وثالثاً: أن اعتماد الناس في هذا العصر، على القراءة المطبوعة في كل أو معظم ما يقرؤونه من كتب وصحف ومنشورات البحوث، وحتى الرسائل الرسمية.. قد جعل القارئ منا مطبوعاً ومتطبعاً عليها، فلا يكاد يواجه مخطوطة قديمة حتى يبدو كالطفل في بدايات تعلمه ومحاولاته فك المكتوب وقراءة كلماته بتكرار وبطء وصعوبة. وهذا بالنسبة لجيلنا الذي بدأ حياته العلمية في الفقه واللسانيات والعلوم الدينية في كتب معظمها من المخطوطات القديمة. أما الذين بدأوا تعلميهم في المدارس الحديثة، فإن الواحد منهم يكاد يستوي هو والأمي في التعامل مع المخطوطة. ولذا فإن قراءة المخطوطات القديمة، أصبحت حتى في البلدان العربية.. خبرة مستقلة تحتاج إلى كثير من التخصص والتدرب لكسبها تماماً، كما أصبح الخبراء فيها يوازون خبراء حل (الشيفرة) أو فك نصوص (المسند) في اليمن(1).
ورابعاً: النقط والفواصل التي تميز وتفصل بين أنواع الجمل والفقرات والنصوص.. في العصر الحديث أصبحت جزءاً من الكتابة وعنصراً أساساً فيها. بينما تخلوا منها المخطوطات القديمة تمام الخلو. وهذا الخلو يسبب كثيراً من تحريف المعاني والخلط فيما بينها، وفهمها فهماً خاطئاً، عند عدم التمييز بين الجمل المتتالية. وهذه النقط والفواصل تظل مشكلاً لا سبيل إلى الحئول دون وقوع القارئ العادي على الأقل في الخطأ في كل مكان تحتمل فيه جملة أو أكثر، أكثر من تفسير أو فهم واحد لمعانيها.
3- إضافة إلى أمور أخرى ترتبط بقراءة المخطوطة، ويلزم المحقق معرفتها وتسجيلها والإشارة إليها، بحسب ما يتطلبه كل واحد منها.. مثل: التعريف بالمخطوطة وبدايات ونهايات أجزائها واسم مالكها ومكانها المحفوظة فيه واسم ناسخها وتاريخ نسخها بداية ونهاية. إلى آخره.
__________
(1) المسند) يطلق على النصوص المكتوبة باللغة اليمنيه القديمة، وهو (القلم الحميري) راجع تاريخ آداب العرب للرافعي ج1 ص78.
4- تصحيح الأخطاء الواردة في المخطوطة بعد التأكد منها.
ثالثاً: استقراؤها:
من خلال التجربة التي مررنا بها في تحقيق هذا الكتاب، ومن بقايا الخبرة السالفة والممارسات المتفاوتة المتقطعة فيما يتعلق بالمخطوطات اليمنية.. فإن قراءة المخطوطة لغرض التحقيق بصفة خاصة، هي كما أوضحت آنفاً عنصر يتعلق بشكل الحروف والجمل وطريقة الرسم في نَسْخِ المخطوطة، بينما أن استقراء المخطوطة، ونقصد به الاستقراء أو التتبع الداخلي لأبواب وفصول وفقرات أصل النسخة ومتنها.. يتعلق بالنصوص والأساليب والمصطلحات، توثيقاً وترجمة وتوضيحاً. ويدخل ضمن ملاحق التحقيق. أبدأ في الحديث هنا عن استقراء النصوص في المخطوطة مما هو داخل ضمن مهمة التحقيق. والنصوص التي يبرزها الاستقراء والتي نقصدها هنا.. تأتي في أنواع وحالات ثلاث:
الأولى: حالة التوثيق للنصوص الواردة في المخطوطة (الكتاب)، لغرض الاستدلال والاستشهاد والتأصيل.
