؛ إذ يزيد عمرها عن خمسمائة سنة (885-1412هـ).
وثانيهما: أن الناسخ لا يتوقف في أثناء السطر عند انتهاء فقرة وبداية عنوان موضوع آخر، ولا يدع سطراً واحداً من الفراغ، بل يواصل الأسطر متتالية من بداية النسخة إلى آخرها، فيما عدا نهايات أجزائها الثلاثة. ويحسن التنبيه إلى ملاحظتين تتعلقان بالصفحات:
أولاهما: عدم وجود الترقيم للصفحات، وقد تم ترقيم النسخة هذه عند تصويرها، وهي الأرقام التي نشير إليها عند تسجيل موضع النص.
ثانيتهما: الاستغناء عن الأرقام بكتابة الكلمة الأولى من الصفحة في نهاية الهامش الأسفل من الصفحة السابقة لها، وهو ما يسمى في مصطلح المخطوطات بـ(القيد) بمعنى ربط الصفحات بحسب تتاليها، بحيث يعول على هذا التقييد في ترتيب الصفحات.

وكلتا الملاحظتين داخلة ضمن طريقة القدماء في نسخهم للكتب. والاستغناء بالقيد عن الترقيم، يماثل الاستغناء بإبراز العناوين أو بعضها على الهامش، عن الفهارس في المخطوطات. وهذا ينطبق أيضاً على هذه النسخة كما أسلفت، إضافة إلى عدم وجود أية ملاحق أخرى فيها مما يرتبط بموضوع ومتن الكتاب.
4- الفواصل، والنقط. حظ هذين الملمحين في هذه النسخة، حظ عاثر وغائر، فالفواصل غير موجودة إطلاقاً، لدرجة أنه يكتب العنوان بخط بارز مكبر، مثل: الباب، الفصل، المختار، الانتصار، ...إلخ، بعد الكلمة الأخيرة من المبحث السالف، دون نقطة أو فاصلة بينهما. إلا أنه يضع أحياناً في نهاية المبحث علامة الانتهاء الشائعة في بعض المخطوطات، وهي حرف (هـ) أو ما يشبهها. وهي رمز مختصر لكلمة(انتهى) كما سبق المرور بها. وهذه حالة نادرة لا تقوم عليها قاعدة بالنسبة لهذه النسخة. ومعروف أن الفواصل جاءت في عصور متأخرة، وأنها منعدمة في المخطوطات التراثية بأشكالها وصفاتها ووظائفها الموجودة الآن. ولكن كثيراً من المخطوطات يُستخدم فيها بعض العلامات الفاصلة بين العناوين الرئيسية والفرعية على الأقل. كما سبق الحديث عنها.

وفيما يخص النَّقْطَ، أو العَجْمَ للحروف (المستعمل للتمييز بين المعجم والمهمل منها) فإن حظها أسوأ من سابقتها، ليس لانعدامها فهي موجودة في هذه النسخة، ولكن لقلتها إلى حدود الندرة، نظراً للحاجة إليها أكثر من نقط وفواصل الجمل؛ كون الأبجدية كما هو معروف ثمانية وعشرين حرفاً، منها اثنان وعشرون حرفاً لا تتميز عن الاشتباه بين معجمها ومهملها إلا بالنقط. (وما يتميز بدون ذلك منها، ستة فقط؛ هي: الألف مطلقاً ومهموزاً، والكاف واللام والميم والواو والهاء) وهذا ما يجعل اشتباه القارئ وتشابه الحروف يتكرر في كل كلمة أو كلمتين أو ثلاث على الأكثر. وهي مشكلة تواجه المحقق أيضاً لا يتجاوزها إلا بالإلمام النسبي بالموضوع أولاً، وبمعرفة الكلمة من سياق المعنى ثانياً، وبالفهم لمصطلحات وأساليب المؤلفين القدماء من جهة، والمؤلف لهذا الكتاب من جهة ثانية ثالثاً، وبالدربة على طريقة الناسخ في رسم الحروف رابعاً.
ولا نقصد بهذا أن نصور النسخة، وكأنَّ قراءتها ضرب من فَكِّ الألغاز وحل (الشيفرات)، لا.. ليس هذا المقصود، فالخط واضح وبإمكان أي قارئ قراءته، ولكن المقصود هو توضيح شكل النسخة في هذا الجانب بحيث تصعب قراءتها بفهم الكلمات كما وضعها المؤلف لمن لم يتوسل إليها بالوسائل الأربع الآنفة الذكر، ولو في أدنى حالاتها؛ إذ أن النسبة المحذوفة من نقط الحروف في هذه النسخة يصل معدلها إلى أكثر من النصف، وهو معدل يحتمل الزيادة لا النقصان.
وتجدر الإضافة هنا، لملامح مصطلح عليها في عَجْم الحروف في المخطوطات والوثائق التراثية في اليمن. وتكاد تنحصر كما أعرف حتى الآن في نوعين:
أولهما: عجم أو نقط حروف مهملة وغير معجمة في مصطلح الأبجدية الشائع اليوم في كل الأقطار العربية، وهما حرفان: الدال والطاء المهملان. بحيث يُعجم كلاهما بنقطة من تحت تقابل عجم نظيره (الذال والظاء) في النقطة، وتخالفه في الموقع.

5 / 279
ع
En
A+
A-