التفريع السادس: إزالة النجاسة ليست عبادة، ولهذا فإنه لا يفتقر إلى النية، لكن الماء يصير مستعملاً بإزالة النجاسة؛ لأنه رُفع بالماء مانع من الصلاة فأشبه رفع الحدث بالوضوء والغسل، فأما الغُسالة الرابعة فهي طاهرة مطهرة باتفاق بين أئمة العترة؛ لأنها لم يزل بها حكم شرعي، فلهذا لم تكن مستعملة فهي كالماء المستعمل للتبرد، وأما الغسالة الثالثة، فهي طاهرة؛ لأنه حكم بطهارة المحل بورودها عليه فوجب الحكم بطهارتها.
وهل تكون مستعملة فلا ترفع الحدث ولا النجس أو تكون رافعة لهما؟ والأقرب على رأي أهل الاستعمال، أنها مستعملة؛ لأنها أثرت في زوال مانع من الصلاة وهو النجاسة فأشبهت ما يرفع به الحدث. وعلى رأي السيد أبي طالب وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، أنها طاهرة مطهرة تُستعمل في رفع الحدث وإزالة النجاسة جميعاً؛ لأنها كالرابعة على رأي المؤيد بالله، وأما الغسالة الثانية فإنها نجسة على رأي المؤيد بالله، فلا يُزال بها حدث ولا نجس، ويحكم عليها بالطهارة على رأي السيد أبي طالب وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وهل تكون مستعلمة أم لا؟ فعلى رأي السيد أبي طالب تكون مستعملة، وهو قول أبي حنيفة، فلا يُزال بها حدث ولا نجاسة، لأجل استعمالها. وعلى أحد قولي الشافعي أنها طاهرة يجوز إزالة الحدث والنجاسة بها، لا يتصل بها حكم الاستعمال، وأما الغسالة الأولى المتصلة بالنجاسة، فهي نجسة على رأي أئمة العترة ممن قال بأن الماء ينجس وإن لم يكن متغيراً، وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وله قول آخر أنها لا تنجس إلا إذا تغيرت بالنجاسة.

فهذه التفريعات كلها إنما تكون على رأي من قال بتغير حكمه بالاستعمال، إما في كونه نجساً كما حكيناه عنهم، وإما في كونه غير مطهر ولا رافع للحدث ولا للنجاسة، فأما من لا يرى بنجاسة الماء القليل إذا لم يتغير فلا رفع للاستعمال على مذهبه كما هو رأي القاسم، وهو المختار كما مر بيانه؛ لأن النجاسة إذا لم تكن مغيرة للماء فالاستعمال أضعف حكماً منها فلهذا لم تكن مغيرة لحكمه، وقد تم الكلام في الفصل الأول من باب المياه والله الموفق للصواب بلطفه.

---
الفصل الثاني: في بيان ما يجوز الوضوء به، ومالا يجوز
رفع الحدث وإزالة النجاسة، يجوز بالماء المطلق وهو ما نزل من السماء من ماء المطر، أو كان ذائباً من الثلج والبرد، أو ما كان نابعاً من الأرض، كماء البحار والآبار والأنهار وغير ذلك مما يكون قراحاً طيباً. وقد أوردنا الدليل على كون كل واحد من هذه الأمواء يجوز التطهر به بالأدلة الشرعية، فأغنى عن الإعادة.
مسألة: يجوز التطهر بالماء المُشَمَّس، ومعناها مالحقته حرارة لأجل(1) الشمس، عند أئمة العترة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه، ولا يُعرف خلاف بين الأمة في جوازه.
فإن قُصد تشميسه بحَرّ الشمس فهل يكره التوضؤ به أم لا؟ فعند أئمة العترة أنه لا يكره، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ومحكي عن أحمد بن حنبل.
والحجة على ذلك: هو أنه ماء لحقته الحرارة لأجل الشمس، فلا يكره كما لا يكره ماء البرك والأنهار، ولأنه ماء حصلت حرارته بعلاج، فلا يكره كما لو كانت حرارته بالنار.
وحكي عن الشافعي أقوال:
أحدها: مثل قولنا.
والثاني: يكره بكل حال وهو المنصوص له.
وله قول ثالث: يكره إذا كان مسخناً في آنية الصفر في البلاد الحارة دون غيرها.
وقول رابع: يكره في البدن دون الثياب.
وقول خامس: أنه يُرجع فيه إلى قول علماء الطب، فإن قالوا: إنه يورث البرص كره، وإلا لم يكره.
__________
(1) كلمة (لأجل) هنا، تبدو في غير مكانها، وقد تركناها كما هي في الأصل، ومعناها: بسبب الشمس.

