الصورة الأولى: إذا كان هاهنا رجلان معهما إناءان أحدهما نجس لزمهما التحري، فإن تحريا فأدى اجتهاد كل واحد منهما إلى التوضؤ بكل واحد من الإناءين، فإنه يلزمهما استعمالهما؛ لأنه إذا أدى اجتهادهما إلى ذلك، فإن توضأ كل واحد منهما بما أدى إليه اجتهاده لم يجز لأحدهما أن يأتم بالآخر في الصلاة عند أئمة العترة، وهو قول أكثر الفقهاء: أبي حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك.
وحكي عن أبي ثور جواز ذلك.
والحجة على ذلك: هو أن كل واحد منهما لما أعمل فكره في التحري، فإنه يعتقد أن الآخر قد توضأ بالماء النجس فلا يجوز له أن يأتم بمن يعتقد ويغلب على ظنه أنه متلوث بالنجاسة وأنه في غير صلاة.
والحجة لأبي ثور، هو أن كل واحد منهما صحيح الصلاة في نفسه لنفسه، فلم لا يجوز أن يصلي خلف من صلاته صحيحة لنفسه؟
والمختار: ما قاله أبو ثور.
والحجة على ذلك: هو أن الحق أن الآراء صائبة في الاجتهاد، وإذا كان الأمر كما قلناه فصلاة كل واحد منهما صحيحة عند نفسه لنفسه لا محالة، فلهذا فإنا لا نَأْمُرُهُ بقضائها بعد تأديتها على هذه الصفة، ولا يُعَدُّ تاركاً للصلاة، فالإمام صلاته مجزئة بالاتفاق، والمأموم يجب أن تكون صلاته مجزئة أيضاً؛ لأنه مُصَلٍّ خلف من صلاته صحيحة عند اللّه تعالى.
الانتصار: قالوا: المأموم يعتقد فساد صلاة الإمام فلا تجوز له الصلاة خلفه.

قلنا: هذا فاسد؛ لأن اعتقاده بفساد صلاة الإمام لا يقطع الائتمام به من جهة أن عنده أن صلاة الإمام صحيحة لنفسه فليس أحد الاعتقادين بالعمل عليه أحق من الآخر، فلا يمتنع من الصلاة خلفه [لاعتقاده] لفسادها، بالإضافة إلى المأموم بأولى من أن يقتدى بصحة صلاته، بالإضافة إليه في نفسه من غير تفرقة، ثم إن ما ذكرتموه يؤدي إلى خرق الإجماع بتقدم المرضي للصلاة ورعاً وديناً، والتخلف عنه لغير موجب يمنع شرعاً. وسيأتي لهذه المسألة مزيد تقرير نكشف الغطاء فيه عن سرها وحقيقتها بمعونة اللّه تعالى. فإن صلى أحدهما بالآخر على رأي من منع من ذلك، صحت صلاة الإمام لكونه مستقلاً بنفسه من غير متابعة، وبطلت صلاة المأموم لكونه متابعاً.

الصورة الثانية: إذا كانت الأواني ثلاثة نظرت، فإن كان الطاهر منها واحداً وكانوا ثلاثة فتوضأ كل واحد منهم بواحد من الآنية الثلاثة، لم يجز لكل واحد منهم أن يأتم بالآخر على رأي من منع من ذلك، من جهة أن كل واحد منهم يغلب على ظنه أن غيره متوضئ بالماء النجس فلهذا لم تجز الصلاة خلفه. وإن كان الطاهر منها اثنين، جاز أن يؤمهم أحدهم، فإذا صلى بهما الصبح صحت صلاتهم جميعاً، من جهة أن كل واحد منهم يظن أنه توضأ بالماء الطاهر، ولا يُخَطِّىء إمامه في اجتهاده ولا يقول: إنه قد توضأ بالنجس، فلهذا صحت صلاتهم أجمع لما ذكرناه، لأنهم لما قدَّموا الإمام حكموا بصحة صلاته، وهما إناءان طاهران فواحد استبد به الإمام وواحد كل واحد من الرجلين يظن في نفسه أن متطهر به، فلأجل هذا التقرير حكمنا بصحة صلاتهم معاً(1). وإن صلى بهم رجل منهم الظهر صحت صلاة الإمام؛ لأنهم لما قدموه فقد حكموا بصحة صلاته وصحة صلاة إمام الصبح؛ لأنها قد صحت من قبل فلا يتغير حكمها بعد ذلك، وتفسد صلاة الثالث لأنهما إناءان طاهران وقد استبد كل واحد من إمام الصبح وإمام الظهر بكل واحد منهما، وتعين حكم النجاسة على الثالث ففسدت صلاته، فإن صلى بهم الثالث العصر صحت صلاته لنفسه؛ لأنهم لما قدموه حكموا بصحة صلاته؛ ولأنه مستقل بنفسه غير مقيد بغيره، وبطلت صلاة الآخَرَين خلفه لأجل اقتدائهما بمن قد تعينت النجاسة في وضوئه، فلهذا بطلت لأجل الاقتداء.
__________
(1) هكذا في الأصل: والمراد (صلاتهم جميعاً) واستخدم المؤلف كلمة (معاً) بعد الجمع كما يستخدم التأكيد بكلمة (جميعاً) بعد المثنى. وقد جاءت الأخيرة في القرآن الكريم في قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً} و(معاً) في الأولى ربما جاءت باعتبار الطرفين، والله أعلم.

