والحجة على ذلك: ما رواه أبو سعيد الخدري، قال: سمعت رسول اللّه ً يقول: (( إن الماء طهور لا ينجسه شيء)). وقوله ً: (( خلق الماء طهوراً لا ينجسه إلا ما غير ريحه أو طعمه))، وهذا لم يتغير أحد أوصافه فيجب القضاء بطهارته، وما رواه ابن عباس عن النبي ً أنه قال: (( إن الماء لا يجنب ))(1) فهذه الأحاديث كلها دالة على أن مالم يتغير فهو طاهر لا محالة.
وثانيهما: أنه يكون نجساً وإن لم يتغير لَمَّا كان متصلاً بالنجاسة، وهذا شيء يحكى عن بعض أصحاب الشافعي، منهم: أبو إسحاق الإسفرائيني وابن الصباغ صاحب (الشامل)، وعن صاحب (المهذب)، وصاحب (المقنع) أيضاً.
وحجتهم على هذا: هو أن ما تغير فهو نجس بالاتفاق لظاهر الأحاديث، وإذا كان نجساً كان ما اتصل به نجساً؛ لأنه ماء واحد فلا يجوز أن ينجس بعضه دون بعض فلأجل هذا حكمنا عليه بالنجاسة في جميعه.
__________
(1) عن ابن عباس قال: اغتسل بعض أزواج النبي في جفنة، فجاء رسول اللّه ً ليتوضأ منها أو يغتسل، فقالت: إني كنت جنباً، قال: ((إن الماء لا يجنب)). أخرجه الترمذي. ويجنب: بضم الياء وكسر النون في رواية، وفي أخرى: بفتح الياء وضم النون، ومعناها: لا يصير جنباً. ا.هـ بحر.

والمختار: ما عول عليه أصحابنا والفقهاء لما رويناه من الأخبار، فإنها كلها دالة على أنه لا ينجس من الماء إلا ما تغيرت أوصافه، وما هذا حاله فإنه لم يتغير إلا بعضه وما عداه باق على أصل التطهير وقد حمل بعضهم ما قالوه، على أن الماء الذي لم يتغير دون القلتين، فأما إذا كان فوق القلتين فإنه لا ينجس جميعه، وهذا فاسد لا وجه له، فإن ابن الصباغ نص على خلاف ذلك في كتابه (الشامل)، فقال: إذا كان هاهنا ماء راكد متغير بالنجاسة وبجنبه قلتان متصلتان بالراكد غير متغيرتين فقياس المذهب أنه كله ينجس؛ لأنه كالماء الواحد فلهذا كان الكل نجساً وإن كثر، فَلِمَا نقلناه يضعف هذا الحمل. وحاصل هذه المقالة أن كل ما كان متصلاً بالنجس فإنه يكون نجساً مثله وإن لم يتغير لكونه ماء واحداً، ويضعف ما قالوه من وجهين:
أما أولاً: فيلزم هؤلاء إذا كانت بجانب البحر جيفة ميتة فتغير بعض البحر بها أن ينجس جميعه، وهذا لا يلتزمه أحد، وغالب ظني أنهم يفرقون على قولهم بهذه المقالة بين البحر والبرك فتنجس البرك وما شاكلها ولا ينجس البحر، وكله فاسد.
وأما ثانياً: فلأنا إنما حكمنا بنجاسة ما تغيرت أوصافه لدلالة الخبر؛ فأما ما لم يتغير فهو باق على أصل حكم الماء في الطهارة، ويزعمون أن البحر مخصوص بقوله عليه السلام: (( من لم يطهره البحر فلا طهره الله ))، ولم يفصل بين أن يكون متغيراً بالنجاسة أو غير متغير.
مسألة: وإن وقعت النجاسة في ماء كثير ولم تغير شيئاً من أوصافه، فهل ينجس ما لاقى النجاسة واتصل بها أم لا؟ فيه مذهبان:

المذهب الأول: أن جميع الماء كله طاهر ولا ينجس الماء إلا بالتغير لأحد أوصافه، وهذا هو المحكي عن جماعة من الصحابة، كابن عباس، وأبي هريرة، وحذيفة بن اليمان )، ومروي عن جماعة من التابعين، كالحسن البصري )، وسعيد بن المسيب، وعكرمة )، وابن أبي ليلى )
__________
(1) حذيفة بن اليمان العبسي الأنصاري (حليفهم). أصله من اليمن، أسلم هو وأبوه وهاجرا وشهدا أحداً، وقتل والده يومئذ بأيدي المسلمين خطأً،فقال حذيفة:غفر اللّه لكم ووهبت دمه. وأسلمت أمه وهاجرت، وكان صاحب رسول اللّه ً وأحد الفقهاء وأهل الفتوى. وصاحب رسول اللّه ً في المنافقين، أي المختص بتتبع أخبارهم. وله مقامات محمودة في الجهاد أعظمها ليلة الأحزاب.توفي رحمه اللّه سنة36هبالمدائن، وكان يحث على الخروج مع أمير المؤمنين عليه السلام.
(2) الحسن بن سيار البصري، ويعرف بالحسن بن أبي الحسن البصري، علاَّمة التابعين، ورأس الطبقة الثالثة، كان ثقة، حجة، عظيم القدر، حدث عن: أنس، وأبي برزة، وابن عمر. وفي أمالي أبي طالب: أنه أخذ عن علي عليه السلام، وأنكره بعضهم. ولد لسنتين بقتا من خلافة عمر، وتوفي سنة 116هـ.
(3) أبو عبدالله عكرمة بن عبدالله البربري، مولى ابن عباس، أصله من البربر، وهب لابن عباس فاجتهد في تعليمه القرآن والسنة، حدَّث عن: ابن عباس، وعلي، وابن عمر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، والحسن بن علي، وعائشة، وغيرهم، وهو أحد فقهاء المدينة وتابعيها، قال له ابن عباس: افت الناس. وقيل لسعيد بن جبير: هل أحد أعلم منك؟ قال: عكرمة. وقد تكلم فيه بعضهم، ولم يسمع؛ لأن عكرمة احتج به أهل الأسانيد والسنن، ومات ابن عباس وهو على الرق، فباعه علي بن عبدالله بن عباس من خالد بن يزيد بأربعة آلاف. وقال له عكرمة: ما خير لك بعت علم أبيك بأربعة آلاف. فاستقال البيع ورده وأعتقه، توفي سنة 107هـ. (مقدمة الأزهار، تهذيب التهذيب).
(4) أبو عيسى عبدالرحمن بن أبي ليلى واسمه: يسار الأوسي الكوفي ولد لست بقين من خلافة عمر بالمدينة، من رواة الحديث. احتج به الستة، واستعمله الحجاج على القضاء، ثم عزله، ثم ضربه ليسب علياً عليه السلام، خرج مع عبدالرحمن بن الأشعث، وغرق في نهر الدجيل سنة 83هـ. (مقدمة الأزهار).

، وجابر بن زيد ) وغيرهم، وإليه يشير كلام القاسم، فإنه روى محمد بن منصور قال: حضرت القاسم بن إبراهيم، وكان يُسْتَسْقَى له من بئر كان يتوضأ منها، فأصابوا يوماً في البئر حمامة ميتة فَأُعْلِم القاسم بذلك فقال لغلمانه: انظروا هل تغير منها ريح أو طعم أو لون؟ فنظروا فلم يروا تغيراً فتوضأ منها، ولم يعتبر مجاوراً للنجاسة أصلاً، وإليه يشير كلام الهادي. فإنه قال: حدثني أبي عن أبيه في البيار والغدران يقع فيها الشيء النجس فقال: لا تفسد إلا أن تغلب النجاسة عليها ولا ينجسها ما وقع فيها من ميتة أو ما أشبهها إذا لم يغلب عليها النجس في لون أو ريح أو طعم، وهذا محكي عن أبي يوسف.
والحجة على ذلك: ما رواه أبو سعيد الخدري من قوله ً: (( خلق الماء طهوراً لا ينجسه إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه )). فظاهر الخبر دال على أن الماء لا ينجس منه إلا ما تغير بأحد هذه الأوصاف الثلاثة أو بمجموعها، وما ذكرنا ليس متغيراً فلهذا وجب الحكم عليه بالطهارة كله من غير أن يكون نجساً بالمجاورة.
المذهب الثاني: أن ما يلي تلك النجاسة محكوم عليه بالتنجيس، ثم اختلفوا في ذلك على أقوال ثلاثة:
أولها: أن المجاور الأول للنجاسة نجس، والمجاور الثاني مما جاورها نجس أيضاً، وهذا هو المحكي عن المؤيد بالله.
__________
(1) الإزدي البصري أبو الشعثاء (جابر بن زيد)، تابعي فقيه من أهل البصرة صحب ابن عباس وكان من بحور العلم. وقال عنه أحمد في كتاب الزهد: لما مات جابر بن زيد، قال قتادة: اليوم مات أعلم أهل العراق. توفي سنة 93هـ. ا.هـ. الأعلام2/104.