الثانية: حالة الترجمة.. وتشمل الأعلام والأماكن والكتب الواردة في المؤلف المخطوط. وكذا المدارس والجماعات.
الثالثة: حالة التوضيح. وتتناول المفردات اللغوية والعبارات أو الجمل المتشابكة المتشابهة، والمعاني المبهمة أو التي تظهر متناقضة أو ناقصة أو محذوفة أو مفروغاً منها.
ب - توثيق المخطوطة:
عند دأبنا في البحث عن مصادر تحقيق المخطوطة لهذا الكتاب لغرض توثيقها والتأكد من أنها الأوفى والأصح من حيث متنها (النص الأصل) وهوامشها وبدايات ونهايات أجزائها.. واجهتنا صعوبات شتى، وكان لا بد من توثيقها بكل الممكن في الفترة الزمنية المقبولة فترة لتحقيق الكتاب هذا.. مهما تكن شدة الصعوبات، طالما كانت في إطار وحدود الممكن. وكان ما يثير القلق والحيرة منها أشد مضاضة علينا مما تعنيه الصعوبات من جهود ومتاعب مادية أو عضوية. وكان مصدر هذه الصعوبات أو معظمها، يتمثل في جوانب، منها:
أولاً: أن كتاب (الانتصار) ليس مثل كثير من الكتب المخطوطة، من حيث حجمه واتساعه؛ كونه ثمانية عشر جزءاً تناهز حوالي ثلاثة آلاف صفحة مخطوطة كما قدرناها من خلال النماذج الموجودة، وذلك يغني عن شرح ما تحتاجه المخطوطة من زمن وجهد لفحصها وقراءتها واستقرائها أثناء التدقيق والتحقيق.
ثانياً: وليست الصعوبات الأهم ماثلة في حجم الكتاب واتساعه، ولكنها قبل ذلك في عدم وجود مخطوطته كاملة، وعدم العثور عليها في مكان واحد. وأنها بخط أكثر من ناسخ وعبر أكثر من زمن وجيل. ومع كل هذا فإن الأجزاء والبيانات التي بين أيدينا حتى الآن، تؤكد أن بعضاً من أجزائها لا يزال مجهول المكان والوجود. والتصنيف التالي يوضح النسخ والأجزاء والبيانات التي توفرت لتوثيق وتحقيق الأجزاء الأربعة الأُوَل.
المخطوطة الأولى (و):
1- الحجم:
تقع هذه المخطوطة في أربعمائة وتسع وثمانين صفحة، مقياس الصفحة (28 × 20سم). وتحتوي الصفحة الواحدة معدل أربعين سطراً. طول السطر (16سم). ويحتوي بمعدل وسط خمساً وعشرين كلمة. أي أن سعة الصفحة ألف كلمة تقريباً. وكما هو معروف في المخطوطات بصفة عامة، فإن الصفحة الواحدة من هذه المخطوطة، لا يوجد فيها فراغ يتسع لكلمة واحدة وحتى في بدايات ونهايات الأبواب والفصول وما شابهها. فيما عدا إبراز البدايات والعناوين من الباب والفصل والفرع والحكم والمختار والانتصار، بحروف مكبرة في الموقع الذي تصادفه من السطر. ولكن دون أن يدع الناسخ فراغاً. هذا بالإضافة إلى عدم وجود الفواصل والنقط، سواء في أواسط أواخر الجمل أو نهايات الفقرات والنصوص من الأدلة. إلا أن الناسخ يستخدم في حالات نادرة، علامة الوقف المصطلح عليها أو المتبعة عادة في المخطوطات القديمة، وهي حرف الهاء منفصلة ساكنة بشكلها الموجود في الأبجدية (هـ).. مع تشويشها أو تزويقها بنقط وخطوط من داخلها، حتى لا تكاد تميزها إلا بتأمل في الغالب.