الصورة الثالثة: أن تكون الأواني أربعة، فإذا كان كذلك نظرت، فإذا كان الطاهر منها واحداً لم يجز لكل واحد منهم أن يأتم بالآخر من جهة أنه لا فسحة للظن في صحة طهارة واحد منهم وتجويزها، إذ الطاهر ليس إلا واحداً منها كما فرضناه على رأي المانعين من ذلك، وإن كان الطاهر منها اثنين وصلى كل واحد منهم صلاة بالآخرين فصلاة الصبح صحيحة لهم جميعاً، لأنهم لما قدموا الإمام حكموا بصحة صلاته وأنه متوضئ بالماء الطاهر، وبقي إناء واحد، كلُّ واحد منهم يجوز أنه توضأ به فلا جرم كانت صحيحة في حقهم معاً لظهور الاحتمال والتجويز في الصحة، وصلاة الظهر صحيحة لإمام الصبح؛ لأنها لا تَتَغَيَّر عما هي عليه في الصحة، وصلاة إمام الظهر صحيحة؛ لأنهم لما قدموه فقد حكموا بصحة صلاته، وصلاة العصر والمغرب صحيحتان لإمامهما دون المقتديين، لأن الإناءين الطاهرين قد استكملا في حق إمام الصبح والظهر وليس هناك طاهر سواهما، فبطلان صلاة المأمومين حاصل لأجل الاقتداء؛ لأنهما مصليان خلف من يظنان أنهما متلوثان بالنجاسة غير متوضئين فبطلا. وإن كان الطاهر منها ثلاثة وصلى كل واحد منهم بأصحابه، فصلاة الصبح والظهر صحيحة لكل واحد منهم؛ لأنهم لما قدموهما فقد حكموا بصحة صلاتهما وبقي إناء واحد طاهراً، كل واحد من المأمومين يمكن أن يتوضأ به فلأجل هذا حكمنا بصحة صلاتهم أجمعين. وأما صلاة العصر فإنها صحيحة لإمامي الصبح والظهر ولإمام العصر أيضاً، من جهة أنهم لما قُدِّموا فقد حُكِم بصحة صلاتهم واستُكملت الآنية في الطهارة، وتبطل في حق المؤتمين في صلاة العصر لأجل الاقتداء؛ لأنهم مؤتمون بمن عندهم أنه غير مُطَهَّر.