والمختار: أنه إذا سُخّن في آنية الصفر بالشمس، كُره وإلا لم يُكره، وعلى هذا يُحمل ما روت عائشة رضي اللّه عنها، أنها سخنت ماء في الشمس فقال لها الرسول ً: (( لا تفعلي يا حميراء هذا فإنه يورث البرص))(1). وروي عن عمر أنه كان ينهى عن الماء المُشَمَّس، وقال إنه يورث البرص، اعتمادا على ما روته عائشة.
وإنما كان هذا مختاراً؛ لأن مُسْنَدَهُ الخبر دون القياس، وليس هذا يختص هذا الموضع، بل كل موضع تعارض فيه القياس والخبر، فالعمل على الخبر هو المختار في كل موطن إلا أن يكون الخبر منسوخاً أو يعرض له عارض يبطله، من جهة أن كلام صاحب الشريعة لا يقاومه كلام القياس، وهو معصوم والقائس ليس معصوماً، فلهذا كان مختاراً.
وإذا قلنا بكراهته فَبرّدَ المشمس، فهل تبقى الكراهة فيه أم لا؟ والأقرب أنها لا تبقى؛ لأن العلة هي حصول الحرارة بالشمس وقد زالت بالتبريد فلا تبقى الكراهة، وهو أحد أقوال الشافعي، وحكي عنه قول آخر أنها لا تزول الكراهة، والحق ما ذكرناه؛ لأنه قد زال العارض الموجب للكراهة فزالت في نفسها.
مسألة: وإن سُخن الماء بالنار لم يُكره التطهر به عند أئمة العترة، وهو محكي عن الفرق الثلاث: الحنفية والشافعية والمالكية، سواء سُخن بالوقود الطاهر أو الوقود النجس.
__________
(1) جاء في البحر أن الحديث حكاه صاحب (المهذب) ونحوه في (الشفاء)، وعزاه في (التلخيص) إلى الدار قطني وابن عدي في (الكامل)، وغيرهم عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وهو من طريق خالد بن إسماعيل الذي روي أن ابن عدي قال فيه: كان يضع الحديث. وأضاف في حاشية البحر ما لفظه إشارة إلى خالد: وتابعه وهب بن وهب أبو البحتري، عن هشام، قال: ووهب شر من خالد، وتابعهما الهيثم بن عدي عن هشام. رواه الدار قطني، والهيثم كذبه يحيى بن معين، وتابعهم محمد بن مروان السدي وهو متروك. أخرجه الطبراني في (الأوسط) من طريقه.

والحجة على ذلك: ما روى شريك ) أنه قال: (( اجتنبت وأنا مع رسول اللّه ً في سفر فجمعت أحجاراً وسخنت ماء فاغتسلت به، فأخبرت النبي ً فلم ينكر عليّ))(2). فتقريره إياه على ذلك فيه دلالة على عدم الكراهة فيه.
وحكي عن مجاهد أنها تكره الطهارة بالماء المسخن بكل حال.
وقال أحمد بن حنبل: إن سُخن بالوقود الطاهر جاز التطهر به، وإن سُخن بالوقود النجس كرهت الطهارة به.
والمختار: ما عليه علماء العترة وفقهاء الأمة، لما روى ابن عباس رضي اللّه عنه (( أن الرسول ً دخل حماماً في الجحفة(3) فاغتسل فيه ))(4)، ولأن الحرارة صفة عارضة للماء فلا يكره التطهر به كالبرودة.
ولا يكره التطهر في الوضوء والغسل بماء زمزم عند أئمة العترة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه ومالك.
والحجة: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوْا مَاءً فَتَيَمَّمُوْا}[النساء:43]. فهو مأمور بالتطهر به ولا يجوز التيمم مع وجوده، وما كان مأموراً به فليس مكروهاً.
وحكي عن أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه: أنه يكره.
__________
(1) شريك بن سحماء البلوي الأنصاري (مولاهم) الذي حصلت له قصة اللعان المشهورة.
(2) وروي أن الصحابة تطهروا بالماء المسخن بين يدي رسول اللّه ولم ينكر عليهم، أورده في (التلخيص) وفيه روايات من طريق الهيثم بن دريد الراوي له عن أبيه عن الأسلع، قال في حاشية البحر: وهو(يعني الهيثم) وأبواه مجهولان، والعلاء بن الفضل المنقري، راويه عن الهيثم فيه ضعف، وقد روي تسخين الماء على عهد رسول اللّه عن جماعة من الصحابة فعلوا ذلك، ومنهم عمر بن الخطاب. وروي نحو ذلك عن ابن عمر وابن عباس وسلمة بن الأكوع. رواه الدار قطني وصححه.
(3) مكان بين مكة والمدينة وهي ميقات أهل الشام، ومن ورد عليها.
(4) حكاه في الشفاء.