ويجوز أن يكون حرف (هـ) هنا، مجرد شكل لا يعني غير علامة للوقف أو الفصل. تبعاً لاطراد العادة في استخدامه لدى النساخ. كما يجوز أن يكون رمزاً ناطقاً لانتهاء الفقرة أو النص، وهو مصطلح يكثر وجوده في المخطوطات القديمة في اليمن، كونه اختصاراً لكلمة (انتهى). وهو أقصد حرف (هـ)، أول ما استخدم علامة للوقف في نهاية الآيات في القرآن الكريم. وله حالة أخرى في المخطوطات، حيث يكون مسبوقاً بحرف الألف (ا هـ). بمعنى (انتهى). إلا أنه يأتي في نهاية النصوص المقتبسة أو المتضمنة من كتب أو أقوال أخرى. وتعني أن النص انتهى بلفظه، في الأكثر. وهذا ما لم يلتزم به الناسخ لهذه المخطوطة، بل يستخدم حرف (هـ) في المكان الذي يمكن أن نضع فيه نقطة أو فاصلة. وفي النصوص الشعرية، يضعه فاصلا بين شطري البيت وفي آخره. مما يؤكد أنه يستخدمه شكلاً فقط.
2- أجزاؤها.. وهذه النسخة تحتوي على ثلاثة أجزاء، هي:
الجزء الأول: من البداية إلى نهاية الصفحة ذات الرقم (183) مائة وثلاث وثمانين. ويبدأ من أول سطر في الصفحة الثالثة، حيث شغل الصفحة الأولى عنوان الكتاب واسم مؤلفه .. ونصه ورسم أسطره كما يلي:
(السِّفر الأول من كتاب الانتصار على علماء الأمصار في تقرير المختار من كلام الأئمة ومذاهب علماء الأمة في المسائل الفقهية والمضطربات الاجتهادية).
وتحت اسم الكتاب.. اسم المؤلف:
(مما ألفه إمام الأمّة الجامع لعلوم الأئمة (......) المؤيد برب العزة يحيى بن حمزة).
وفي آخر الصفحة الأولى، ثلاثة أبيات من الشعر تقول:
ترى فيها مسائل آل طه
أدر عينيك في ورقي ففيها
وتظهر كل غاب مدلهمٍّ ... تبرهن مشكل الأمر المريج
مسائل لم تُسَوَّدْ في الدروج
وتبكم كل ذي نطق حجيج
ولم يحدد قائلها، وفي هذه الصفحة هامش نصه:
(من كتب مولانا المتوكل على اللّه رحمه الله التي لا رسم فيها ولها حكمٌ ذكره في وصيته).
ولم يذكر اسم المتوكل على الله(1).
وفي الصفحة هوامش أو فوائد ليست من الكتاب ولا تبدو بخط الناسخ، وبداية الكتاب في هذه النسخة من بداية السطر الأول في الصفحة الثالثة.
(بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد لله وصلاة على سيدنا محمد وآله اللهم أعن ياكريم).
وفي السطر الثاني:
(الحمد لله القيوم الذي لا تستولي على كنه جلاله عميقاتُ مذاهبِ الفِكرِ والأفهام. المتعالي بكبريائه عن أن ترتقي إليه متاهات الظنون والأوهام). والكلمتان الأخيرتان في بداية السطر الثالث.
وفي أعلى الصفحة الثالثة هذه في الزاوية اليسرى .. تأريخ الابتداء بنسخ المخطوطة كما يبدو؛ إذ يعرف هذا بمجرد الفهم فقد اقتصر نصه على:
(كان الابتداء في أول العشر الأولى من ذي القعدة سنة أربع وثمانين وثمانمائة).