الصورة الرابعة: إذا كانت الآنية خمسة نظرت، فإذا كان الطاهر منها واحداً والباقي نجس، لم يجز أن يأتم كل واحد منهم بصاحبه؛ لأن كل واحد عنده أن صاحبه متطهر بالماء النجس إذ لا طاهر منها سوى واحد، وإن كان الطاهر منها اثنين فصلاة الصبح صحيحة في حق الجميع وصلاة الظهر صحيحة في حق إمامها وإمام الصبح، وتبطل في حق الباقين من أجل الاقتداء، وأما صلاة العصر والمغرب والعشاء فتصح لكل واحد ممن كان إماماً فيما قبلها وتبطل في حق المؤتمين لأجل الاقتداء. فإن كان الطاهر منها ثلاثة صحت صلاة الظهر والعصر للجميع منهم، وتصح صلاة العصر لإمامها وإمام الظهر وإمام الصبح وتبطل في حق المؤتمين في المغرب والعشاء. وإن كان الطاهر منها أربعة فصلاة الصبح والظهر والعصر صحيحة في حق الجميع منهم وتبطل صلاة المؤتمين في المغرب والعشاء من أجل الاقتداء.
فكلما كان الطاهر من الأواني واحداً فلا وجه للاقتداء بحال، وإن كان الطاهر اثنين جاز لكل واحد أن يصلي خلف واحد لا غير، وإن كان الطاهر منها ثلاثة جاز لكل واحد منهم أن يصلي خلف اثنين منهم وهلم جرا، وإن كثرت.
فالمعيار الضابط للمسألة: أن الطاهر إذا كان واحداً امتنع الائتمام مطلقاً؛ إذ لا مساغ للظن في طهارة من عدا هذا الواحد بخلاف ما إذا كان الطاهر اثنين، فواحد يستبد به الإمام وواحد كل من المؤتمين يجوز أن يكون متطهراً به، فلهذا صحت في حق الجميع، فصلاة من قُدم للإمامة تكون صحيحة بكل حال؛ لأنه لما قُدم حكم على صلاته بالصحة، وأن النجاسة حاصلة في حق غيره، وأما المؤتمون فإن كان في عدة الأواني الطاهرة فسحة تكفي للإمام والمأمومين، صحت صلاتهم جميعاً وإن كانت غير كافية صحت صلاة المقتدى به وبطلت صلاة المقتدين.
مسألة: تشتمل تنبيهات ثلاثة:
التنبيه الأول: في بيان كيفية ورود التعبد في الأحكام.

اعلم أن التعبد في الأحكام التكليفية ربما كان بالعلم اليقيني، وربما كان بالظن، فهذان مجريان نذكر ما يتوجه في كل واحد منهما؛ لأن لهما تعلقاً خاصاً بما نحن فيه:
المجرى الأول منهما: أن يكون التعبد وارداً بطريق العلم دون الظن، وهذا يكون تارة في المسائل الدينية وتارة في المسائل الأصولية، ومرة يكون في المسائل الفقهية، فلا ينفك عن هذه الأمور الثلاثة:
فأما الدينية: فنحو العلم بالله تعالى وصفاته، وما يجب له وما يجوز له وما يستحيل عليه من الصفات، ونحو العلم بصدق الأنبياء وأحوال المعاد الأخروي، وغير ذلك من المسائل الدينية. فهذه الأمور كلها مستندها العلم القطعي لا يقوم غيره مقامه.
وأما الأصولية: فنحو العلم بوجوب العمل على الأخبار الآحادية، وكون الأقيسة النطرية معتمدة في تقرير الأحكام الشرعية، ونحو أن في اللغة لفظة موضوعة للعموم، وأن الأمر للوجوب، إلى غير ذلك من المسائل الأصولية.
وأما الفقهية: فنحو الشهادات، فإن مستندها العلم القاطع فلا تجوز الشهادة إلا بما يعلمه ويتحققه مشاهدة، أوغير ذلك من طريق العلم، ولا تجوز الشهادة بالظنون إلا في بعض الصور سنقررها في باب الشهادات بمعونة اللّه تعالى. ونحو النكاح فإنه لا يجوز الوطء إلا بعلم أنها غير محرمة عليه.
والأصل في هذه القاعدة أن كل ما كان الوصول فيه إلى العلم ممكناً وجب تحصيل العلم به، وكل ما لا سبيل إلى العلم به فغلبة الظن كافية فيه.
قال المؤيد بالله: ومن كان معه عشرة أثواب وعلم أن فيها ثوباً نجساً فإنه تجب عليه الصلاة في ثوبين منها ليكون الفرض ساقطاً بيقين. وهكذا نقول فيمن كان معه عشرة أثواب نجسة وفيها ثوب طاهر؛ فإنه يجب عليه أن يصلي فيها أجمع ليكون الفرض ساقطاً عن ذمته بيقين وقطع، فهذه المسائل كلها، التعبد فيها بالقطع والعلم دون الظن، وهي مستوية في ذلك كما أوضحناه.
المجرى الثاني: ما كان التعبد فيه وارداً بالظن.

