قالوا: روى ابن عباس أن النبي ً قال: (( النبيذ وضوء من لم يجد الماء ))(1).
قلنا: إن هذا الحديث رواه المسيب بن واضح وهو ضعيف، وقيل: إنه وهم فيه، وإنما هو عن عكرمة وهو لم يشهد الرسول ً، فيكون موقوفاً عليه.
قالوا: روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: لا بأس بالوضوء بالنبيذ، ولا يقول مثل هذا إلا عن توقيف من جهة الرسول ً.
__________
(1) رواه البيهقي في سننه والدار قطني في مسنده. وجاء في (مجمع الزوائد) للهيثمي بلفظ: ((النبيذ وضوء لمن لم يجد غيره)).

قلنا: هذا ليس مشهوراً عن أمير المؤمنين وإنما يرويه الحارث الأعور )، وهو ضعيف، وقد قال الشعبي: هو كذاب، ورواه أيضاً مزيدة بن جابر )، وهو مجهول لا يُعَوَّل على حديثه.
قالوا: طهارة فلم تختص بجنس واحد، كالاستنجاء فإنه مخير فيه بين الحجر وغيره.
__________
(1) أبو زهير الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الخارفي (نسبة إلى خارف في حاشد باليمن) الكوفي، ويقال: الحوتي (بالمثناة من فوق) قال في تهذيب التهذيب: نسبة إلى حوت بطن من همدان. ا.هـ. ولعل الصحيح إلى حوث بالثاء المثلثة، مدينة في حاشد. روى عنه الحديث جماعة منهم: الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وعطاء. وضعفه جماعة من الرواة والفقهاء، ووصفه البعض بالكذب والمغالاة في حبه علياً عليه السلام. توفي سنة 65هـ. جاء في ترجمته في تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر ما لفظه: وقال ابن عبدالبر في كتاب (العلم) له، لما حُكي عن إبراهيم أنه كذب الحارث أظن الشعبي عوقب بقوله في الحارث: كذاب ولم يبن من الحارث كذبه، وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي. وقال ابن سعد: كان له قول سوء وهو ضعيف في رأيه...إلخ. وقال ابن شاهين في (الثقات): قال أحمد بن صالح المصري: الحارث الأعور ثقة ما أحفظه وما أحسن ما روى عن علي، وأثنى عليه. قيل له: فقد قال الشعبي: كان يكذب. قال: لم يكن يكذب في الحديث إنما كان كذبه في رأيه. وقرأت بخط الذهبي في الميزان: والنسائي مع تعنته في الرجال، قد احتج به والجمهور على توهينه مع روايتهم لحديثه في الأبواب، وهذا الشعبي يكذبه ثم يروي عنه، والظاهر أنه يكذب حكاياته لا في الحديث. ا.هـ. بلفظه ج2/127.
(2) هو مزيدة بن جابرالعبدي. روى عن النبي ً، وروى عن أبيه وأمه، وعنه: الحكم بن عتيبة، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، وحجاج بن أرطأة، وغيرهم. ا.هـ. (راجع تهذيب التهذيب ج10/92)، وهو مشتبه بآخر اسمه مزيدة بن جابر.