3- الناسخ:
في نهاية الجزء الأول بنهاية الصفحة (183). والذي انتهى بما نصه:
(وقد نجز غرضنا من بيان الفصول الثلاثة، التي اشتمل عليها باب الوضوء، من بيان فروضها وسننها وحكم الشك عند عروضه فيها. ونندفع الآن في شرح النواقض للوضوء، مستعينين بالله وهو خير معين). وتلاه بقلم الناسخ الإشارة إلى انتهائه من نسخ الجزء الأول، ثم أضاف تاريخ الانتهاء في ما نصه:
(تم الجزء الأول من كتاب الانتصار على علماء الأمصار والحمد لله رب العالمين) (وافق الفراغ من رقم هذا الجزء المبارك إن شاء اللّه تعالى عشية يوم الأربعاء الثامن من شهر سفر (صفر) الذي هو من شهور سنة خمس وثمانين وثمانمائة (مئة) سنة(2) من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام).
ويلي هذا من أول السطر ما نصه:
__________
(1) لم نعرف من هو المتوكل هذا؛ إذ ليس هناك أية إشارة يمكن الاعتماد عليها.
(2) هكذا في الأصل حرصنا أن ننقله كما هو بكل مصطلحاته وأخطائه الإملائية.
(كان ذلك بخط مالكه الفقير إلى اللّه تعالى، علي بن حسن الملقب بالخلوفة، ابن حسن بن محمد بن أحمد بن وهاس..). ثم يستطرد في ذكر نسبه إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ثم تابع في ذكر النسب إلى أن انتهى إلى (قصي بن كلاب بن مرة). ثم أضاف في تعريفه بنفسه قوله: (الزيدي مذهباً، والسليماني نسباً، والصبياني بلداً..) وفي آخر سطر:
(كان ذلك في مدينة صنعاء المحروسة حرسها اللّه بصالح عباده، بمسجد داود، والحمد لله وحده).
الجزء الثاني:
يبدأ من صفحة (185)، وفي الزاوية اليسرى من أعلى نفس الصفحة بخط الناسخ: (كان الابتداء يوم الجمعة العاشر من شهر صفر سنة 885هـ).
ويبدأ الجزء الثاني من السطر الأول بدون توقف:
(بسم اللّه الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلاة على سيدنا محمد الأمين وآله وصحبه أجمعين، اللهم أعن يا كريم.
الفصل الرابع في بيان الأحداث الناقضة للطهارة، قال الهادي في الأحكام: ينقض الوضوء ما خرج من السبيلين..).
وينتهي الجزء الثاني من هذه النسخة بنهاية الفصل الخامس في بيان صفة المؤذنين، وذلك في الصفحة (345) ثلاثمائة وخمس وأربعين، ولفظ نهاية الجزء:
(وإن أغمي عليه في حال الأذان بنى على أذانه وأتمه غيره..)، وبعد هذه النهاية مباشرة على لسان الناسخ: (قال الإمام المؤيد بالله أمير المؤمنين يحيى بن حمزة (أيده الله): وقد نجز غرضنا من باب الأذان، وبتمامه يتم الكلام في الجزء الثاني من كتاب الانتصار، ويتلوه في السفر الثالث، باب استقبال القبلة. وكان الفراغ من جمعه وتأليفه في حصن هران، في العشر الثالثة من شهر رجب الأصب من سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة).
وتلا هذا بخط الناسخ:
(وكان الفراغ من رقمه يوم الخميس عند قائم الظهيرة يوم الرابع والعشرين من شهر جمادى الأخرى سنة خمس وثمانين وثمانمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم. بخط مالكه...إلخ).
الجزء الثالث:
يبدأ من الصفحة (347).. من أول السطر مباشرة بقوله:
(بسم اللّه الرحمن الرحيم، والحمد لله وحده وصلاته على محمد وآله. الباب الثالث استقبال القبلة، قال الإمامان القسم (القاسم)- والهادي (عليهما السلام) يجب على كل مصلٍ أن يستقبل الكعبة..).
وينتهي الجزء الثالث من هذه النسخة، بنهاية الفصل الثالث في بيان موقف الإمام والمأموم... في الصفحة (487) بقوله:
(فقد وضح لك فيما ذكرناه أنهم لم يصنعوا شيئاً في إطلاق الإكفار بهذه المسائل، وأنهم ليسوا من التحقيق في ورد ولا صدر، وقد نجز غرضنا من بيان موقف الإمام من المأموم، ونشرع الآن في حكم الاقتداء ونختم به الكلام في صلاة الجماعة).