وهذا هو معظم أحكام الشريعة فإنها جارية على الظنون في أكثر العبادات والمعاملات. وهذا نحو الحكم بالشهادة فإن مستندها الظن بصدق الشاهدين، ونحو مراعات الظنون في طهارة الأشياء ونجاستها، ونحو الأخبار المعول عليها في جميع الأحكام الشرعية فإنها مثمرة للظن لا غير، في الصلوات والحج والصيام وغير ذلك.
وهكذا الكلام في الأقيسة فإنها معمول بها في تقرير الأحكام الفقهية، والعمل على الأخبار الآحادية والأقيسة قد قال به الأكثر من الأمة، ولم ينكر العمل عليهما إلا شواذ من الأمة لا يُلتفت إلى كلامهم، والمنكرون للأقيسة أكثر من المنكرين لأخبار الآحاد؛ لأن الأخبار الآحادية مستندها الشارع، والأقيسة النظرية مستندها نظر القائسين، وكلها معمول عليها عند أئمة العترة والنظار من علماء الأمة، والكلام على هاتين القاعدتين قد قررناه في الكتب الأصولية.
التنبيه الثاني: في بيان الظن المعمول عليه في الأحكام الشرعية.
واعلم أن ماهية الظن هو تغليب في القلب على أحد المُجَوَّزَين ظاهري التجويز.
فقولنا: تغليب، نحترز به عن سائر الاعتقادات فإنها جزم وليست تغليباً.
وقولنا: في القلب؛ ليكون عاماً لمن قال: إن الظن أمر يفعله الإنسان في قلبه، ولقول من قال: إن الظن أمر يوجبه القلب عند حصول الأمارة.
فالأول: مذهب الشيخ أبي هاشم وأصحابه.
والثاني: مذهب أبي الحسين البصري وأصحابه.
فإذا قلنا فيه: تغليب في القلب، كان شاملاً لهما جميعاً.
وقولنا: على أحد المجوزين؛ لأن الظن إنما يكون متعلقاً بصفات الشيء وأحكامه ولا يكون متعلقاً بأصل حقيقته أصلاً، فالأمران المجوزان إنما يكونان في الصفات والأحكام، ولهذا فإن زيداً يمكن أن يكون في الدار ويمكن أن يكون في المسجد، فإذا أخبرك مخبر بكونه في أحدهما فقد غلب خاطرك على ما كان ممكن الوقوع وهو كل واحد من الأمرين.

وقولنا: ظاهري التجويز، نحترز به عن اعتقاد التقليد فإن المقلد وإن كان يجوّز خلاف ما هو عليه من التقليد، لكن تجويزه ليس ظاهراً جلياً، بل هو مصمم على ما قد اعتقده من ذلك، وإن جوز خلافه فإنما هو من حيث كونه ممكناً في ذاته لا أن المقلد يعتقده ويظهر اعتقاده، وإنما تجويزه يكون خفياً غامضاً، فهذه ماهية الظن.
فإذا تمهدت هذه القاعدة، فاعلم أن الظن المراعى في تقرير الأحكام الشرعية والتكاليف العملية ضربان، نذكر ما يتعلق بحقائقهما بمعونة اللّه تعالى:
الضرب الأول منهما: الظن المطلق، وهو ما يكون تغليباً لأحد مُجَوّزيه من غير أن يكون فيه قوة تقارب العِلْم، وهذا نحو أن يخبر مخبر ثقة، بأن زيداً في الدار، فإن ما هذا حاله من الأمارات محرك للقلب في إثارة الظن وإحداثه، لمكان هذه الأمارة، وعلى مثل هذا تجري الأخبار المستعملة في أحكام الشريعة في الإيجاب والندب والكراهة والإباحة وأنواع التحليلات والتحريمات في جميع الفتاوى والأقضية والأحكام المستنبطة من تلك الأحكام.
الضرب الثاني: الظن الذي يقارب العلم، وهذا نحو أن يخبر مخبر ثقة بأن زيداً في الدار، ثم يخبره بعده مخبر آخر بأنه فيها، فما هذا حاله قد حصل الظن المطلق بخبر الثقة الأول، ثم إنه ازداد قوة بالخبر الثاني، فصار مقارباً للعلم بهذا المعنى، ومعنى كونه مقارباً للعلم، هو أنه ربما تقوت هذه الأخبار من جهة الثقات وبالقرائن حتى صار ذلك الظن عِلْماً، وخرج عن كونه مظنوناً؛ فالمخبر الأول يورث الظن المطلق ويبعث عليه، والمخبر الثاني يقوي الظن ويزيده قوة، ولا تزال هذه القوة تزداد بحسب المخبرين حتى ترتقي إلى درجة الذي لا يجوز خلافه، وربما ازداد قوة أيضاً بعد حصول القطع بمخبره إلى أنه يصير ضرورياً لا يجوز ورود الشبهة فيه. فهكذا يكون حصول الظن في موارد الشريعة ومصادرها لا محالة.