قلنا: نعارضه بقياس مثله، وهو أنا نقول: مائع لا يجوز الوضوء به في الحضر فلم يجز في السفر كالخل، أو مائع لا يجوز الوضوء به مع وجود الماء فلا يجوز مع عدمه كالخل، ثم نقول: لو كان النبيذ كالاستنجاء لكان مخيراً بين النبيذ والماء كما يُتخير في الاستنجاء وأنتم لا تقولون بذلك.
قالوا: الرجلان والرأس عضوان من أعضاء الوضوء فثبت فيهما بدل في الطهارة كالوجه واليدين.
قلنا: هذا فاسد بالمعارضة، فإن الوجه واليدين عضوان من أعضاء الوضوء فلا يثبت فيهما بدل كالرأس والرجلين، ثم نقول: لو كان الرأس والرجلان كالوجه واليدين كما زعمتم لثبت فيهما مقصوراً عليهما كما ثبت ذلك في الوجه واليدين، فلما كان بدلهما عاماً في جميع الأعضاء بطل القياس. على أن هذه الأقيسة التي أوردتموها لنصرتكم إنما هي من الأقيسة الطرديه التي لا يعول عليها، وما أوردناه من الأقيسة فهو مثلها، ولم نوردها اعتماداً عليها وإنما أوردنا معارضة الفاسد بالفاسد، وهو مقصد في الجدل ينتحيه النظار من الفقهاء ويجعلونه عمدة فيما هذا سبيله، فأما ما يُعوَّل عليه في تقرير الأحكام الفقهية ويُعتَمَد في مجاري المضطربات الاجتهادية، فهي الأقيسة المخيلة والشبهية، وستراها مقررة في أثناء هذا الكتاب وغضونه بمعونة اللّه تعالى وحسن توفيقه.
مسألة: الماء إذا تنجس بأي نجاسة كانت، فلا يجوز التطهر به عند أئمة العترة وفقهاء الأمة، على حد اختلافهم في كيفية تنجس الماء، ولا يعرف في ذلك خلاف، وهم وإن اختلفوا في الصلاة في الثوب النجس كما سنقرره، فلم يختلفوا في أنه لا يجوز التوضؤ بالماء النجس، والنبيذ وإن كان نجساً عندنا لا يحل شربه ولا التطهر به فإنه طاهر عند أبي حنيفة يجوز التطهر به كما سبق تقريره.

والحجة على ذلك: قوله تعالى: {وَالْرُّجْزَ فَاهْجُرْ}[المدثر:5]. والرجز: هو القذر والنجس، وعند مجاهد: هو الصنم. والأول هو المستعمل في اللغة، ومن استعمله في التطهر فلم يهجره، وقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ}[الأعراف:157]. ولم يفصل، وهو من جملة الخبائث، ومن توضأ به فلم يحرمه. وقوله ً: (( لا يبولن أحدكم في الماء الراكد )). ولم ينه عنه إلا من أجل تنجيسه به. وقوله (عليه الصلاة والسلام): (( إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يُدخل يده الإناء حتى يغسلها ثلاثاً )). وما ذلك إلا من أجل النجاسة.
ومن طريق القياس، وهو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَة ُ }[المائدة:3]. ولم تحرم إلا من أجل نجاستها، فهكذا ما شاركها في النجاسة مقيس عليها في التحريم والمنع من استعماله، وقوله ً: (( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً ))، وما ذاك إلا من أجل نجاسته فيجب(1) في كل ما كان نجساً من غير فصل.
وإذا حكمنا بنجاسة الماء لم يجز التطهر به في رفع الحدث ولا رفع النجاسة عند أئمة العترة وفقهاء الأمة كما مر بيانه، للظواهر الشرعية الواردة في منع ذلك، ولأنه نجس في نفسه فلا يجوز كونه مطهراً، وهل يجوز الانتفاع بهذا الماء في غير الطهارة أم لا؟ فيه مذاهب ثلاثة:
أولها: أنه لا يجوز الانتفاع به، وتجب إراقته سواء كان متغيراً بالنجاسة أو غير متغير بها، وهذا هو الذي ذكره الأخوان: السيد المؤيد بالله والسيد أبو طالب، وهو محكي عن الشافعي ومالك وغيرهم من الفقهاء.
__________
(1) التحريم والمنع من الاستعمال.