وعند نهاية الجملة الأخيرة بخط مكبر ما لفظه:
(تم الجزء الرابع من كتاب الانتصار على علماء الأمصار).
وعن يمينه بخط صغير أشبه بهامش لا يظهر أنه بخط الناسخ، ما نصه:
(تم الجزء الثالث..صح صح) وبعده بخط الناسخ:
(كان الفراغ من رقم هذا الجزء المبارك إن شاء اللّه تعالى، يوم الثلاثاء عند قائم الظهيرة، الثامن عشر من شهر رمضان المعظم المبارك، أحد شهور سنة خمس وثمانين وثمانمائة (مئة) سنة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. بخط مالكه...) ثم يضع الناسخ اسمه ونسبه إلى (المعافا).
4- تعقيب على هذه النسخة:
نوضح هنا بعضاً من نقط التعقيب التي لا مناص منها لتوثيق هذه النسخة من كتاب (الانتصار)، وتحديد محتواها، والإبانة عن بعض مواطن الغموض التي قد تكون موضع تساؤل المطلع والباحث بصفة خاصة. ونلخصها في إشارات أربع:
الأولى: أجزاء النسخة:
هذه النسخة كما سلف تضم أجزاء ثلاثة من كتاب (الانتصار) تقع كلها في مجلد واحد بقلم الناسخ علي بن حسن وهاس. وقد رمزنا لها بحرف (و)، الحرف الأول من (وهاس).
وكما يلاحظ المطلع، فإن فيها ما يثير التساؤل في صحة نهايات وبدايات الأجزاء الثلاثة، ونشير إليها في الآتي:
1- في نهاية الجزء الأول، لم يشر المؤلف إلى أن انتهاء الفصل الثالث من باب الوضوء، هو نهاية الجزء الأول. وإنما جاء ذلك بخط الناسخ في قوله: (تم الجزء الأول من كتاب الانتصار).
ولم توجد في بداية الجزء الثاني أيضاً إشارة من المؤلف إلى أن ذلك هو بداية الجزء الثاني. ولم يشر الناسخ أيضاً إلى بداية الجزء الثاني، وإنما اكتفى كما يبدو بما كتبه في الزاوية اليسرى من أعلى الصفحة الأولى من الجزء الثاني بقوله: (كان الابتداء يوم الجمعة..).
من هنا فإن الذي يمكن الاعتماد عليه في توثيق بداية الجزء الثاني في هذه النسخة الثلاثية، أمور ثلاثة:
أولها: نهاية الجزء الأول في الصفحة السالفة لبداية الثاني بما جاء في كلام الناسخ.
ثانيها: ترابط موضوع وفصول الكتاب، بحيث انتهى الجزء الأول بنهاية الفصل الثالث من باب الوضوء، ويبدأ الجزء الثاني بالفصل الرابع، وهذه النهاية والبداية، موثقتان بخط المؤلف في نهاية الأول، بقوله: (وقد نجز غرضنا من بيان الفصول الثلاثة التي اشتمل عليها باب الوضوء..) ثم (.. ونندفع الآن في شرح النواقض..). ويبدأ الجزء الثاني بنواقض الوضوء.
ثالثها: هناك احتمال كبير، أن ما جاء بعد نهاية الجزء الأول هو من كلام المؤلف لا الناسخ، وذلك قوله: (تم الجزء الأول...إلخ) رغم أن الناسخ لم يؤكد ذلك كما أكده في نهاية الجزء الثاني بقوله: (قال الإمام)...إلخ. إذ أن هذا الاحتمال قائم رغم عدم وجود ما يفيد التأكيد من نسبة هذه العبارة إلى المؤلف أو إلى الناسخ، هذا من ناحية، ومن أخرى فإن هذه العبارة: (تم الجزء الأول... إلخ) واردة بنصها في النسخة الثانية التي سيأتي الكلام عنها وهي في الغالب قد ترجح نسبتها إلى لفظ المؤلف، ولكنها لا تعطي الدليل الكافي، وخصوصاً إذا كانت النسخة الثانية نقلاً عن الأولى كما نحتمل هذا إلى درجة الظن الغالب، وسنشير إلى هذه النقطة عند الحديث عن النسخة الثانية، وعلى فرضنا لعدم وجود أدلة أخرى، فإن في هذه الأمور أو الأمارات الثلاث ما يوثق بداية الجزء الثاني.