وحجته على هذا: ما روي عن العباس بن عبدالمطلب رضي اللّه عنه(1) أنه قال في زمزم: ((لا أحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبَلَّ))(2). فإن هذا محمول على أنه قال ذلك في وقت [قِلَّة] الماء وكثرة من يطلب الشرب منها، فكرهه من أجل ذلك.
وقوله: حل. أي: حلال طيب.
وقوله: وبل بفتح الباء بنقطة من أسفلها، ومعناه: مباح، بلغة حِمْير.
وقال أبو عبيدة ): وبَلّ أي شفاء، من قولهم: بل فلان من مرضه إذا شفي منه وبرأ.
__________
(1) أبو الفضل العباس بن عبدالمطلب عم رسول اللّه ً كان يكبر النبي بسنتين أو ثلاث، وسئل أنت أكبر أم رسول اللّه؟ فقال: هو أكبر مني وأنا ولدت قبله. رواه السيد أبو طالب. حضر مع النبي ً ليلة العقبة لبيعته الأنصار، وخرج إلى بدر مع المشركين فأسر ففادى نفسه وبني أخويه عقيلاً ونوفلاً ومسلماً، وعذره النبي ً في الإقامة بمكة لأجل سقايته، ولقي النبي ً في سفر الفتح مهاجراً فرجع معه فكان سبباً لحقن الدماء، ثم خرج إلى حنين وثبت حين انهزم الناس وصاح فيهم فرجعوا وانهزم المشركون. وكان النبي ً يجله والخلفاء من بعده. كان جواداً أعتق سبعين عبداً. توفي يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من رجب سنة 34هـ. وهو ابن ثمان وثمانين سنة وصلى عليه عثمان وقبره بالبقيع. (مقدمة الأزهار).
(2) أسنده في جواهر الأخبار إلى الانتصار. ج2/37 بحر، وأورده ابن الأثير في النهاية في مادة (بلّ) دون أن يذكر راويه.
(3) معمر بن المثنى المعروف بأبي عبيدة. لغوي إخباري ولد ومات بالبصرة بين سنتي 728 / 825م، زار بغداد ودرس على أبي عمرو بن العلاء، ويونس بن حبيب، فصار أحد ثلاثة تعاصروا وتنافسوا، هو وأبو زيد والأصمعي. ألف نحو مأتي رسالة في اللغة والقرآن والحديث والأخبار والأدب والتاريخ، وأخرج أول رسالة في مجاز القرآن. ا.هـ. ملخصاً من الموسوعة العربية ج1/36.