وحجته على ما قاله: ما رواه أبو هريرة عن الرسول ً أنه قال: (( إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً ))(1). فلولا أن المجاور الثاني ينجس، وإلا لكان لا فائدة في الغسلة الثالثة والأمر بها، والقياس في الغسالة الثالثة أن تكون نجسة لاتصالها بالنجس، لكنا قضينا فيها بالطهارة لحديث أبي هريرة فإنه قصره على الثالثة، فلو كانت نجسة لم تكن مطهرة لما قبلها، والتعبد في الطهارات وارد على خلاف الأقيسة المطردة في الاتصال.
وثانيها: أنه لا ينجس إلا المجاور الأول وهو ما لاصق النجاسة وباشرها دون غيره من المجاورات فإنها طاهرة، وهذا هو الذي يشير إليه كلام السيد أبي طالب وهو قول أبي حنيفة.
والحجة على ذلك: هو أن السبب في التنجس للماء إنما هو عين النجاسة، والمتصل بها ليس إلا المجاور الأول فإنه ملاصق لها بخلاف المجاور الثاني فإنه غير ملاصق، فلأجل هذا قضينا بنجاسة الأول دون غيره لاتصاله بها وملاصقته لها.
وثالثها: أنه ينظر في الماء المتصل بالنجاسة فإن كان دون قلتين فهو نجس وإن لم يتغير، وإن كان قلتين فما فوقهما فهو طاهر، وهذا هو رأي الشافعي وأصحابه.
__________
(1) نقله في موسوعة الأطراف عن البيهقي والكامل لابن عدي، وعن النسائي في سننه. وجاء بلفظ: ((فلا يضع يده في الوضوء...إلخ)).

والحجة على ذلك: ما رواه عمر رضي اللّه عنه عن الرسول ً، أنه قال: (( إذا كان الماء قلتين لم ينجس ))(1). فالقلتان عنده كثير وهو غير متغير فلهذا لم يكن نجساً لمجاورة النجاسة؛ لأنه كثير كما سنقرره من بعد، وإن كان دون القلتين فهو قليل فيجب الحكم بنجاسته وإن لم يكن متغيراً لكونه قليلاً. فهذا تقرير المذاهب في هذه المسألة.
والمختار: ما عول عليه الإمامان: القاسم والهادي ومن وافقهما من علماء الأمة الصحابة والتابعين.
والحجة على ذلك: من أوجه ثلاثة:
أما أولاً: فحديث ابن عباس (( الماء لا يجنب )).
وأما ثانياً: فحديث أبي سعيد الخدري حيث قال: (( خلق الماء طهوراً لا ينجسه شيء )). أخرجنا ما تغير بعض أوصافه بالنجاسة أو كلها بدليل خاص غير ظاهر هذين الخبرين، فبقي ما عداها مندرجاً تحت ظاهرهما فيجب القضاء بطهارته إذ لا تغير فيه.
وأما ثالثاً: فلأن المجاور الثالث كالثاني والأول في عدم التغير بالنجاسة، فلو قضينا بنجاسة الأول والثاني لوجب القضاء بنجاسة الثالث وما وراءه لاشتراكها كلها في عدم تغيرها بالنجاسة؛ إذ لا فاصل هناك، فإذا لم يكن هناك مخصص وجب القضاء بطهارة الكل من المجاورات وهذا هو المقصود.
وأما ما احتج به الإمام المؤيد بالله من حديث أبي هريرة، فعنه جوابان:
أما أولاً: فلأنه ليس في ظاهر الحديث ما يدل على نجاسة شيء من المجاورات بصريحه فلا تكون فيه حجة.
__________
(1) جاء من عدة طرق وبألفاظ مختلفة. وفيه: ((إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء). ونحوه عن ابن عمر: ((... لم يحمل الخبث)). وفي رواية لأبي داود: ((... فإنه... إلخ)). وزاد في الشفاء: ((.. لم يحمل الخبث ولم ينجس)). ا.هـ . بحر . بتصرف.