وأما الشك: فهو عبارة عن تصور ماهية الشيء وحقيقته من غير أن نحكم عليها بنفي أو إثبات، فمن تصور ماهية العالم وحقيقته من غير أن يحكم عليه بقدم ولا حدوث، فهو شاك فلا تحصل له هذا الصفة إلا متى تصور الماهية وخلا عن اعتقاد حكم من أحكامها، فمتى علم حدوث العالم بالنظر أو بالضرورة أو بالاعتقاد أو بالظن، فقد خرج عن كونه شاكاً وكان عالماً أو معتقداً أو ظاناً، وبطل الشك لانتفاء ماهيته. فقد وضح لك بما ذكرناه ماهية كل واحد من الظن والشك ومعرفة الظن المطلق والظن المقارب.
التنبيه الثالث: في الكلام على الشيخ علي بن الخليل ) والقاضي أبي مضر ) من أصحابنا.
واعلم أنهما قد ذكرا: أن الظن الوارد على المكلف على ثلاثة أقسام:
أحدها: الظن المطلق الذي ليس بغالب.
والثاني: هو الظن الغالب لكنه غير مقارب للعلم.
والثالث: الظن المقارب للعلم.
__________
(1) علي بن محمد الخليلي الزيدي، الجيلي، الشيخ الجليل، قال في المستطاب: هو من أتباع المؤيد بالله. أخذ عن القاضي يوسف، وله مؤلفات منها: (الجمع بين الإفادة والإفادات)، وله المجموع المشهور (المعروف بمجموع علي خليل). وهو مجلدان، كما روي عن الإمام المهدي، كان في أوائل المائة الخامسة. هكذا جاء في مقدمة الأزهار، ولم نعثر له على تاريخ محدد.
(2) شريح بن المؤيد القاضي الجيلي أبو مضر، من أتباع المؤيد بالله من أعلام الزيدية، وله مؤلفات في الفقه منها: (أسرار الزيادات). عاش في المائة الخامسة للهجرة. وكتابه (شرح الزيادات) أحد مراجع الأزهار.

فإذا كان التجويز الوارد على الشيء والاحتمال الواقع فيه يستوي طرفاه، فإن كل واحد من الاحتمالين ظن، إلا أنه ليس بظن غالب، وإنما هو ظن مطلق، فإذا وُجِد الرجحان في أحد الاحتمالين على الآخر فإن أرجح الاحتمالين ظن غالب والاحتمال الآخر شك، فإن قوي الرجحان في أحد الاحتمالين وضعف الشك في الاحتمال الآخر فهو ظن غالب مقارب للعلم. ثم جعلا مثال الظن المطلق وهو الشك، الظن بنجاسة سراويل المجوسي. ومثال الظن الذي ليس مقارباً للعلم: أن يخبر مخبر بنجاسة سراويل المجوسي وأنها قد أصابتها نجاسة. ومثال الظن الذي يكون مقارباً للعلم: نحو أن يخبر مخبران وثالث بأن سراويل المجوسي قد أصابتها نجاسة، فإذا اجتمع هذا الخبر إلى الخبر الأول قوي هذا الاحتمال وضعف الاحتمال الآخر جداً، فصار هذا الاحتمال الأرجح والأقوى، ظناً غالباً مقارباً للعلم إلى آخر ما ذكراه في تقرير هذه القاعدة.
واعلم [أن] كلامهما هاهنا، قد وقعت فيه استدراكات عليهما، ونحن نذكرها ونفصل ما قالا فيه بمعونة اللّه تعالى:
الإستدارك الأول: قولهما: إن الشك من قبيل الظنون، وهذا فاسد لوجوه ثلاثة:
أما أولاً: فلأن الشك من قبيل التصور وهو العلم بحقائق الأشياء وماهياتها والكف عن اعتقاد شيء من أحكامها كما مر تقريره، والظن جنس برأسه ليس من قبيل الاعتقاد والتصور.
وأما ثانياً: فلأن الظن لا حكم له في جلب النفع ودفع الضرر، إلا إذا كان صادراً عن الأمارات، فإن لم يصدر عنها كان لاحقاً بالظنون السوداوية التي لا يعول عليها عاقل، بخلاف الشك فإنه لا يفتقر إلى أمارة؛ لأنه في الحقيقة كف عن الحكم على الشيء بنفي أو إثبات فلا يفتقر إلى أمارة من أجل ذلك.

41 / 279
ع
En
A+
A-