والمختار: ما عول عليه علماء العترة وفقهاء الأمة، من أجل الظواهر الشرعية التي ذكرناها في طهارة الأمواء من جهة الكتاب والسنة، فإنها عامة في جميع الأمواء إلا ما خصته دلالة، وأيضاً فإن الصدر الأول من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا يتطهرون بها من غير نكير، وكونها في موضع شريف لا يمنع من التطهر بها كما لو انصب المَطَرُ من ميزاب الكعبة والحرم.
مسألة: وما عدا ذلك من الأمواء، نحو ماء الورد وهو الذي يعتصر من الورد وماء العصفر وماء الزعفران، وهذا هو الذي يكون معتصراً منهما، فلا يجوز التطهر به عند أئمة العترة وهو قول الفريقين، وهو محكي عن مالك وهو مذهب عامة العلماء إلا ما يحكى عن الإمامية، فإنهم جوزوا الوضوء بماء الورد، وهو محكي عن الصادق )، وحكوا عنه أنه سُئل عن التطهر به فجوزه وقال: ما زاد إلا طيباً(2). وعن الأصم أنه جوز رفع الحدث بكل مائع طاهر، وعن بعض الفقهاء(3) جواز التطهر بالخلّ.
__________
(1) أبو عبدالله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط عليه السلام، أحد أعلام الحديث والفقه بالمدينة. روى عن أبيه وجده من قبل أمه القاسم بن محمد بن أبي بكر، وعن عطاء ونافع وآخرين، وأخذ عنه مالك والسفيانان (الثوري، وابن عيينه) وآخرون، ووثقه الشافعي وابن معين. وعن أبي حنيفة: ما رأيت أفقه منه. قال أبو حاتم: هو ثقة لا يسأل عن مثله. توفي سنة 148هـ عن ثمان وستين سنة ودفن في البقيع في قبة آل البيت ٍ.
(2) الكلام لجعفر الصادق ولعله اجتهاد خاص به.
(3) من فقهاء الحنفية.

والحجة على ذلك: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوْا مَاءً فَتَيَمَّمُوْا صَعِيْدَاً طَيِّبَاً}[النساء:43]. فلم يجعل بين التيمم وعدم الماء مرتبة، وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز التطهر بغير الماء، ولأن الصحابة (رضي اللّه عنهم) وغيرهم من التابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا قد كانوا يسافرون ويعدمون الأمواء في المفازة، ولم يُعلم بأن أحداً منهم توضأ بغير الماء ولا عدل إليه(1).
فإن قال قائل: فهل يكون من قال بجواز التطهر بغير الماء، خارقاً للإجماع لما ذكرتموه من عمل الصحابة، والقياس على خلاف قوله؟
قلنا: معاذ اللّه أن يُعَدُّوا خارقين للإجماع والمسألة اجتهادية، وما هذا حاله من المسائل فلا يكون المخالف فيها خارقاً؛ لأنهم وإن أجمعوا على جواز التطهر بالماء فلم يجمعوا على منع التطهر بغيره، فلو صدر منهم هذا الإجماع لكان من خالف يكون خارقاً لإجماعهم، ولكنهم سكتوا عن تحريم التطهر بغيره ولهذا جرى فيه الخلاف.
وهل يجوز التطهر بماء الزعفران أم لا؟ وقد قدمنا ذكر هذه المسألة وذكرنا أن الزعفران إن كان غالباً على الماء لم يجز التطهر به إجماعاً من أئمة العترة وفقهاء الأمة، وإن كان مخالطاً غير غالب لم يجز التطهر عند أئمة العترة، وهو قول الشافعي.
وقال أبوحنيفة وأصحابه: يجوز التطهر به، وهو المختار كما مر تفصيله بأدلته فأغنى عن الإعادة.
وهل يجوز التطهر في رفع الحدث والنجاسة بالماء الذي يقطر من أعواد الشجر عند كسرها أم لا؟ يحكى عن الإمام المنصور بالله: جواز التطهر بما هذا حاله.
والحجة على هذا: قوله ً: (( خلق الماء طهوراً))، وما هذا حاله فإنه لم يتغير بطاهر ولا بنجس يغير شيئا من أوصافه، فجاز التوضؤ به كالماء القراح، وقال: لا فرق بين أن يجريه اللّه في عود أو حجر.
والذي عليه أكثر أئمة العترة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه، أنه لا يجوز التطهر به.
__________
(1) إلى غير الماء.