وأما ثانياً: فلأنه إنما ذكر الثلاث مبالغة في التنظيف كما أشار في الغسلات السبع من ولوغ الكلب و التعفير بالتراب مبالغة في التنظيف وإزالة الأثر، فكما أن الشيء لا يكون نجساً بالمجاورة فهكذا حال الغسالة الثالثة والأولى لا تكونان نجستين لما ذكرناه.
وأما ما احتج به الإمام أبو طالب. فجوابه: أن مطلق الاتصال بالنجاسة لا يوجب تنجيسه إلا بظهور أثرها فيه، فأما إذا لم يظهر أثرها عليه فلا وجه للحكم بنجاسته، فإذاً لا وجه لنجاسة المجاور الأول كما ذكر بحال، ولأنه يلزم الحكم بنجاسة المجاور الثاني لاستوائهما جميعاً في عدم التغير، وهو لا يقول به، فليس إلا الحكم بطهارة الماء كله من غير حاجة إلى تنجيس شيء من المجاورات.
وأما ما احتج به الشافعي، فهو مبني على أن القلتين كثير وما دونهما قليل، ومبني على أن القليل ينجس عند ملاقاة النجاسة وإن لم يتغير، وسنقرر الكلام عليه في هذين الأصلين بعد هذا بمعونة اللّه تعالى.
مسألة: الماء الراكد إذا وقعت فيه نجاسة ولم تغير أوصافه وكان قليلاً، فهل ينجس لوقوعها فيه أم لا؟ فيه مذهبان:

المذهب الأول: أنه يكون نجساً وإن لم يتغير، وهذا هو قول الأكثر من أئمة العترة، الهادي والناصر والأخوين(1) وغيرهم، ومحكي عن ابن عمر من الصحابة، ومن التابعين عن سعيد بن جبير )، ومجاهد ) وأحمد وإسحاق بن راهويه، وهو مروي عن الفريقين: الحنفية والشافعية. والحجة على ذلك: من جهة الكتاب والسنة والقياس.
__________
(1) الأخوان أو السيدان، حينما تطلق إحداهما، فهي تعني المؤيد بالله وأخاه أبا طالب، كما سبق في الرموز بالمقدمة.
(2) سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، مولى بني والبة (بطن من أسد)، ابن خزيمة، الكوفي، قال في الطبقات: هو أحد أعلام التابعين. وثقه المؤيد بالله، وعده السيد صارم الدين من ثقات محدثي الشيعة. وقال ابن حجر: ثقة، ثبت، فقيه، من الطبقة الثالثة، وروايته عن: عائشة وأبي موسى، ونحوهما مرسلة. وروى عن ابن عباس، وابن الزبير، وابن عمر، وابن معقل، وعدي بن حاتم، وأبي مسعود الأنصاري، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، والضحاك بن قيس الفهري، وروى عنه: ابناه عبدالملك وعبدالله، ويعلى بن حكيم، ويعلى بن مسلم، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو الزبير المكي، وعطاء بن السائب، وغيرهم كثير. خرج مع ابن الأشعث في جملة القرَّاء فلما هزم ابن الأشعث هرب سعيد إلى مكة فأخذه خالد القسري وبعث به إلى الحجاج فقتله سنة 95هـ، وهو ابن تسع وأربعين سنة. وروي أنه دعا عند أن أمر الحجاج بقتله فقال: اللهم لا تسلطه على أحد بعدي، فمات الحجاج بعده بأيام. (مقدمة الأزهار، تهذيب التهذيب).
(3) أبو الحجاج مجاهد بن جبر المخزومي (مولاهم)، المكي، المقرئ المفسر، الحافظ. قال الذهبي: أجمعت الأمة على إمامته والاحتجاج به، قرأ عليه عبدالله بن كثير، وأبو عمرو بن العلاء، وابن محيسن، وكان يكبر من سورة الضحى. توفي ساجداً، واختلف في وفاته على أقوال منها سنة 100هـ. (مقدمة البحر).