والحجة على ذلك: قوله تعالى: {وَالْرُّجْزَ فَاهْجُرْ}[المدثر:5]. وقوله عليه السلام: (( إذا وقع الحيوان في السمن أُريق المائع وقَوِّر ما حولي الجامد))(1). وهذا فيه دلالة على أنه لا يجوز الانتفاع به؛ لأنه لو كان طاهراً لم يقل بإراقة المائع، لأنه في محل تعليم الشرع فلا يجوز فيها إغفال البيان عن موضع الحاجة.
وثانيها: أنه يجوز الانتفاع به فيما يكون استهلاكاً له، نحو سقي الزرع وبَلّ الطين وما أشبه ذلك مما يكون مغلوباً بالاستعمال فلا تُرى له عين، وسواء كان متغيراً أو غير متغير.
والحجة على ذلك: هو أن ما هذا حاله فقد جرى به عرف المسلمين من غير نكير في الأمصار والأقاليم، وقد قال عليه السلام: (( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند اللّه حسن )). ولأن في إضاعته من غير نفع يستهلك فيه، حرجاً ومشقة، وهذا شيء يحكى عن الإمام المنصور بالله.
وثالثها: فإنه يُنظر فيه فإن كان متغيراً بالنجاسة فإنه لا يجوز الانتفاع به في أمر من الأمور، وإن كان غير متغير بها جاز الانتفاع به في بلّ الطين وسقي الدواب والطير. وهذا شيء يحكى عن أبي حنيفة وأصحابه.
والحجة على ذلك: هو أنه إذا كان متغيراً بالنجاسة فهو نجس بالإجماع فلا يجوز الانتفاع به ولا مساغ للاجتهاد فيه؛ لأنه مجمع على تنجيسه، فأما إذا كان غير متغير بالنجاسة فهو في محل الاجتهاد كما قررناه من قبل، وإذا كان مما قد وقع فيه خلاف الأمة، جاز الانتفاع به في الاستهلاكات التي ذكرناها، لأنه متى كان مختلفاً فيه فالأقوال فيه صائبة لكونها اجتهادية، فمن انتفع به لم يكن هناك محذور يقع فيه فلهذا وقعت التفرقة بين ما يتغير وبين ما لا يتغير.
فأما بيعه فسيأتي الكلام عليه في البيوع بمعونة اللّه تعالى.
__________
(1) عن ميمونة أن رسول اللّه ً سئل عن فأرة وقعت في السمن. فقال: ((ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم)). أخرجه البخاري. وجاء الحديث بلفظ آخر عن أبي هريرة. ا.هـ. (جواهر).

والمختار: ما قاله الإمام المنصور بالله، من جواز الانتفاع به فيما ذكر.
والحجة على ذلك: هو أن الانتفاع به مع قيام المانع يكون رخصة من جهة اللّه تعالى لعباده؛ لأنا لا نريد بالرخصة إلا أن سبب التحريم قائم مع الإباحة كما نقول في إباحة أكل الميتة للمضطر في المخمصة، وكما نقول في بيع السَّلَم فإنه رخصة في بيع ما ليس عنده، وهاهنا سبب التحريم قائم وهو النجاسة، لكن الشرع قد دل على الرخصة لما روي عن النبي ً: (( من لم يقبل الرخصة فعليه من الأثم مثل جبال عرفات))(1). وفي حديث آخر: (( إن اللّه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ))(2) فمن أجل ذلك انتحال الرخصة فيما هذا حاله هو الأقرب، وكيف لا وفيه من تيسير الحال وتسهيل الأمر ما لا يخفى، وقد قال اللّه تعالى: {يُرِيْدُ اللّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيْدُ بِكُمُ العُسْرَ }[البقرة:185].
الانتصار: قال المانعون من جواز الانتفاع به: الآيات والأخبار دالة على المنع منه في حالة من الحالات فيجب اتباعها.
__________
(1) رواه أحمد بن حنبل في مسنده والهيثمي في مجمع الزوائد.
(2) رواه الطبراني في الكبير والهيثمي في مجمع الزائد وغيرهما، وقد جاء بألفاظ مختلفة، منها: ((إن اللّه يحب أن تقبل رخصه..)) و((إن اللّه يحب أن تؤتى عزائمه)) و((إن اللّه يحب أن يؤخذ برخصه..)) رواه البزار والطبراني عن ابن عباس، وكذا أحمد وابن خزيمة عن ابن عمر.