والحجة على ذلك: من الظواهر القرآنية والأخبار الدالة على انحصار التطهر بالماء فأغنى عن الإعادة.
والمختار: ما عول عليه أكثر أئمة العترة وأكثر الفقهاء وإن لم يزل عنه اسم الماء، فقد زال عنه مطلق اسم الماء، فإنه لا يقال فيه: إنه ماء، ولكن يقال: ماء عنب وماء شجر، وغير ذلك من الأوصاف، ولأنه إذا لبث في الإناء فإنه يتغير ويستحيل عن كونه ماء فلو كان ماء لم يتغير مع الإقامة.
قوله: إنه قد اندرج تحت الظواهر الدالة على كونه مطهراً فوجب العمل عليها.
قلنا: قد دل الدليل على كونه مخصوصاً منها فعملنا بالعمومات فيما تناولته والمخصصات فيما تناولته، توفقةً بين الأدلة وعملاً بما دلت عليه بحسب الوسع.
قوله: لا فرق بين أن يجريه اللّه تعالى في الأعواد أو في الأحجار والصخور.
قلنا: الأحجار والصخور لا تكسبه تغيراً فلهذا جاز التطهر [به] و[هو] يخالف ما يجري في الأعواد والشجر فإنه يخالطه، فلا جرم أذهب عنه اسم مطلق الماء، فلم يجز التطهر به كماء اللحم وماء الباقلا فافترقا.
مسألة: النبيذ نجس فلا يجوز التطهر به ولا بشيء من الأنبذة، عند أئمة العترة وهو قول الشافعي ومالك، وحكي عن أبي حنيفة: جواز التطهر بنبيذ التمر المطبوخ في السفر عند عدم الماء، وقد قدمنا هذه المسألة وحكينا فيها الخلاف فأغنى عن التكرير، لكنا نزيد هاهنا إيراد ما تعلقوا به ونبطله.
الانتصار: يكون بإبطال ما اعتمدوه، وقد احتجوا بخبر ابن مسعود ليلة الجن.

قلنا: قد أبطلناه من قبل ونزيد هاهنا فنقول: قد روى هذا الحديث أبو زيد مولى عمرو بن حريث وهو ضعيف، وروى النخعي عن عبدالله بن مسعود أنه قال: لم أكن مع الرسول ً ليلة الجن ووددت أني كنت معه. وروى الشعبي ) عن علقمة ) قال: قلت لابن مسعود: أكنت مع النبي ً ليلة الجن؟ فقال: لا، لم يصحبه أحدٌ منا. خرَّجهما مسلم (3) في كتابه.
وعلى أن الذي توضأ به لم يكن مطبوخاً وإنما كان نيئاً؛ لأن العرب لا تعرف الطبخ، وعندكم أنه لا يجوز بالنيئ بحال.
ولأنه لم يكن نبيذاً وإنما نبذ فيه تمرات لاجتداف ملوحته(4) . وإنما سماه نبيذاً لما كان يصير إليه، كما قال تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرَاً }[يوسف:36]. ولهذا قال: (( تمرة طيبة )).
__________
(1) أبو عمرو عامر بن شراحيل بن عبد الشعبي من همدان، كان فقيهاً، وراوية للحديث، وعالماً بالمغازي والسير. قال مكحول: ما رأيت أعلم بسنة ماضية من عامر الشعبي. وقال ابن سيرين لأبي بكر الهذلي: الزم الشعبي، فلقد رأيته يستفتى وأصحاب رسول اللّه ً في الكوفة. مات سنة 104هـ، وقيل: سنة 107هـ. عن 82 سنة. (طبقات الفقهاء 82).
(2) علقمة بن مراد الحضرمي، محدث، ثقة، ثبت، روى عن سعيد بن عبيدة، وسليمان بن بريدة. وعنه سفيان، وشعبة، توفي آخر ولاية خالد القسري. (راجع طبقات ابن سعد ج6/331، والتقريب ج2/31، والجرح والتعديل ج2/406. ا.هـ در السحابة 799).
(3) مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري الإمام الحافظ صاحب التصانيف والصحيح. خرج له الترمذي والمرشد بالله وأبو الغنائم الرسي. (طبقات الزيدية (خ) 2/342، تهذيب التهذيب).
(4) هكذا في الأصل جاءت كلمة (احتداق) غير معجمة والمراد بها امتصاص ملوحة الماء، ولعلها: (اجتداف).

35 / 279
ع
En
A+
A-