الحجة الأولى: من جهة الكتاب، قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ }[المدثر:5]. وقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ }[الأعراف:157]. وقوله تعالى: {إِنَّمَا الخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ }[المائدة:90]. إلى قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوْهُ}. فدلت هذه الظواهر على المنع من استعمال النجاسة ووجوب تجنبها، واستعمال هذا الماء يؤدي إلى استعمال النجاسة، فوجب المنع منه.
الحجة الثانية: من جهة السنة، قوله عليه السلام: (( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله .. ))(1)، وقوله عليه السلام: (( إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً )). وقوله ً: (( لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ثم يتوضأ فيه ))(2). فجميع هذه الأخبار دالة [على المنع] مما هذا حاله ولم يغير طعماً ولا لوناً ولا ريحاً(3).
__________
(1) عن أبي هريرة أن النبي ً قال: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب، أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب)). وفي رواية ((.. إحداهن بالتراب)) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي، وروايات أخر للبخاري. وفي رواية عن عبدالله بن مغفل (مغفل: بضم الميم وفتح الغين المعجمة ثم فاء مشددة) ((.. فاغسلوه سبع مرات وعفروه في الثامنة بالتراب)) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، والنص لمسلم.
(2) هذا الحديث فيه روايات عدة بألفاظ مختلفة، منها ما روي عن أبي هريرة أنه سمع رسول اللّه ً يقول: ((نحن الآخرون السابقون.. )) قال: ((ولا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ويغتسل فيه )). رواه البخاري ومسلم. وفي لفظ (( ..ثم يتوضأ منه)) رواه الترمذي. وفي رواية للنسائي ((.. الماء الراكد.. )).
(3) دالة على وجوب تجنب استعمال الماء إذا ظن أنه سيؤدي إلى مخالطة النجاسة.

الحجة الثالثة: قياسية، وهو أنه ماء قليل خالطته النجاسة فوجب أن ينجس كما لو تغير، ولأنه ماء قد تيقن استعمال النجاسة باستعماله فكان نجساً كما إذا ظهرت عليه النجاسة، ولأنه اجتمع فيه الحظر والإباحة فوجب تغليب الحظر ومنعه على جانب الإباحة، كالجارية بين الرجلين في تحريم وطئها لأحدهما، والصيد قتله مسلم وكافر، وهذه الأدلة الشرعية دالة على منعه وتنجيسه.
المذهب الثاني: أنه طاهر في نفسه ولا يحكم بنجاسته إلا إذا تغير، وهذا محكي عن جلة من الصحابة كابن عباس وأبي هريرة وحذيفة بن اليمان، وعن جماعة من التابعين، الحسن البصري وسعيد ابن المسيب وعكرمة وابن أبي ليلى وجابر بن زيد والأوزاعي وداود والثوري والنخعي )، واختاره مالك، وهو مروي عن الإمام القاسم بن إبراهيم، حكاه النيروسي ) عنه، فإنه قال: كل ما لا تظهر فيه النجاسة لا ينجس بما وقع فيه من النجس وإن كان قليلاً. والحجة على ذلك تكون من جهة الكتاب والسنة والقياس:
الحجة الأولى: من الكتاب، قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوْرَاً}[الفرقان:48]. وقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}[الأنفال:11]. فظاهر هاتين الآيتين دال على أن كل ما نزل من السماء فهو طاهر يُتطهر به من غير فصل بين قليله وكثيره، سواء اتصلت به النجاسة أو لم تتصل، لكنه خرج ما تغير أحد أوصافه أو كلها بدلالة منفصلة.
__________
(1) إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي التابعي أبو عمران، من كبار فقهاء التابعين، أُدخل على عائشة وهو صغير، وأرسل عن علي عليه السلام، وخرَّج له الجماعة وأئمة الزيدية.
(2) جعفر بن محمد بن شعبه النيروسي كان من العلماء الفضلاء، صحب القاسم بن إبراهيم وروى عنه، وله كتاب (مسائل النيروسي). وروى عنه محمد بن منصور المرادي والناصر للحق. ا.هـ. (تراجم الأزهار).

29 / 279
ع
En
A+
A-