قلنا: إنما يندرج تحت هذه العمومات إذا كان نجساً ونحن لا نسلم نجاسته، بل لما ذكرناه من عمل المسلمين زالت نجاسته وحُكِمَ بطهارته، ثم إنا وإن سلمنا أن نجاسته باقية لكنا نقول: قد سقط حكمها لما قررناه من حديث الرخصة الذي أشار إليه الشرع، فإذاً إنما كان مندرجاً تحت العموم، إما بثبوتها وتقرير حكمها وهو الإثم، ونحن لا نسلمها في هذه الصورة، ولو سلمناها فلا نسلم بقاء حكمها، وإذا كان الأمر كما قلناه بطل اندراجه تحت ما ذكروه من العمومات الدالة على منع الانتفاع به.
قالوا: أمر بإراقة السمن لما وقعت فيه النجاسة فيجب في الماء مثله.
قلنا: الماء مخالف لجميع المائعات كلها، ولهذا فإنها تنجس بملاقاة النجاسة قليلة كانت أو كثيرة، تغيرت بالنجاسة أو لم تتغير، بخلاف الماء فإن الخلاف فيه واقع في قليله هل ينجس إذا لم يكن متغيراً أم لا؟ كما قررناه من قبل فافترقا، وأيضاً فإن الحاجة إلى الماء ليس كالحاجة إلى السمن فلا يلزم من اغتفار نجاسة ما تمس الحاجة إليه ويعظم الافتقار إلى الانتفاع به، اغتفار نجاسة مالا تمس الحاجة إليه.
قالوا: نجس فلا يجوز الانتفاع به من غير ضرورة كالميتة.
قلنا: لا نسلم كونه نجساً فإنه لو كان نجساً لم يستعمله المسلمون في الأمصار والأقاليم، ثم وإن سلمنا كونه نجساً فالمعنى في الأصل كونه نجساً يُنْتَفَع به مع بقاء عينه، وما نحن فيه ليس له عين فلهذا جاز الانتفاع به، ويؤيد ما قلناه أنه إذا كان ينتفع به مع بقاء عينه فهو مماثل للميتة في التحريم والمنع؛ لأن بقاء عينها يكون لها قدر وارتفاع وزنٍ في نظر الشرع، ونحن مأمورون باستقذارها والبعد عنها لركتها ونزول قدرها، بخلاف ما لا عين له مرئية، فإن استعماله في الاستهلاكات مطابق لنظر الشرع في إ زالتها وإذهاب أعيانها، فلا جرم انقطعت عن الميتة لما ذكرناه وذلك يفسد القياس على الميتة فافترقا.

الانتصار على أبي حنيفة: قالوا: ما كان متغيراً بالنجاسة فهو ممنوع استعماله بخلاف مالم يتغير بها.
قلنا: أهل الإجماع لم يفصلوا بين المتغير وغير المتغير في جواز الاستعمال فلا معنى للتفرقة بينهما، والتفرقة بينهما تكون تحكماً لا مستند له.
قالوا: ما كان متغيراً فهو نجس بالإجماع بخلاف ما لم يكن متغيراً فهو في محل الاجتهاد ومخالفه يتناوله الوعيد، بخلاف ما كان مختلفاً فيه فلا وعيد فيه.
قلنا: لا نسلم انعقاد الإجماع على نجاسة ما هذا حاله ولو اعتقدوا النجاسة لما استعملوه، ثم لو سلمنا انعقاد الإجماع على نجاسته فإنا نحمله على الانتفاع به فيما ليس يُعَد استهلاكاً في العادة، على أنا نقيس الجمع عليه على ما كان مختلفاً فيه بجامع كونه نجساً، فنقول: نجس فجاز الانتفاع به فيما يزيل عينه كالمختلف فيه، فبطل ما توهموه.
مسألة: ذهب أئمة العترة إلى أن الوضوء بالماء المغصوب لا يجزي ولا تنعقد الصلاة به، وهو محكي عن داود من أهل الظاهر.