2- في نهاية الجزء الثاني، توجد عبارة: (تم الجزء الثالث من الانتصار ويتلوه الجزء الرابع، باب استقبال القبلة). وذلك بعد توثيق نهاية الجزء الثاني. ويليه الثالث، وأوله (باب استقبال القبلة) بلسان المؤلف، ونقلاً للفظه. وهذه العبارة لا يعول عليها لأسباب ثلاثة:
أولاً: لأنها تتناقض مع ترتيب الكتاب موضوعات وفصولاً.
وثانياً: أن نهاية الجزء الثاني، وبداية الثالث مؤكدة في نفس المكان نقلاً عن المؤلف وبلسانه ولفظه.
وثالثاً: أن العبارة مكتوبة بخط صغير هامشي، ولا يظهر أنها بخط الناسخ.
3- وقد تكرر الخطأ في نهاية الجزء الثالث، ولكنه هنا بخط الناسخ؛ حيث أثبت أنه انتهى الجزء (الرابع)، وهو الثالث، وهذه وإن كانت أكثر قوة من سابقتها، كون هذه بخط الناسخ، وبحروف مكبرة، إلا أنه يسهل الحكم بخطئها أيضاً. وتعليل ذلك يظهر في الآتي:
أولاً: للأسباب التي تدحض سابقتها.
وثانياً: أن تحتها عبارة تصححها، ولفظها كما سبق (تم الجزء الثالث، صح صح).
وثالثاً: أن النسخة الثانية، وقعت في نفس الخطأ الحرفي أيضاً، ثم عاد ناسخها فشطب كلمة (الرابع) وترك ما كان كتبه من انتهاء الجزء الثاني، ويتلوه الثالث، مثبتاً كما هو.
4- أن هذه النسخة هي مجموع هذه الأجزاء الثلاثة الأُول من كتاب (الانتصار) ولا يوجد فيما بين أيدينا مما أتيح لنا الاطلاع عليه حتى الآن، سواء من النسخ أو البيانات عن نسخ لماَّ نحصل عليها بعد .. بقية أجزاء الكتاب الخمسة عشر بخط هذا الناسخ، كما سنوضح هذا الجانب فيما بعد.
5- النسخة الأم.. نقصد بها النسخة التي نُقِلَت عنها هذه النسخة، فقد جاء في نهايتها ما لفظه:
(الحمد لله، نسخت من نسخة من الانتصار بخط حي(1) القاضي العلامة الورع شرف الدين حسن بن محمد بن حسن النحوي رحمه اللّه تعالى وعلى تلك النسخة تصحيح حي السيد العلامة المحدث فخر الدين(2) عبدالله بن الهادي بن الإمام يحيى بن حمزة.. رحمهم الله). وعقب يقول فيها: (انتهت مقابلة ومعارضة وتصحيحاً على (أمها الصورة الأصل) حسب الطاقة والإمكان).
الثانية: هوامشها:
__________
(1) هذا الكلمة (حَيّ) بفتح الحاء وتضعيف الياء، من مصطلحات اليمنيين في التعبير عن المتوفى ـ وذلك بإضافتها إلى اسمه. كما هي هنا.
(2) من مصطلحات الألقاب في اليمن، وتطلق (فخر الدين) على من اسمه عبدالله، ومثلها جمال الدين لعلي، وعماد الدين ليحيى...إلخ.