والحجة على ذلك: قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوْا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ }[البقرة:188]. فنهى عن استهلاك مال الغير، ولا شك أن الوضوء به استهلاك له، وقوله ً: (( لا يحل مال امرءئ مسلم إلا بطيبة من نفس ه ))(1). وهذا لم توجد فيه طيبة في نفس مالكه، فظاهر الآية والخبر دال على المنع من استعماله، فالآية ناهية، والنهي دال على الفساد فيما كان عبادةً، والوضوء عبادة لقوله ً: (( الوضوء شطر الإيمان ))(2). ولأنه يفتقر إلى النية فكان عبادة كالصلاة، والخبر دال على تحريمه ومنعه بطريق النفي دون النهي، وهو أبلغ في عدم الإجزاء من النهي فلهذا قضينا بكونه غير مجزئ للصلاة.
والحجة الثانية: من جهة القياس، وهو أنه ممنوع من استعماله فلم يجز الوضوء به كالنجس. أو نقول: عبادةُ تُؤدَّى بالمال فلا يجوز أداؤها بالمغصوب كالكفارة، فهذه حجج ثلاث دالة على بطلان التوضؤ بما كان مغصوباً أو مسروقاً من الأمواء.
وذهب جميع الفرق الثلاث: الحنفية والشافعية والمالكية إلى جوازه مع كونه مكروهاً، وهو قول المعتزلة.
__________
(1) وفي لفظ: ((.. إلا بطيب نفس منه)). و((..عن طيب نفس منه)). و((.. من طيب نفس منه)). و((لا يحل مال رجل مسلم لأخيه إلا ما أعطاه)). رواه أحمد في مسنده والبيهقي والدار قطني.
(2) بقية الحديث ((.. والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان اللّه والحمدلله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)). أخرجه مسلم والترمذي عن أبي مالك الأشعري.

والحجة لهم على ذلك: الظواهر القرآنية كقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوْرَا}[الفرقان:48]. وقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}[الأنفال:11]. فلم يعتبر في الماء شيئاً سوى كونه طاهراً ولم يذكر كونه حراماً ولا حلالاً، وفي هذا دلالة على أن كونه حلالاً، لا يشترط في صحة التوضؤ به.
الحجة الثانية: الأخبار المروية، كقوله ً: (( خلق الماء طهوراً لا ينجسه إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه)). وقوله ً: (( الماء لا يجنب)) و (( الماء لا ينجس))، فهذه الأخبار كلها دالة على صحة التوضؤ بما كان طاهراً، ولم يعترض لما عداه من كونه حراماً، فدل ذلك على كونه مجزياً بظاهرها، فمن ادعى إخراجه عن هذه الظواهر كان مدعياً لخلاف الظاهر فلا بد من إقامة الدلالة على ذلك.
الحجة الثالثة: من جهة القياس، وهو أنه ماء مطلق فجاز التوضؤ به كالماء الحلال.
والمختار: ما عول عليه أئمة الآل من كونه غير مجز في تأدية الصلاة.
والحجة على ذلك: ما أوردوه من الآيات والأخبار والأقيسة، ونزيد هاهنا حججاً ثلاثاً بعون اللّه تعالى:
الحجة الأولى: أنا نقول: الوضوء مأمور به بدليل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوْا وُجُوْهَكُمْ}[المائدة:6]. والغصب منهي عنه بدليل قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوْا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[البقرة:188]. فلو جوزنا فعل الوضوء بالماء المغصوب لكان العبد مأموراً بفعله منهياً عنه، فيكون الوضوء مطلوباً غير مقبول، وهذا محال.

36 / 279
ع
En
A+
A-